الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th March,2005 العدد : 96

الأثنين 26 ,محرم 1426

(الثقافية ) تفتح ملف البوهيمية والبوهيميين محلياً .. وتطرح السؤال .. هل أنت بوهيمي..؟!
2-3
* تحقيق: سعيد الدحية الزهراني*
الزميل التكويني/ محمد الدبيسي.. تفاعل مع ما طرحناه في الحلقة الاولى من هذا التحقيق فبعث بهذه الاضاءة.. كما وعدنا بقراءة متأنية لهذه القضية (البوهيمية في الادب المحلي) .. يقول الدبيسي:
(البوهيمية ... من دلالتها الفلسفية.. إلى تحققها الوجودي في ساحتنا الأدبية.. حاولنا أن نقلب المعنى.. على جمر المصارحة.. في إطار حوار ثقافي.. يأخذ صيغة التحقيق الصحفي.. دون ان نفتعل صراحة الإشارة.. أو ندخل في معمعة التسميات..؟
ذلك ان مشهدنا الثقافي..لا يزال مرتهناً لبعض تقاليده الاجتماعية الراسخة في ضمير نماذج ذلك المشهد.. ولذلك.. كان ضيوفنا اذكى من ان تستحثهم اشكالية المداخلة.. الى الاستشهاد بأسماء.. بالرغم من تأكيدهم بوجود الكثير من البوهيميين.. بالمعنى الثقافي ربما.. وباشارة الدلالة الفلسفية ربما..
ولكن هل تقارب المعني والاشارة.. مع ذلك المفهوم العرضي للبوهيمية.. الذي ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً..؟
هذا ما حاولنا استشفافه من خلال هذا الحوار.)
معاني البوهيمية
الدكتور عبدالله المعيقل عضو هئية التدريس بجامعة الملك سعود تناول في حديثه معاني البوهيمية وأقر بوجودها في ادبنا المحلي لكنه افتقر الى الشجاعة الادبية والعلمية في طرح بعض الاسماء البوهيمية لدينا.. يقول المعيقل:
البوهيمية لها أكثر من معنى وأحيانا فيها صفة اللامبالاة.. والبوهيمية تيار أو ظاهرة لناس لديهم اللامبالاة وعدم اهتمام بالمظهر وأحيانا عدم المراعاة للظروف وفيها نوع من الكسل لأنها تأخذ من الأشياء أقلها تكلفة وأقلها جهداً. والبوهيمية سلوك أكثر منه ارتباطاً بالثقافة، وهذا يعني ان الإنسان ممكن ان يكون بوهيمياً ومثقفاً أو غير مثقف، وباختصار البوهيمية سلوك.
وحقيقة البوهيمية موجودة وهنالك الكثير. والبوهيمية هي عدم مراعاة ما تعارف عليه المجتمع وغير مرتبط بالثقافة.
وفي الواقع لدينا بوهيميون محليون ومن دون ذكر الأسماء نحن نعرفهم، والمشكلة ان هذه البوهيمية أحياناً تنعكس على موقف من هذا المبدع تجاه المجتمع تجده ان صرح شتم المجتمع ووصفه بالتأخر وان النقاد لا يلتفتون إليهم ولديه موقف من الناس وموقف من المجتمع وموقف من الصحافة وموقف من النقاد وموقف من الأهل والأقرباء.. وكونه يخلص لنفسه وفنه ولرسوماته أو لإبداعه وعدم خروجه وعدم مشاركته للمجتمع فهذا موقف من المجتمع نفسه!!
البوهيمية الايجابية
الناقد الدكتور سعد البازعي عضو هئية التدريس بجامعة الملك سعود فقد ذكر ان لدينا بوهيميين لكن السؤال الجدير بالطرح هو هل هم مبدعون.. منتجون؟؟ مؤكداً على ان لدينا بوهيميون وان البوهيمية ملمح مهم وموجود في الاداب العالمية ولكن بشكل منتج وفاعل.. اما ما لدينا فهي بوهيمية غير بناءة..!!
حيث قال:
السلوك البوهيمي موجود في كل المجتمعات في العالم، فهنالك أفراد ينزعون هذا المنزع وهذا طبيعي ولكن السؤال هو هل هي ظاهرة؟
يعني الشيء يبدو مهما وجديرا بالمناقشة إذا تحول إلى ظاهرة، ولكن لو كان معزولاً في حالات فردية فلا أعتقد أنه يكون مهماً كثيراً ولا أدري إلى أي حد هي ظاهرة في مجتمعنا هل هي ظاهرة فعلاً؟
هناك أفراد وكم عددهم وما تأثيرهم! هنا السؤال المهم يعني من الممكن ان أعد خمسة أو ستة أشخاص وهل يكفي هذا العدد لكي تعتبر بأنها ظاهرة؟ حتما الإجابة لا، ولكن لا شك ان هنالك سلوكاً بوهيمياً ويزعجني تماما ان أرى بعض المثقفين ينغمسون في نوع من الحياة غير البناءة وغير المنتجة التي تكتفي بالكلام وبالترديد وببعض الممارسات والسلوكيات التي تعزلهم عن الحياة الثقافية.
حقيقة أعتقد أن الجدير بنا في هذه الحالة بدلاً من أن ننتقدهم ونهاجمهم أن نبحث في الأسباب ولماذا هي موجودة أصلا، وهذا سيؤدي بنا إلى دراسة الوضع الثقافي والوضع الاجتماعي، لأن هذه الظواهر عبارة عن ردود فعل، وفهم ومعرفة وجودها وتحليلها لا يعني القبول بها ولكنه يعني ما هو أهم من ذلك بكثير وهو فهم الوضع الاجتماعي لأن لكل فعل ردة فعل.. وهنالك بعض الخروج عن المألوف، فمثلا أمل دنقل.. يقال أنه بوهيمي وهو شاعر مصري ذو مكانة كبيرة ولكن بوهيمية أمل دنقل أبدعت وأثرت الشعر العربي، أما لدينا فلا أعرف أحداً بهذا المستوى ولكن عندنا شعراء وكتاب ومثقفون يمارسون بعض السلوكيات التي تشبه سلوكيات البوهيميين، يعني نجد البعض يتسكع في القماهي ويلازمهم السهر الطويل والغياب عن العالم لفترة طويلة.
ومثلا لو أخذنا شاعرا مثل الشاعر رامبو الفرنسي فهو شاعر بوهيمي ونموذج شهير ومعروف ورامبو قلب موازين الشعر الفرنسي الحديث ولكنه لم يعش طويلاً فقد مات في أقل من ثلاثين عاما، يمكن بسبب البوهيمية.. وهذا لا يمنع أن أكون بوهيميا بشرط ان انتج وأبدع ولكن ان تتحول إلى إنسان عديم الفائدة في المجتمع وفي نفس الوقت تنتقد وتهاجم وترفض وتشتكي فهذا هو النقص بعينه.
البوهيمية.. والانضباط
* أما مشاركة الدكتور سعيد السريحي نائب رئيس تحرير جريدة عكاظ والناقد الادبي المعروف فقد شخص قضية البوهيمية والبوهيميين محليا حيث ذكر ان ما لدينا هو مجرد عدم قدرة على الانضباط وليست بوهيمية وعلى أي حال هذه وجهة نظره الخاصة والتي تتفق مع ما يدور بالفعل في المشهد الثقافي لدينا وحتماً يقودنا هذا التفسير الى ابعاد اخرى سأشير لها لاحقاً..!!
يقول الدكتور السريحي:
مفهوم البوهيمية ظهر في سياقات فلسفية عميقة وكانت له مرجعيات منها تفجير طاقات الإنسان المتجاوزة للعقل. ولا يمكن ان نتحدث عن البوهيمية خارج هذا الاطار الفلسفي وما يوجد لدينا هو نوع من الانفلات أو نوع من التسيب وليست البوهيمية.
البوهيمية لدى الغرب كانت الانضباط ولا أستطيع أن أذكر أو أحدد أسماء في هذا المجال، بوهيمية منتجة وكانت لها فلسفتها وكانت لها منظورها وكانت حركة استطاعت أن تؤثر في مسار السياسة.. أما الذي لدينا فليست بوهيمية بل هي عدم القدرة على الانضباط وليس لدينا بوهيميون بمعنى ان من أسوأ الأمور أننا ننقل المصطلح من بيئة إلى بيئة ونفصله عن سياقاته الفلسفية والثقافية التي جاء من خلالها.
والبوهيمية عبارة عن تمرد على مجتمع صناعي تقني وتمرد على ظروف سياسية كانت عبارة عن أوضاع سائدة في أوروبا الخارجة عن عباءة الحرب وعباءة الاستعمار، وهي محاولة لتفجير الطاقات الخفية للإنسان وجميع هذه الأشياء ولدت ما يمكن ان يسمى البوهيمية. أما ما لدينا فهي مجرد فوضى نحاول أن نمنحها اسماً ليس لها.
والحقيقة ان لدينا أفرادا غير قادرين على الانضباط وليسوا أفراد بوهيميين لأن البوهيمية ليست عدم الانضباط. ولا أستطيع ان أذكر أو أحدد أسماء بعينها في هذا المجال.
مستويات البوهيمية
* أما الدكتور حسن النعمي رئيس جماعة حوار بنادي جدة الادبي وعضو هئية التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز.. فأكد على ان البوهيميون لن يؤثروا على عملية التنوير لدينا وهو بهذا يصطدم مع فريق يقول بأن البوهيميه اتت إلينا عن طريق التنويريين الحداثيين!!
فكيف لا يؤثرون على التنوير على التنوير والحداثة وهي من جلبهم؟؟!!
يقول الدكتور النعمي:
أنا أختلف معك حول ما طرحته فيما يتعلق بالبوهيمية والبوهيميين لأن هنالك نوعا من المستويات المختلفة، فهناك مثقف مثالي طوباوي ومثقف عملي حتى انصرف عن الثقافة، ومثقف ذو رؤية مختلفة وهناك وسطية.. أما بوهيمية بالمعنى المطلق فأقول إنه ليس لدينا بوهيمية بالمعنى المطلق الضائع ولا أتوقع وإن وجد البوهيميون لدينا فهم أفراد لم يصلوا إلى مرحلة الظاهرة ولا أختلف في ذلك وهي فئة محدودة جداً لن تؤثر على الحركة التنويرية والثقافية.
بوهيمية المكان!!
الفنان التشكيلي الأستاذ فيصل المشاري.. شاركنا حول قضية البوهيمية المحلية.. وهو خير من سيضيف لنا في هذا المجال خصوصاً أن التشكيليين بنية خصبة للبوهيمية .. لكن الأستاذ المشاري فتح لنا أفقاً جديداً يتعلق ببوهيمية المكان وما له من أثر على سلوك الإنسان، يقول المشاري:
الكتابة عن البوهيمية هي كتابة عن المدينة أي مدينة في العالم هي كتابة عن بوهيميتها بكل ما فيها من أشكالٍ تعبيرية خارجة عن المألوف تطبع المدينة بطابعها في تجارب مبدعيها في الشعر والفن والأدب وتشكل لغتها البصرية من خلال الفضاءات التي توجدها لزوار المدينة لرؤية مشاعرها ولكننا إذا أخذنا العاصمة الرياض نموذجاً نجد أننا نعيش في مدينة بوهيمية يطغى على تخطيطها فكرة عقلية التاجر الذي هو البوهيمي الحقيقي الذي لم يترك للمثقفين والأدباء والفنانين والشعراء فضاء في المدينة لكي يحلموا ويتخيلوا شكل مدينتهم وهذا ما يلفت النظر في العاصمة الرياض أنها لم توظّف خيال الفنانين التشكيليين الذين يعيشون فيها في عملية التطوير لتأخذ في تخطيطها شكل الفن بدلاً من الشكل التجاري المهيمن على تخطيط المدينة الذي يتناسب مع عقلية التاجر الذي هو صديق عزيز للمهندسين الموظفين في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض أو ربما هم أنفسهم من رجال الأعمال الذين حولوا مدينتهم إلى مدينة تجارية توحي لزائرها من الوهلة الأولى كما لو أن هذه الشوارع والمباني هي عبارة عن بضاعة استوردناها لغرض البيع والشراء فقط أو سوق كبيرة مفتوحة على ما أنتجه العصر من سلع استهلاكية دون أن تحقق رغبة الفنان التشكيلي في التعبير عن مشاعر سكان المدينة بما يحملونه من حبٍ وجمال يتجسد فيما انتجه الفنان السعودي من أساليب في الفن، وقد كانت للفنان الراحل محمد السليم صاحب أسلوب الآفاقية تجربة مرة مع أمانة مدينة الرياض عندما وعده أمينها السابق عبد الله النعيم بالمساهمة في بداية التطوير بمجسماته التي صرف عليها ملايين الريالات والتي لم يكتب لها النجاح وانتهت به التجربة بأن قالوا له إنها لا تصلح وتكالبت عليه الديون ولم يستطع أن يسددها على الرغم من محاولاته إقامة عدة معارض في الرياض ولم تُبع لوحاته وذهب إلى إيطاليا ليبدأ تجربة جديدة للمشاركة في معارضها ولكن القدر لم يمهله وتوفي هناك وبرحيله غابت عن مدينة الرياض بذرة جميلة كانت ستأسس مشروعاً رائداً في مجال المجسمات الجمالية لو قدر لها أن تجد الفضاء أو المناخ لكنا الآن نتفيأ بظلالها ولكن المدينة رفضت أن توجد هذه الفضاءات لفنانيها من أصحاب الخيال الواسع والتجارب التشكيلية المتجاوزة في أن تحقق حضورها في المدينة وسط المدينة التي يعبر عنها على لوحات الشوارع بنقطة رسم حولها دائرة وإذا بحثت عن هذه النقطة تجدها من اختراع التجار ولكنها في خيال وأحلام المبدعين من الفنانين والمثقفين عبارة عن فراغ هائل يمتد من منطقة قصر الحكم إلى متحف الملك عبد العزيز ولا وجود لكل المنازل القديمة والمحلات التجارية على امتداد شارع السويلم وشارع العطايف وشارع الظهيرة التي يجب أن تهدم وتستبدل ببساط أخضر كبير تنتشر فوقه عدة متاحف للفن التشكيلي السعودي ومتحف للأغنية السعودية ومتحف للكرة السعودية ومتحف للموروثات الشعبية ومسارح وصالات للسينما وحدائق مفتوحة دون أسوار لتكون منطقة جذب للزوار ومتنفساً لكل سكان مدينة الرياض وتعكس صورة جميلة عن واقعنا الحقيقي الحضاري أمام العالم وهذا هو دور الفن في الحياة لأنه خير وسيلة لربط جميع الشعوب بلغة عالمية واحدة من أجل التفاعل بين تلك الشعوب واحترام بعضها البعض والتقدير الثقافي والفني لكل بلدٍ مما يولّد تجانساً عالمياً لا تحققه الأسلحة أو الوسائل الأخرى مثل الشوارع الحديثة وناطحات السحاب التي هي في حقيقة الأمر بضاعة تشترى ولكن المشاعر التي هي نتاج إبداعات الفنان لا تباع.. فربما من أجل لوحة تكرم مدينة.. كلوحة الجورنيكا لبيكاسو الإسباني.. ولوحة دوار الشمس لفان جوخ الهولندي.. ولوحة الموناليزا لليوناردو دافنشي الإيطالي.. لأن أصعب شيء في الحياة أن تقول للعالم إنك إنسان ولا يتحقق هذا الحس الإنساني إلا في الإبداعات الفنية وليس في وسائل الحياة المادية الترفيهية.
ومن سحر هذا العالم أنني عندما أقمت معرضاً شخصياً في مدينة لوزان بسويسرا عام 1991م. كان المعرض يضم 35 لوحة تحكي العديد من النواحي العاطفية والرومانسية.. وكنت اتخذت لي أثناء وجودي في المعرض ركناً يوجد به كرسي وطاولة تحول إلى مرسم حيث جلست أمارس العمل الإبداعي.. رسمت ثلاث لوحات في 20 يوماً مدة إقامة المعرض كانت بمثابة جسر للغة الحوار بيني وبين زوار المعرض من الأوروبيين الذين كنت أتحدث معهم باللغتين الفرنسية والإنجليزية التي أجيدهما.. كنت أرفع اللوحة لهم وأسألهم ماذا يشاهدون بها؟ كانوا يجيبون أنه لا يوجد في اللوحة سوى ثلاث صخرات!! وعندما أقول لهم إنها على شكل عام 91م. ينتبهون للرقم ثم يبدأ السؤال عن فلسفتي في الرسم؟ كنت أجيبهم أن فلسفتي في الرسم كفنان تشكيلي أنني أرسم الحب والجمال.. فالفكر الذي تحمله لوحاتي هو فكر عن الحب والجمال.. فيقولون إن بلدنا صحراء.. وأقول لهم نعم هي صحراء ولكن فيها إيمان وألوان وحب وجمال وسلام.. فقد كان اندهاشهم للمعرض لما نحمله من حب وأحاسيس مرهفة ومحل استغرابهم أننا نعيش في الصحراء الحارة التي تترجم عندهم في القواميس على أنها أرض موحشة وقاسية وباعتقادهم أنها تعكس قسوتها على قلوب ساكنيها.


aldihaya2004@hotmail.com*

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved