الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th December,2004 العدد : 86

الأثنين 24 ,شوال 1425

تعقيباً على الهويمل
ما كان هذا سبيل العادلين
لقد تناول الدكتور القدير حسن الهويمل في مقاله (تداعيات القراءات الدمشقية) في العدد (11667) وما جاء بعده في الذيل ما لا يوافقه عليه بعض القراء، وكيف أنه ذهب مع المغالين والمتملقين في شاعرية المتني، وألقى اللوم على عبدالله القصيمي بلا تؤدة وتمعّن، لقد أفرط في المدح، وجاوز الحد في الدفاع عن المتنبي، وكان عليه أن يتقرَّى الديوان بتأنٍ لا عنه، فمتى كان المتنبي يبزُّ أقرانه من الشعراء؟ هالة إعلامية صاخبة أحاطت بنتاجه، ولعمر الله إنه لغير حقيق بما أسبغ عليه، إذ ينخدع به القارئ اللامتمعن إبان غياب الاستقصاء ومدوامة النظر والتأمل، وليس له نصيب من الشهرة إلا ما شغف به الذين ينحون نحوه في تمثُّل نزعته العرقية، ونرجسيته المسفّة، ومهما قيل في تفضيل العربي على العجمي، فهي فروقات تلاشت بعد أن عرف السبب الذي دعا المتنبي إلى ميله باعتزازه بما ليس فيه، ولو كنا عاذرين المتنبي لما لحقه من مكائد كما يقول الدكتور فيه (ولو أنهم أي النقاد عرفوا الظروف العصيبة التي مر بها، والتحدي السافر الذي غالبه، والكيد الماكر الذي ناله من حساده؛ لكانوا معه في السراء والضراء) ويقول (وهذا الحيف دفعه إلى التعاظم). لو كان ذلك كذلك لعذرنا القصيمي في كتاباته التي أودعها كتابه (العرب ظاهرة صوتية)، ذلك أن الدكتور عذر المتنبي ولم يعذر القصيمي الذي طرأت عليه ظروف أحالته إلى ما صار إليه، وما كان هذا سبيل العادلين، على أن الدكتور قد وقع في التناقض، فمرة يجعل المتنبي في مصاف شوامخ الشعراء، على حد قوله (والقصيمي... استدعى المتنبي لأنه من شوامخ الشعراء، وإسقاط الأمة يكون بإسقاط شوامخها). ومرة يعيبه ويقل من قدره، كقوله (ثم هو أي القصيمي يزداد ارتكاساً في حمأة الرزيلة حين يعتقد أن المتنبي ومن هم على سننه من الشعراء المغرقين في المبالغة والتملق يمثلون حضارة الأمة العربية).
ولو فتشنا في شعر المتنبي لوجدنا أن جيده لا يتجاوز الخمسة والعشرين بالمئة من شعره، وإلا كيف نقول في هجائه المسفّ المقذع بالفحش لضبة بن يزيد الأسدي العيني، إذ تناول أمه وأباه بما يتورع الكريم عن قوله، مما حدا بخال ضبة إلى قتل المتنبي وهو فاتك بن أبي جهل الأسدي، وإن ذكر الدكتور عمر فروخ غير ذلك، في كتابه تاريخ الأدب العربي، إذ ذكر أن سبب مقتله محاولة سلبه ماله.
إن المتنبي علاوة على تأسيسه مذهب التعصب العرقي، ليذهب إلى تأسيس النرجسية ومدح الذات، وكأنه والعرب معه في برج عاجي لا يطاولهم أي جنس، مما ولَّد عند بعض العرب أنفسهم النزوح إلى تلك النزعة المغالية، فقد سطا على التقوى في كونها المعوّل عليها.
ومن الإنصاف بمكان، أن نقول فيه إنه قد أراق ماء وجهه في حظوة كافور، فكيف يطلب ولاية ممن هو على هذه الهيئة كما وصفه في هجائه له في كافورياته؟ وكيف يقبل على نفسه أن يكون تحت إمرته إن أعطاه ولاية من ولايات مصر؟ قمة التناقض والتضاد في العزة والشموخ والإباء العنيف الذي يدّعيه وينادي به، ويصف نفسه في شعره على هذه الشاكلة!!
إن المتنبي يجسد بجلاء صادق تلك المقولة اليونانية (أحسن الشعر أكذبه) كما هو مثبت في نقد الشعر لقدامة بن جعفر، يمدح اليوم ممدوحه، وغداً يهجوه بلا مواربة، ونحن ندعو إلى الصدق وعدم المغالاة، لا في الحيثيات الدينية ومسلّماتها، ولا في مخالفة الواقع، لا مع الحسن بن هانئ الأندلسي حين قال في المعز بالله الفاطمي:
ماشئت لا ماشاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار
وقوله:
أرى مدحه كالمدح لله إنه
قُنوت وتسبيح يحط به الوزرُ
ولا مع المعاصرين كقول شوقي في الخمرة:
رمضان ولَّى هاتها ياساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق
ولست أدري تلك العلّة التي جعلت بعض الكتبة ينحون إلى تمجيد المتنبي وتفضيله، ونعم؛ الرجل في شعره حكم وعبقرية، ولكن رداءة مدخله ومخرجه ممقوت وممجوج، ولم نجد شاعراً فخر واعتز بنفسه على كثرة تناقض مثله، فهذا عنترة يفخر بفروسية وشجاعة، وحق له ذلك، وغيره كثير من الشعراء المنصرمين، أما المتنبي فقد أُعطي أكثر من حقه، وليت شعري لو استُعرض الرديء من شعره، لكأني أنظر إليهم وهم مطرقون في خطئهم وقلة إلمامهم به.
لست ممن مال كل الميل إلى النظر بعين الجلالة إلى المتبني، ولست ممن يحقره ويضع من قدره، وإنما الحق الذي هو بد مما ليس منه بد محاولة دائبة لوضع المتنبي في مقعده الصرف الخليق به، سائراً مع السالفين الذين عرّجوا عليه بنقد موضوعي، صرف، ويكفيك في هذا أن تطلع على الرسالة الموضحة في ذكر سرقات أبي الطبيب المتنبي وساقط شعره لأبي علي محمد بن الحسن الحاتمي الكاتب، مع التحفظ على بعض ما جاء فيها، وكتاب الإبانة عن سرقات المتنبي لأبي سعد محمد بن أحمد العميدي، وكتاب الصبح المنبي عن حيثية المتنبي ليوسف البديعي، وكتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني.

أحمد بن عبدالعزيز المهوس

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved