الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th March,2005 العدد : 96

الأثنين 26 ,محرم 1426

علي العمير لا يحب المياه الراكدة
محمد بن عبدالرزاق القشعمي

عرفت الأستاذ علي بن محمد العمير مؤخراً إلا أنني أقرأ له بإعجاب منذ سنوات طويلة.. وأحرص على سجالاته ومشاغباته المستمرة مع البعض، فقد لفت نظري قبل عشرين عاماً وهو يجادل ويحاور بدوي طبانة وقبله محمد أحمد العقيلي وغيرهما، فقد عرف بأسلوبه الساخر وقفشاته الأدبية الماكرة، وإذا انقض على فريسته كالصقر لا يترك له بقية من حراك.
ففي تهكمه من خلال مأخذ أو ثغرات يتركها الخصم في سجاله يمكنه من توجيه الضربة القاضية له فيستسلم الآخر ولا يعيد التحرش به مرة أخرى.
أبوفوزي أمد الله في عمره ولد كما يقول في قرية الجرادية بجازان عام 1357هـ وتعلم عن طريق الكتاب وتتلمذ على يد الشيخ حافظ الحكمي تلميذ باعث النهضة العلمية الحديثة في جازان عبدالله القرعاوي الذي يدين له بالكثير.
عمل العمير ملازماً للقاضي الشرعي في قرية الموسم بجازان وتولى مسؤولية كتابة الضبط وفي نهاية كل شهر يذهب لرئيس المحاكم في منطقة جازان ليقبض رواتب العاملين بمحكمة (الموسم) وهو لا يتجاوز العشرين من عمره لتسبقه سمعته وتمكنه من الفرائض وحل مشاكل تتعلق بتوزيع التركة لعائلة متشابكة العلاقات ومترابطة الجذور ويتولى القاضي عبدالعزيز الفوزان الذي استقبله في بادئ الأمر بشيء من الجفاء والغلظة ليتحول بعد ذلك إلى متودد له بعد أن عرف بنبوغه وحرصه على الوصول إلى الحقيقة المطلقة.. فتحول الشيخ إلى صديق له ودعاه إلى منزله وأبقاه ليحل المشكلة وينهي معاملة لم يستطع غيره حلها.
كتب للشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وكيل رئاسة القضاة وقتها بمكة المكرمة أنه حريص على استكمال تعليمه وأنه لا سبيل له وهو في هذه المنطقة التي لم يصل إليها ما يطمح إليه.. فنقله ليعمل بمكة ولكنه اختلف معهم فواصل مسيرته إلى العاصمة الرياض ليشتكي.. ولنختصر الطريق فطريقه طويل.
وصل الرياض وعمل برئاسة القضاة وكان وكيلها وقتها الشيخ عبدالله بن خميس الذي كان يستعد لإصدار مجلة الجزيرة.
يذكر أنه نشر موضوعاً في مجلة الرائد يوضح فيه شيئاً عن الفن الشعبي بجازان أو يرد فيه على من أشار إلى هذا اللون بشيء من التقصير والتشويه.
فكتب موضحاً أو مستدركاً، عرف ابن خميس بعد أن قرأ الموضوع أنه العمير أحد موظفيه الصغار فطلبه وبعد مقابلته سأله هل أنت من كتب هذا؟.. فأجابه بنعم، فأجلسه بجواره وحاوره فعرف مدى ما يتحلى به من خلق وعلم ومعرفة فعرض عليه العمل معه في مجلته الجديدة الجزيرة وذهب به إلى حيث يسكن وقتها في نزل متواضع بحلة العبيد وبدأ معه العمل بالجزيرة وسريعاً ما تولى بن خميس وكالة وزارة المواصلات ليتولى العمير إعداد ومتابعة طبع المجلة بكاملها إذ إن وقته لا يسمح بالجمع بين العمل الحكومي والخاص، وسريعاً ما نقلت خدماته للعمل بوزارة المواصلات ليتولى إلى جانب مجلة الجزيرة مجلة المواصلات، وبدأ نجم العمير يعلو ويثبت وجوده بقوة في الساحة الأدبية.
وسريعاً ما اختلف مع الشيخ ابن خميس ليترك مجلته الجزيرة بلا رجعة.. ويبدأ مع بداية المؤسسات الصحفية بالكتابة والعمل ويأخذ مكانه في الوسط الثقافي بالرياض بشكل ملفت كمدير لمكتب جريدة البلاد، فكان يختار لسكنه أفضل الأماكن وأرفعها.. إذ كان يسكن في الدور الخامس من عمارة الأمير محمد بن سعود في شارع الوزير وكان ذلك خلال أعوام 81 1384هـ ويلتقي في منزله يومياً الكثير من الأدباء الشباب يتحاورون ويتجادلون ويختلفون ويتفقون أحياناً، وكان منهم كما يذكر الأساتذة محمد الطيار وكان وقتها مديراً لمكتب جريدة المدينة بالرياض، وإبراهيم الناصر رئيس تحرير مجلة المواصلات، وعبدالله نور مدير تحرير مجلة اليمامة، وعبدالعزيز بن عبدالله التويجري الذي كان رئيساً لتحرير جريدة القصيم، والشاعر ماجد الحسيني، وغيرهم.. يذكر أن تلك الجلسات الليلية وما يتخللها من مناكفات لا تمكنه من إعداد طعام العشاء ولكن مطعم الرشد في الجهة المقابلة للعمارة التي يسكن شقة فيها تمكنه من الوقوف بالشباك والإشارة إلى مسؤول الشواية ليؤشر بأصابع يده عن عدد الأفراد فيحضر لهم بعددهم ما يسد رمقهم.
وكان يكتب في أغلب الصحف في المملكة وبالذات في البلاد والمدينة بجدة واليمامة بالرياض.
ويذكر أنه من بين ما كان يناقش في جلساتهم هذه عرض لأهم ما يصدر من كتب أدبية حديثة يذكر منها كتاب (اللامنتهي) لكولن ولسن الذي اشبعوه بحثاً ومناقشة.
وعلاقته بالوسط الثقافي تتعمق وتتعملق فها هو في كتابه (حصاد الكتب.. عرض وتحليل ونقد) يبدأه بنقد لكتاب الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني، فيكتب إليه الشيخ حمد الجاسر بكتاب يضيفه كمقدمة للموضوع في طبعته الثانية قائلاً له: ابني الأستاذ علي العمير من شباب هذا الجيل الواعي، يتصف بصفة يجب أن تنمى حتى تثمر.. تلك الصفة تقوم على أساس الشك الشك في كل شيء بغية الوصول إلى الحقيقة على طريقة أبي الطيب:
فصرت أشك في من اصطفيه
لعلمي أنه بعض الأنام
وقد قيل: إن الشك هو طريق الوصول إلى الحقيقة، والأستاذ العمير يريد أن نسايره في شكه علّنا نصل إلى حقائق أكثر وأكثر مما عرفناه عن هذا المؤلف الخالد كتاب (الأغاني).. الخ.
ونختار مما أعاد نشره في كتاب (حصاد الكتب) مما سبق نشره في بعض الصحف التي قد يكون قد مضى عليها ما يقرب من أربعين عاماً ومنها البلاد، اليمامة، العرب، عكاظ، ما نشره في مجلة اليمامة في 1561386هـ موضوع (مع أدباء السجون)، وقال بعد مقدمة مستفيضة: ... أما السجن الذي اصطلح الناس على نعته حقاً بهذا الاسم.. فهو المكان الذي تختاره عادة السلطات الحكومية في كل مكان وزمان.. لتستضيف فيه كل من يتورط في مخالفة التشريعات المرعية!! وهناك في المكان إياه ربما يكبل بالحديد.. وربما يكتفي بفرض الإقامة الجبرية عليه دون أغلال.. ولكن النتيجة واحدة (اسمه السجن) كل هذا مفهوم.. وطبيعي.. أما سجن السلطات.. فلم يتعوده ولا اختاره بنفسه.. فظل في ذهنه سجناً بمعنى الكلمة.. ولأنه أي سجن السلطات وهذا أكبر عيوبه أنه يعني العقوبة.. وأنه يفرض فرضا دون مجال للاختيار، والمكوث فيه لا قدر الله!! يمنعه من العمل والسعي وراء لقمة العيش.. ويحرمه بالتالي من ممارسة الحياة في السجون الأخرى مع الأشخاص الذين يحبهم ويميل إليهم.. وحتى ما الذين لا يحبهم ولا يميل إليهم!!.
ومن هنا كان السجن بهذا المعنى.. مصدر شقاء وكرب عظيمين.. فما أن يجد الإنسان نفسه فيه حتى يضيق به.. وبالحياة وبنفسه أليس هو للعقوبة؟.
واستمر العمير مستعرضاً كتاب (أدباء السجون) لعبدالعزيز الحلفي من مشاهير الأدباء وكذا ديوان أحمد الصافي النجفي الشاعر العراقي المتصعلك في مقاهي بيروت الذي أصدر ديوان (حصاد السجن) والأستاذ أنيس ذكي حسين وكتابه (السجين).. واستعرض بعض الشواهد الشعرية وغيرها.
واختتم مقاله هذا بقوله: هذه لمحة خاطفة.. وخواطر شتى.. أثارتها في ذهني ساعة من زمن قضيتها بصحبة كتاب (أدباء السجون) ووددت أن أشرك معي قراء (اليمامة) في متعة خالصة.. مع أدب رفيع غذته النفس الإنسانية بشحنة من أسرارها وطاقاتها المتفجرة.
يذكر أنه وقتها كان ممنوعاً من الكتابة.. بسبب بعض الشطحات القلمية مثل هذه وغيرها الكثير.. ولأن لقمة عيشه مربوطة بقلمه فقد اضطر للكتابة باسم مستعار كعادته إذ كان يكتب بأسماء عدة منها صعصعة، أبو هند، أبو فوزي، فوزي العمير.
فاختار للتوقيع في نهاية هذا المقال (مع أدباء السجون) اسم فوزي العمير، ولأن فوزي هو باكورة إنتاجية وولي عهده، فقد ضحى به.. وهو ما زال بمهاده (اللفة) لم يتجاوز السنة أو أكثر قليلاً.. فطلب سمو وزير الداخلية الأمير فهد وقتها الملك حالياً أطال الله عمره أن يحضر هذا الكاتب فوزي لمناقشته في بعض الأمور مع رئيس التحرير وكان وقتها الأستاذ محمد الشدي.
فذهب أبو فوزي لمقابلة سمو الأمير والذي استقبله بصدر رحب وتفهم واضح وعندما عرف أن الكاتب مازال في لفته رضيعاً ضحك وأعطى والده هدية له.. وانتهى الموضوع.
هذه إحدى الطرائف والشواهد على ما يتمتع به الأستاذ علي العمير من سعة علم وسرعة بديهة وقدرة على المناكفة والمشاغبة في حدود المعقول والمأمول والذي لا يخرج عن المألوف والسائد.
يظل الأستاذ علي العمير رغم قربه من العقد السابع متابعاً نشطاً لما يدور في الساحة الأدبية ليس على المستوى المحلي فقط، بل على المستوى العربي وما يتجاوزه بفضل متابعة مستمرة للفضائيات ووسائل الاتصالات الحديثة.. رغم أنه يعاني في السنوات الأخيرة من مشاكل صحية تمنعه من المتابعة المستمرة وتمنعنا من الالتقاء به.. فقد يحتجب عما يدور في الساحة واللهاث وراء ما يستجد.. ولكن هذه سنة الحياة فقد كبر الأولاد وكونوا مملكاتهم الخاصة وانشغلوا بالحياة ومتطلباتها.. وبقي أبو فوزي بعد رحيل أم أولاده رحمها الله وحيداً.. نرجو الله له الصحة والعافية، وطول العمر ليعطي ويبدع ويثري الساحة بأدبة وعلمه.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved