الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th November,2006 العدد : 175

الأثنين 15 ,شوال 1427

التنوير وخرافة النخبة؟
تركي علي الربيعو

ثمة قناعة عند عدد لا بأس فيه من المفكرين العرب (حسن حنفي، جلال أمين، جمال البنا، محمد عابد الجابري..) أن رايات التنوير الخفَّاقة التي رفعها أيضاً عدد كبير من المثقفين والمتنورين، من شبلي شميل ويعقوب صروف إلى فؤاد زكريا وجابر عصفور، كانت رايات ايديولوجية محكومة بإرادة الايديولوجيا وبسطوة الآلهة الزائفة على حد تعبير أحدهم، ومضمرة بأهداف سياسية وأشياء أخرى يفصح عنها الخطاب التنويري دون الحاجة إلى البحث عن المسكوت عنه داخل هذا الخطاب. فالتنوير يقع على الضد من الإظلام هذا ما يقوله الباحث السوري أحمد برقاوي في بحث له بعنوان (ما التنوير) والذي يستعيد فيه صدى التساؤل الجوهري الذي طرحه كنط منذ عدة قرون، إنه يريد للتنوير أن يقع على الضد من قوى الإظلام التي هي قوى أصولية إسلامية تقف كحجر عثرة في طريق المتنورين وفي وجه دولة التنوير كما يحاول أن يقنعنا خطاب التنوير الذي ينهل من الايديولوجيا المتخشبة، وهذا ما يراه حسن حنفي وجلال أمين وآخرون.
في بحث له عن (التنوير والتثوير) ضمن كتابه (في الثقافة السياسية) يرى حسن حنفي الذي هو مثال للخلط الثقافي وتزييف المعايير كما يكتب جمال البنا اعتماداً على علي حرب (انظر كتابه: كلا ثم كلا، دار الفكر الإسلامي بالقاهرة) والذي يدعو له بالإنابة والتوبة (إننا لم نفقد الأمل في أن يتوب ويثوب كما يكتب البنا)، أقول يرى حنفي أن المقصود بالتنوير هو الهجوم على الحركات الإسلامية باعتبارها داعية للإظلام، وأن القصد منه القيام ب(عملية غسل دماغ) للثقافة الوطنية من التيارات الإسلامية، وهذا ما يؤكده أيضاً جلال أحمد أمين في دراسة له عن (مفهوم التنوير: نظرة نقدية لتيار أساسي من تيارات الثقافة العربية المعاصرة) ضمن كتاب (قضايا التنوير والنهضة، مركز دراسات الوحدة العربية،1999)، فهو يرى أن المراد بالتنوير الآن هو التصدي لما يسمى ب(الأصولية الإسلامية). وهذا ما يراه أيضاً الباحث الموريتاني السيد ولد أباه الذي يرى أن شعارات التنوير الخالدة عن الحداثة والمدنية والعصرية وصفت على الضد من الأصالة الإسلامية. وهذا ليس بالمستغرب من دعاة التنوير المتمركسين الذين وجدوا في التصورات الماركسوية العماد النظري لإشكالية التنوير العربي في السنوات الثلاثين الأخيرة، ووجدوا فيها المنهج المكتمل المفقود وأيديولوجيا الكفاح ذات الطاقة التعبوية التي تكفل لهم القضاء على رواسب الماضي وقيمه التقليدية كما دعانا العروي وياسين الحافظ والكثيرون من دعاة الأيديولوجيا التقدمية العربية الذين لم يتصوروا الحداثة إلا على حساب المجتمع العربي بتدميره ثم بعثه من جديد. بذلك كانت الحداثة عن حق حليفاً لمجتمع النخبة كما يذهب إلى ذلك برهان غليون في كتابه (مجتمع النخبة،1986).
من وجهة نظر حسن حنفي أن صياغة التنوير تمت بالأساس وفقاً للنموذج السلف، أي النموذج الأوربي، فقد بقي هذا النموذج مثالاً للقياس وليس للاستئناس كما يذهب إلى ذلك الجابري في فضحه لعيوب الخطاب العربي المعاصر، الذي كانت شيمته دائماً البحث عن الطريق من خارج الغابة، وهذا ما يؤكده جلال أمين وجمال البنا، فلم يرتبط التنوير بالأساس بجذوره في التراث القديم فتحول إلى تغريب، ولم تنفع الماركسوية اللاحقة في انتشاله من هوة التغريب، بالرغم من أن المتنورين اللاحقين أرادوا أن يحموا أنفسهم من تهمة التغريب باعتمادهم الماركسية، وبذلك استمرت ما سماها جلال أمين ب(الجرعة المؤسفة من التغريب) والتي جعلت من التنوير (تنويراً ممعناً في استغرابه) على حد تعبير جلال أمين.
لا يكتفي حسن حنفي بنقد نزعة التغريب عند المتنورين، بل يعيب عليهم نزعة الاستئصال والاستبعاد والإقصاء وليس الفهم وتبادل الآراء والأخذ والعطاء مع الخصوم، وهذا ما يؤكده جلال أمين وجمال البنا في نقدهما للأوثان النظرية عند المتنوررين، فمن وجهة نظر جلال أمين أن النصوصية الوثوقية تمهر خطابات المتنورين العرب الذين جعلوا من خطاباتهم عن الحرية والتقدم أناشيد ونصباً للعبادة، وبذلك يكونوا قد وقعوا في شراك فقهاء التقليد وكأننا بصدد نصوص مقدسة.
على مسار تاريخي طويل، بقي التنوير حليفاً لمجتمع النخبة، وأسيراً لتصوراتها عن التقدم وحتمية الحداثة، التي ارتدت طابعاً ايديولوجياً هو ناتج إرادة الايديولوجيا التي تحكمت في خطابات النخبة المثقفة وفي ايديولوجيا الأحزاب التقدمية التي جعلت من الوطن سجناً عقائدياً ومن النخبة شرطة للعقائد الحداثوية والإيديولوجيا المستوردة، وفي كل الأحوال لم نخرج بحزم من منطق الخلوة الثقافية بيننا وبين الغرب المتنور أو الذي يقاس التنوير عليه كما يدعو غسان سلامة إلى ذلك (انظر كتابه من الارتباك إلى الفعل: التحولات العالمية وآثارها العربية، دار النهار، 2003).
في رأيي أننا معنيون بالإجابة على التساؤل الذي طرحه جابر عصفور: لماذا انتكس التنوير؟ ولكننا نميل إلى الإجابة التي تذهب إلى الاتجاه المعاكس لرؤية عصفور، فقد انتكس التنوير لعلة في المتنورين، لنقل لعلة في النخبة المتنورة؟ وهذا ما جعل من التنوير ليس مجرد (طرفة برجوازية) كما كان يقول ماركس، بل (طرفة نخبة) لم تستبن الرشد حتى ضحى الغد، كما قال شاعرنا!
الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved