الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th March,2005 العدد : 96

الأثنين 26 ,محرم 1426

قراءة في رواية (جرف الخفايا) لعبد الحفيظ الشمري
محمد بن فرج العطوي
تأتي رواية جرف الخفايا في مرحلة تسجل حضوراً بارزاً لفن الرواية على الفنون الابداعية الأخرى على ساحة الابداع المحلية، ويعزز ذلك غياب الشعر (ديوان العرب الأول) عن قائمة اهتمامات المتلقي وهو غياب غير مبرر من ناحية وغير موجود في نظر البعض من ناحية أخرى. والحقيقة أن الشعر يمر بفترة غياب طوعي ساهمت فيها عدة عوامل لا يتسع المجال لذكرها، لعل أهمها غياب الشعراء أنفسهم، مما حدا بالمتذوق للبحث عن بدائل أخرى ولعل أقربها الرواية.
وجرف الخفايا مدينة تعج بكل غريب ومتوقع تتوهم الحضارة اعتمادا على ما تعلقه من أسماء ماركات عالمية على واجهات محلاتها وهي في الواقع تنحى بعيداً عن حقيقة الحضارة، هذه الرواية لا تتصالح مع الظواهر السلبية في المجتمع ولا تتقاطع معها بل هي تبيح الخوض في السلبيات بكل جرأة (وهذه احدى الظواهر الملموسة في اتجاهات الرواية السعودية الحديثة) وتجنح الى التخيل هروبا من سطوة الخوض المباشر في خصوصيات مجتمع يرفض التجريد وتعرية المثالب، يحرص على الظهور دوما بثوب المثالية والعفة بصرف النظر عن حقيقة ذلك، مدينة الشمري هذه مدينة متخيلة قريبة من الواقع تمثل المجتمع المحلي المدني حديث العهد بالبداوة ومع ذلك فهو يتمتع بكل معطيات الحضارة الحديثة من سبل مواصلات واتصالات وبث تلفزيوني وخلافها، وتسود شرائحها علاقات واهية مفككة تأخذ منحى العدائية في أغلب تقاطعاتها خاصة بين تيارات تمثل الفضيلة وأخرى تمارس نوعا من حرياتها في الخفاء تجنبا للصدام، ويميل الراوي برأيه لجانب (عرين السباع) وما يضمه من أفراد فضلوا التمرد بصمت على ما يرونه من تناقضات وتزمت وسلب للحقوق خاصة في جوانب الفن والرسم، إلا أن دور أهل العرين لم يكن فاعلا في تغيير نمط حياتي سائد أو الدعوة الى تمرد على (سلطة الحرس) بل كان نوعا من الهروب المبرر في ظل قوة الآخر ولذا كان السرد يتكئ على عنصر المتخيل أكثر منه في اعتماده على الواقع في تجلية العلاقات المتداخلة بين شخوص مدينة تتوشح البياض وتبطن السواد، وإمعانا في ترسيخ مفهوم ضعف من يمارس حريته في الخفاء نرى وقوف (أصحاب العرين) قليلي الحيلة حتى أمام قضية في صميم خصوصيتهم وكرامتهم وهي القضية التي تدور حولها أحداث الرواية الأساسية قضية اختفاء البطل (صقر المعنى) أحد أهم أعضاء العرين الذي أثر ان يتركه الشمري مفقودا حتى بعد نهاية الرواية ليترك لنا ربما الباب مواريا للدخول في احتمالات اختفائه فهو لم يجزم بموته ولكنه لم يستبعده وان استبعد العثور على حل للغز اختفائه في الوقت المنظور، تماما مثل مصير أهل المدينة نفسها الذي تتحكم فيه الرغبات الخاصة وتتجاذبه الخرافات والنزوع الى البدائية في مواجهة القضايا المصيرية كالاعتماد على المشعوذين لمعرفة مصير (المعنى) بالاضافة الى القناعات المبنية على رأي أحادي الطرف يتخذه غالبا من يملك زمام القوة، لم تستطع جماعة عرين السباع أن تكون فاعلة كما كان يتوقع وإنما مارست فاعليتها في أجواء خاصة تحت مؤثرات غريزية ومارست نقدها اللاذع على نفسها وذلك محصلة منطقية للضعف الذي تعيشه والرفض الذي يمارس ضدها من قبل من يصفهم الكاتب بأنهم (حرس الفضيلة)، ومن قبل المجتمع المحافظ كله بالطبع.
ولاشك أن عبدالحفيظ الشمري في هذا العمل الروائي الجديد قد أضاف إلى الساحة المحلية عملا يتمتع بأحد أهم عنصرين تتميز بهما الرواية السعودية المعاصرة وهما تزايد التراكم الكمي والتطور النوعي للسرد الذي يشمل الاخذ بأسباب التطور في مجال التقنيات السردية الحديثة من ناحية وجرأة تناول موضوعات ذات حساسية اجتماعية وسياسية من ناحية أخرى حسب رأي الدكتور حسن النعمي في كتابه (رجع البصر)، ففي (جرف الخفايا) نرى التحول من مجرد السرد القصصي إلى الاشارات الصريحة وتقاطعات هنا وهناك مع سلبيات ومكامن الخلل الاجتماعي أو الإداري أو حتى السياسي من خلال وقائع تحصل لأبطال الرواية مع المؤسسات أو الأفراد والتركيز على ظاهرة الخفاء الذي يتخذه المصلح والمخطئ في آن واحد وجاء لممارساته بعيداً عما ينادي به أو يظهره للآخرين، هذا الخفاء الذي فرض جوه على الرواية حتى آخرها حتى أصبح للخفافيش الحق في معايشة أهل هذه المدينة سواء بسواء بل هي الأحق بالعيش فيها منهم تعبيرا من الكاتب عن مستوى النفاق الاجتماعي الذي يمارس باسم الفضائل وترتكب من خلاله أمور قد تصل الى اختفاء أحد أبناء المدينة المشهورين لأكثر من ستة أشهر ولا يأبه لذلك أحد إلا أمه ورفاقه المغلوب على أمرهم.
(جرف الخفايا) مدينة لم نتعرف على خصوصيتها من خلال السرد وتسلسل الأحداث ولذا فهي تعبر عن كل المجتمعات وتصلح لكل الاقطار وفي كل الأزمان، إلا إذا اعتبرنا ظاهرة (الخفاء) من خصوصياتها.
وهنا لابد من سؤال: لماذا لم يترك الراوي بصمة لمدينته؟
وبالتالي أين هو المكان في الرواية السعودية الحديثة؟
لعل ورود بعض السلوكيات الخارجة عن مألوف المجتمع المحلي من قبل مرتادي عرين السباع من قبيل (ماء العصافير) وزيارات جوجة وفانتة.. هو ما حدا بكاتبنا المبدع أن ينصرف عن ذكر مدينة بعينها خلاصا من (العتب) المتوقع وهنا تبرز قضية أخرى مهمة وهي سلطة المجتمع ورفضه لأن يتعرض للنقد علنا حتى وإن كان فيه ما يستحق النقد وهذه معادلة جسمتها أحداث الرواية ويصدقها الواقع، وهي سلطة فرضت نفسها على الرواية رغم جرأتها الملحوظة في الخوض في قضايا محظورة من قبل ولم تتناولها إلا أعمال روائية قليلة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved