الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 6th October,2003 العدد : 31

الأثنين 10 ,شعبان 1424

بين الممكن والمستحيل في اختيار أراضي الاستثمار الزراعي في جازان
علي محمد العمير

قرأت في بعض صحفنا المحلية الصادرة بتاريخ 29/5/1423هـ تصريح معالي وزير الزراعة عن تفاصيل الموافقة السامية على «ضوابط تراخيص الاستثمار الزراعي والسمكي بجازان، وسهول تهامة».
ولست هنا بصدد الإشادة بأهمية هذه الضوابط رغم كونها مهمة جداً، وخاصة التوصيات ذات العلاقة بالاستثمار الزراعي، ومنها الإسراع بتنفيذ مشروع الساحل «جدة جازان» المعتمدة ميزانيته بالكامل، وتفعيل دور البنك الزراعي في دعم المزارعين من أبناء جازان، وسهول تهامة.
وما أشار إليه معاليه أيضاً من أن الدولة ستقوم بتسهيلات، وحوافز ممثلة في مشاريع البنية الأساسية لتكون دافعاً قوياً لجذب الاستثمارات الزراعية المأمولة، وإن لم يفصح معاليه عن شيء من هذه المشاريع الخاصة بالبنية الأساسية، ولا متى ستقوم بها الدولة؟!
وذلك رغم العلم الأكيد عند معاليه، وعند الجميع أن مشاريع «البنية الأساسية» تسبق دائماً جميع المشروعات في أية منطقة، وخاصة «منطقة جازان» ذات البنية المتواضعة أصلاً.. تواضعاً شديداً.
***
وكل ذلك وغيره من الأشياء المعروفة بطبيعة الحال ولكني في مقالي هذا أريد التركيز على موضوع ملكيات الأراضي الزراعية وما أشار إليه معاليه عن عزم الوزارة على «تأجير المواقع المخصصة للاستثمار الزراعي بأجور رمزية» الخ.
ولست أدري أين هذه المواقع، وهل هي مملوكة للوزارة.. وهل هي من الأراضي الطينية العالية الجودة في تربتها.. القريبة من مسارات السيول في الأودية الكثيرة جداً.. أم هي أي الأراضي المخصصة للاستثمار من أراضي «الخبوت» التي لا أهمية لها بأي حال قياساً بالأراضي الطيبة على ضفاف الأودية وهي الأصل في الأراضي الزراعية لدى الأهالي هناك.
***
والذي أعرفه حق المعرفة أن هذه الأراضي الجيدة الواسعة المساحات إلى حد كبير جداً، والصالحة فعلاً للزراعة الحقيقية، والتي تزرع فعلاً منذ الأزل تقريباً.
جميع هذه الأراضي الممتازة مملوكة للمواطنين على شكل «حيازات» مختلفة المساحات، ولا تملك وزارة الزراعة فيها متراً واحداً.
وهناك بقية أراضي المنطقة، وهي ما تسمى هنالك ب«الخبوت» جمع «خبت» وهي تسمية فصيحة.
هذه «الخبوت» أيضاً معظمها أو كلها مملوكة أيضاً للمواطنين سواء بصكوك.. أو بحجج قديمة.. أو متوارثة بين القبائل باعتبارها مراعيهم أباً عن جد.
ولو افترضنا أن امتلاك بعضها.. لا يستند إلى ما يناهض نظام التملك الحكومي للأراضي.. فإنها أي الخبوت غير صالحة للاستثمار الزراعي بالقياس إلى الأراضي الزراعية الحقيقية، وهي الأراضي الطينية المملوكة للأهالي بصورة شرعية كاملة.
وأضرب مثلاً بالشركة الزراعية التي قامت في المنطقة منذ مدة طويلة اضطرت اضطراراً إلى شراء الأراضي بالقيمة، وفضلاً عن ذلك أنها لم تتمكن من شراء مساحة كبيرة كافية لمشاريعها بسبب تعدد المالكين للأراضي، وعدم رغبة معظمهم في البيع.
وفضلاً عن ذلك اضطرت الشركة إلى شراء الأراضي ذات المستوى الأقل من مستوى الأراضي الزراعية الخصبة.
***
ولو كانت وزارة الزراعة تملك أرضاً زراعية للجأت إليها الشركة للحصول على الأراضي المطلوبة سواء بالتمليك النظامي المتبع لدى الوزارة.. أو بالتأجير الذي أذكر بالمناسبة انني لم أسمع عن نظام تأجير الأراضي الزراعية سواء للشركات.. أو للأهالي.
ولذلك ربما يكون المقصود بإشارة معالي الوزير في تصريحه الآنف الذكر إلى مسألة «التأجير» هم أصحاب الاستثمارات من غير السعوديين.. وهذا هو الأقرب إلى فهمي.
ولربما قد صدر نظام تأجير للسعوديين أيضاً حيث انقطعت بعض سنوات لأسباب خاصة بي عن متابعة الأخبار الحكومية، وغيرها فلم أعلم بشيء من ذلك.
***
ولكن ليس هذا هو المهم.. بل المهم هو يقيني.. أو شبه يقيني أن وزارة الزراعة لا تملك أدنى مساحة من الأراضي الزراعية الخصبة الصالحة للاستثمار الزراعي على الوجه الصحيح.. حيث إن هذا النوع من الأراضي مملوك بكامل مساحاته الهائلة للأهالي هناك، ملكاً شرعياً صحيحاً لا تستطيع الوزارة أن تنازع فيه.
أما إذا كانت الوزارة تملك أي أرض في المنطقة فإنني لا أشك مطلقاً في كونها متدنية جداً سواء من ناحية الخصوبة.. أو حتى من ناحية صلاحية الموقع.. أو من ناحية انتزاعها من أهلها بالمصادرة لعدم قدرتهم على إثبات ملكيتهم لها رغم وجود مئات الشهود عندهم.
ورغم العرف الجاري في المنطقة من حيث إن هذا النوع من الأراضي عبارة عن مراعٍ خاصة للأهالي في مختلف جهات المنطقة، ولم تكن ملكيتها لهم موضع نزاع.
ولذلك كانوا منذ زمن بعيد لا يهتمون بتوثيق ملكهم لهذه الأراضي لاطمئنانهم الكامل بعدم امكانية أي نزاع حولها.. ولم ينازعهم فيها فعلاً أي منازع منذ أقدم الأجداد الذين توارثوها عنهم.
ولكن ما فاتهم حقيقة هو عدم معرفتهم بأن أراضي المراعي هي في الواقع ملك الحكومة طالما لا توجد مستندات ملكية لها.
ولكن رغم كل ذلك هنالك الكثير من أراضي المراعي التي تسمى عندهم «الخبوت» كما أسلفنا قد تنبه أهاليها إلى النظام الحكومي.. فاستصدروا الصكوك الشرعية التي تثبت ملكيتهم.. ولم يفعل غيرهم ذلك.
***
ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى استهانة الأهالي بهذه «الخبوت» حيث يملكون من الأراضي الزراعية الفعلية ما لا يحصى.. بل ما يعجزون عن زراعة الكثير منها لكثرتها، ومساحاتها الشاسعة في كل أنحاء المنطقة، وخاصة «تهامة» وهي الأعلى نسبة.. بل هي الأراضي الفعلية للاستغلال.. أو الاستفادة الزراعية.. أما ما عاداها فلا قيمة له، ولا أدنى أهمية.
ولا شك أن الوزارة تعلم ذلك تماماً، بيقين كامل!!
***
ويعلم الله أنني ولا شك معي الكثير غيري لا أفتأ أفكر منذ زمن طويل وأتساءل مع نفسي دائماً تساؤلاً مزعجاً لا أنفك منه إلا لطرده من ذهني بشتى الوسائل.. وهو:
كيف يمكن وجود استثمار زراعي حقيقي في الأراضي الزراعية الفعلية الضخمة.. الضخمة جداً، والمملوكة مع علمي الأكيد، ويقيني الكامل بأن نسبة ضخمة من المالكين.. لا يفكرون مجرد تفكير في بيع شيء من أراضيهم هذه!!
بل علمي، ويقيني أن بيع الأراضي الزراعية الفعلية يعتبر عيباً كبيراً في عرف غير قليل من ذوي الأملاك هناك إن لم يكن كلهم!!
***
وإنني لأعرف صديقاً، صاحب ثروة كبيرة.. قد حاول منذ سنوات عديدة ، وما زال يحاول شراء مساحة من هذه الأراضي الغاية في جودة التربة، ووفرة المياه، وقربها من سطح الأرض.. يحاول شراء مساحة في حدود «000 ،000 ،2 متر مربع» في مكان واحد.. يريد أن يقيم عليه مشروعاً زراعياً كبيراً.
ولكنه لم يحصل بالطبع على شيء من ذلك للأسباب المذكورة آنفاً.. وقد مكث سنوات يأمل، ويحاول، ويبذل أي ثمن يطلب مهما كان.. ولكنه غلب على أمره، ويئس أخيراً يأساً نهائياً.
فكيف إذا كان المطلوب للاستثمار مساحات عديدة بسعات مختلفة أدناها لا يمكن الحصول عليها إطلاقاً.
وكل ذلك رغم عدم فائدة المواطن من أرضه إلا في أضيق الحدود.. ومعظمهم لا يستفيدون مطلقاً حيث تعودوا أباً عن جد.. زراعتها بالذرة، وكانت ذات فائدة لهم.
أما الآن فلا فائدة من الذرة، ولا من غيرها لعدم استطاعة معظمهم على المبدأ من ذلك.
***
وهذه الأراضي هي الأساس لأية مشاريع زراعية، سواء قلّت.. أو كثرت!!
أما بقية الأراضي في سائر «تهامة» فهي «الخبوت».. وقد علمت أن غير قليل من أنحائها يصلح أو يمكن أن يصلح للاستثمار الزراعي.. وإن كان ذلك بدرجة بعيدة عن الأراضي الطينية كما تعلم الوزارة نفسها.
ولكن حتى الأراضي الصالحة الزراعية في «الخبوت» حكمها يقترب من حكم الأراضي الطينية إن لم يكن هو نفسه.. سواء من ناحية ملكية معظمها للأهالي.. أو من ناحية صعوبة البيع إن لم تكن استحالته بيد أنه بدرجة أقل عن البيع في الأراضي الطينية، وإن كان لا يعوّل على هذه الدرجة بالنسبة للمساحات الكبيرة.
والمهم أن ما لا يقل عن «70%» إن لم يكن أكثر من الأراضي الزراعية.. طينية.. أو خبتية مملوكة للمواطنين أيضاً ملكاً شرعياً لا جدل فيه.
فأين هي إذن الأراضي التي يقول معالي الوزير إنها «مخصصة للاستثمار الزراعي».
***
أنا أعرف المنطقة تماما لكوني أحد أبنائها.. وأعرف كل شيء عن أراضيها، وأعرف بكل تأكيد الأراضي الصالحة.. أو حتى شبه الصالحة للزراعة.
ولا يمكن إيجاد الأراضي الزراعية الصالحة للاستثمار في غير ما يملكه الأهالي.
أما ما عدا ذلك من الأراضي فهي غير صالحة، ولا تمثل بأي حال من الأحوال خصوبة تربة المنطقة.
والأساس في الاستثمار بالمنطقة هو خصوبة التربة، ووفرة المياه، وقربها.
وذلك ما لا يوجد إلا في الأراضي الأهلية التي تمثل الأكثرية المطلقة، وأي استثمار في غيرها كعدمه تماماً.. بل لا تعتبر المنطقة في هذه الحالة قد حظيت باستثمار زراعي قط.
ولا شك مطلقاً في أن وزارة الزراعة تعرف كل ذلك حق المعرفة «مصيبة كبيرة إن لم تكن تعرف» ولكن برغم كثرة ما قيل ويقال لم نسمع شيئاً عن كيفية الحصول على الأراضي المطلوبة للاستثمار الزراعي.
ولا نعرف عما إذا كان الحصول على أراضي الاستثمار من اختصاص الوزارة.. أم على كل صاحب الاستثمار أن يتدبر أمر نفسه بالنسبة للحصول على الأرض المطلوبة.
وأكرر أننا لم نسمع شيئاً رغم التغطية الإعلامية المكثفة عن شيء من ذلك أونحوه رغم كونه أحد الأسس المهمة بالنسبة للاستثمار الزراعي في المنطقة.. بل هو الأساس نفسه!!
***
أما إذا كانت الوزارة قد حصلت على أرض، وخصصتها للمستثمرين كما في تصريح معالي الوزير فأين هي هذه الأراضي؟!
وإذا كانت موجودة فعلاً.. فلست أشك مع كل ما ذكرته انها لا يمكن أن تكون في صميم خصوبة التربة، وجودتها.. بل لابد أنها إن وجدت في مسافي الرمال.. أو «خسع» السباخ.. أو الأراضي القاحلة في أقاصي «الخبوت» أو نحو ذلك مما لا يعقل.. أو لا يعتبر تمكينا للمنطقة في مجال الاستثمار الزراعي.
والمفروض أن تكون الوزارة قد قامت قبل كل شيء بالنظر الممعن في موضوع الأراضي الزراعية الفعلية المعروفة عند جميع أهالي المنطقة.. وأن تكون قد تواصلت، وتفاهمت مع كبار الأهالي حول موضوع تخصيص الأرض المطلوبة، وإشراكهم في التعاون معها!!
***
ويجوز من جهة أخرى أن أكون قد أخطأت الفهم الدقيق لإشارة معالي الوزير في تصريحه إلى موضوع «تخصيص الأراضي للمستثمرين، وتوزيعها».
وذلك هو المبرر الوحيد الذي يمكن قبوله، وفهمه!!
تنويه غير ملزم
كتب هذا المقال منذ أشهر، وكان المفروض نشره في حينه رغم كون موضوعه غير مقيد بزمن محدد ينتهي بانتهائه ولكن لا أدري كيف اندس بين أوراقي الكثيرة، ولا أدري أيضاً كيف نسيته رغم كونه مطبوعاً جاهزاً، ولم سبق لي قط مثل ذلك.
وعندما عثرت عليه اليوم فجأة قمت بقراءته فوجدته صالحاً للنشر رغم تأخر ذلك كما وجدته يتناول، أو يعالج مسألة وطنية على جانب كبير من الأهمية كما لابد قد لاحظ القراء الكرام.
تنويه آخر
وهناك ضرورة «تنويه آخر» يتعلق بملاحظة لأحد الزملاء عن كوني قد نشرت مقالاً في صفحتي هذه عن «الإصلاح الحكومي» ويرى الزميل العزيز عدم جواز نشر الموضوع في «الثقافية» لكونه أي المقال غير ثقافي.
ولكن المسألة من وجهة نظري المتواضعة.. بل من وجهة النظر المهنية أن مفهوم «الثقافية» أوسع كثيراً من مفهوم «الأدب» أو نحوه حيث تتسع الثقافة أو معناها لمسائل كثيرة جداً في مقدمتها «قضايا المجتمع بشتى أنواعها».
ونعلم جميعاً أن كثيراً جداً من كبار مثقفي العالم، وفي بلادنا أيضاً ركزوا بدقة شديدة في معظم كتبهم الضخمة ذات القيمة الثقافية على كثير من شؤون، وشجون، ومشاكل المجتمعات حيث «الثقافية» في خدمة المجتمعات.
وإذا كان ذلك يحصل في كتب ضخمة عالمية ذائعة الصيت فكيف بمجرد مقالات؟!
ومقالي السابق، أو مقالي هذا لا شك من قبيل خدمة «الثقافية» للمجتمع.
وأما من الناحية المهنية الصحفية فإن «الثقافية» ليست «متخصصة» تماما رغم تسميتها حيث تجد الكثير من موادها غير ثقافية، وفقاً لوجهة نظر الزميل العزيز المشار إليها.
وكذلك لا تعتبر «الثقافية» ملزمة مهنياً بمسماها.. بل لابد لمثلها من بعض تنويعات.. تهم القراء دون شك!!


ص.ب: 8952 جدة 21492
فاكس: 6208571
alomaeer@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved