الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th February,2005 العدد : 92

الأثنين 28 ,ذو الحجة 1425

نحن... دون كيشوت
(بحث وقصيدة)

تأليف : ممدوح عدوان
دمشق: دار قدمس، 2003
****
يوجز ممدوح عدوان رواية (دون كيشوت) فيقول: إن دون كيشوت، كما قدمه سرفانتس في مستهل قصته، هو الونسو كيخانو (كيكسادا) النبيل الذي شارف الخمسين من العمر، والذي كان يقضي الأوقات التي لا عمل له فيها، أعني طوال العام تقريباً، في الإنكباب على قراءة كتب الفروسية بلذة ونهم يبلغان حداً يجعله ينسى الخروج للصيد وإدارة أمواله... وأخيراً، وقد فقد صوابه، استبدت به فكرة هي أغرب ما يتخيله مجنون في هذه الدنيا: فقد رأى من اللائق، بل من الضروري... ان يصبح فارساً جوّالاً... وأن يمارس جميع ما قرأ أن الفرسان الجوالين كانوا يمارسونه: فيصلح الأخطاء ويتعرض للأخطار فسمّى نفسه، ألونسو كيخانو، الدون كيخوت (دي لامانشا) على اسم منطقته وأخذ أسلحة قديمة مهترئة كانت لاجداده.
وكانت تلك الأسلحة ينقصها خوذة. وقد تدارك الأمر في ما بعد بصحن حلاقة أخذه من حلاق متجوّل وعدّه خوذة. وهذا الصحن هو الذي استفاد منه باييخو في مسرحيته (أسطورة دون كيشوت) ليجعله جهازاً لالتقاط الأصوات التي تأتي من الكواكب وركب حصاناً هزيلاً أطلق عليه اسماً هو روثينانته أي (أول حصان).
وفي مغامرته الأولى ينقذ فتى يتعرض للضرب من سيده لأنه يهمل رعي الأغنام، ثم يتعرض لمجموعة من التجار يريد أن يجبرهم على الاعتراف بأن حبيبته أجمل امرأة في الدنيا ولكن كان بين التجار من لا يحب المزاح فانهال على الفارس بالضرب حتى أغمي عليه ويأتيه من يساعده على العودة إلى بيته. وهناك يجد من يحبونه (ابنة أخيه والقس والحلاق) وقد قرروا إحراق تلك الكتب التي تسببت في جنونه. ولكن هذا لايجدي فيخرج في مغامرته (خَرْجَته) كما يسميها د.عبدالرحمن بدوي، الثانية، بعد ان يُقنع جاراً له اسمه سانشو بانثا بمرافقته تابعاً له وحاملاً سلاحه ومقابل وعد بأن يعطيه جزيرة أو كونتية ليحكمها.
وهنا تبدأ المغامرة الثانية، التي يتعرض فيها لطواحين الهواء بصفتها مَرَدة، ولقطعان الأغنام على أنها جيوش. ويدخل الفنادق والخانات على أنها قصور وحصون، إلى أن ينجح محبوه من جيرانه في خداعه وإقناعه بالعودة. وهنا ينتهي الجزء الأول.
وفي الجزء الثاني تأتي المغامرة الثالثة والأخيرة. وتنتهي هذه المغامرة بالعودة إلى البيت، وقد شاخ المغامر واسترد عقله ولكن عودة العقل تحدث وهو على فراش الموت.
هذا تلخيص سريع ومؤذ للقصة طبعاً. ولكن لا حيلة لنا لأن تلخيصها الفعلي يعني إعادة حكايتها كلها فالأحداث كلها مثيرة للضحك والحزن والاستغراب وقيمتها تكمن في تفصيلاتها. وأسلوب سرفانتس لا يقل أهمية عن الأحداث التي يرويها.
والمؤلف نفسه يحمل على كاهله قصة غريبة. وديل فاشرمان، كاتب (إنسان من لامانشا) المسرحية الغنائية، يقول عنه: (ما أثارني ودفعني إلى الكتابة ليس الكتاب بل مؤلفه، فقد كانت حياته سلسلة لا تنتهي من المآسي... جندي، كاتب مسرحي، ممثل، جابي ضرائب، وسجين بين حين وآخر).
ونفصّل أكثر في حياته: ولد (ميغيل دو سرفانتس سافدرا)، خدم جنديا وجُرح جراحاً بليغة في معركة ليبانتو مما أدى إلى فقدانه يده ووقع في الأسر فقضى خمس سنوات أسيراً ورقيقاً في إفريقية، أحب المسرح، وخلال عشرين عاماً كتب أربعين مسرحية لم تنجح أية واحدة منها في لفت الأنظار إليه. وقضى ما بين ثلاث وخمس سنوات في السجن بتهم مختلفة. وفي عام (1597م) لاقى الحرمان الكنسي لإساءته لكنيسة جلالته الكاثوليكية. وبصعوبة نجا من عقوبة أكبر وحين كبر في السن وضعفت بنيته واقتنع بفشله الذريع، جلس ليكتب (دون كيشوت) لكي يكسب عيشه.
طبع المجلد الأول منها عام (1605م) حين كان سرفانتس في الثامنة والخمسين وقد جلب له المجلد الأول الشهرة لكنه لم يجلب له الرزق وحين ظهر الجزء الثاني، بعد عشر سنوات (1615م) ضمن الخلود بصفته كاتب أعظم رواية في الدنيا ولكنه عند ذلك كان قد تحطم جسدياً إن لم يكن روحيا وتوفي عام (1616م) بعد عشرة أيام من موت شكسبير.
ويبدي الكثيرون دهشتهم من أن هذا الرجل قد عانى من الفشل الدائم ثم حين أصبح في مرحلة الانهيار من حياته أنتج هذا السفر العظيم الذي اسمه (دون كيشوت). والذي عدت شخصية بطله ممثلة، بشكل ما، لأمة بأكملها أو كما يقول باتريك لي فيرمور (الكاتب والرحالة الانكليزي) في معرض حديثه عن رواية (شفايك): (بعد دون كيشوت يكون الجندي الطيب شفايك هو الشخصية المتخيلة الأخرى التي نجحت في تمثيل أمة بأكملها).
وكما يقول صامويل بانتام، مقدم الطبعة الأمريكية للرواية: (ولهذا فإن لدينا ما يسوغ أن يتحدث كوليردج وبرانديز وبيتس وغيرهم عن سرفانتس بالنفس ذاته الذي يتحدثون به عن شكسبير هملت ولير فكلا الرجلين قد كتبا منطلقين من الحاجة الماسة ومن توترات الروح وانطلاقا من موهبة العبقرية، حوّل ما كان يمكن أن يظل تكسباً إلى أعمال فنية عظيمة.
يقع الكتاب في (128) صفحة من القطع المتوسط.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved