الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th March,2005 العدد : 96

الأثنين 26 ,محرم 1426

محمد الحمصي لـ«الثقافية »
الاستشراق الفرنسي أكثر موضوعية وحياداً من أي استشراق آخر
* حاوره عباس المدهش:
تعد الحوارات مع المتخصصين في آداب وثقافات الأمم الأخرى واحدة من أهم القنوات المعرفية لإرساء دعائم (حوار الحضارات) الذي هو سمة بارزة لعصر العولمة، وهذا ما لمسناه عند حوارنا مع الدكتور محمد الحمصي أستاذ اللغة والأدب الفرنسي بكلية اللغات جامعة الملك سعود والذي له العديد من الأبحاث والمشاركات في هذا الجانب وقد أبحر بنا في محيط الثقافة الفرنسية لنلتقط كل ما هو نفيس ومفيد فإلى محصلة الحوار:
* ما المراحل التي مرت بها اللغة الفرنسية لتصبح لغة عالمية، ما يميزها عن اللغات الأوروبية الأخرى، المكانة الدولية التي تتبوؤها؟
تكونت اللغة الفرنسية القديمة من لغات ثلاث هي اللاتينية التي كان يستخدمها الرومان، والسلتية التي كانت تتخاطب بها أقوام الغال، والجرمانية لغة الفرنجة، وبقي الأمر على هذه الحال حتى القرن السادس عشر الميلادي، عصر النهضة الأوروبية حيث بدأ المثقفون والأدباء والعلماء بتكوين كلمات جديدة انطلاقاً من أصول لاتينية وإغريقية لمواكبة تقدم العلوم والتقنيات وتلبية حاجتها إلى مفردات جديدة. ومن المعروف أن اللاتينية والإغريقية كانتا لغتي العلوم إلى ذلك العصر. فقد كان المثقفون الذين انكبوا على ترجمة المؤلفات العلمية إلى اللغة الفرنسية (العامية يفرنسون المفردات اليونانية واللاتينية. ومع تقدم العلوم وازدهارها بدأوا بصياغة كلمات جديدة مع استمرار الاقتراض من اللغات الميتة. لذلك فإن الكم الأكبر من المفردات العلمية الفرنسية هو من جذور لاتينية وإغريقية. وهذه الطريقة في تشكيل الكلمات مستمرة إلى يومنا هذا. ومما يذكر أن هذه الفترة بالذات شهدت دخول العديد من الكلمات العربية إلى اللغة الفرنسية كالجبر والكحل والاسطرلاب وغيرها.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فإن المكانة التي تحتلها اليوم اللغة الفرنسية على الصعيد الدولي إنما ترجع في رأيي إلى أسباب قديمة وهي أن هذه اللغة كانت لغة دولة قوية حاولت بسط سلطانها على أصقاع عديدة من العالم في القرنين الأخيرين، هذا فضلاً عن أنها لغة جميلة لها وقع محبب على الأذن.
* من أبرز رموز الحركة الأدبية قديماً وحديثاً؟
ما ينطبق على العلوم ينطبق أيضاً على الحركة الأدبية، بمعنى أنها ازدهرت في عصر النهضة لا يعني ذلك أن العصور الوسطى لم تشهد كتاباً وشعراء، ولكن اللغة الفرنسية القديمة التي كانوا يكتبون بها يتعذر فهمها على القارئ في يومنا هذا، وهناك بالطبع ترجمات لأعمال ظهرت في ذلك العصر. يعتمد الفرنسيون تقسيماً واضحاً ومريحاً للعصور الأدبية لديهم يبدأ بأدب العصر الوسيط وينتهي بأدب القرن العشرين، مروراً بأدب عصر النهضة، ثم القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. ولكل عصر من هذه العصور ميزاته فقد تأثر أدباء عصر النهضة في فرنسا بالحركة الأدبية الإيطالية إلى حد كبير ومن أشهر الأسماء في هذا العصر الشاعران رونسار ودوبيلي والفيلسوف لابويسي، بينما شهد القرن السابع عشر، وخاصة في عهد الملك لويس الرابع عشر، حركة أدبية كبيرة، أطلق عليها فيما بعد الحقبة الكلاسيكية، وهي حقبة يعتز بها الفرنسيون إلى يومنا هذا فقد بلغ الأدب الفرنسي في تلك الفترة مرحلة متطورة وذلك نتيجة لما عرفته البلاد آنذاك من استقرار وقوة ودعم وتكريم لرجالات الأدب. ومن أقطاب هذه الحركة موليير وراسين وكورني ولا فونتين ولابرويير.. وشهد القرن الثامن عشر، بظهور روسو وفولتير ومونتسكيو وديدرو..، حركة فكرية بكيرة مهدت للثورة الفرنسية التي حدثت عام 1789م. ويطلق على هذه الفترة عصر الفلسفة، ثم يأتي القرن التاسع عشر ليرد للعاطفة والحنين والعلاقات الإنسانية اعتبارها بعد قرنين من سيادة العقل والحكمة. وهذا القرن هو عصر الرومانسية في نصفه الأول والرمزية والواقعية في نصفه الثاني وشهد عمالقة مثل فيكتور هوجو، وشاتوبريان، وشارل بودلير، وبول فيرلين، وألفريد دو موسيه، ولامارتين، وغوستاف فلوبر، وستندال، وإميل زولا.. وغيرهم كثير. ولكن هذا التجانس النسبي الذي اتسمت به الحركة الأدبية في العصور الماضية لا نجد له كبير أثر في القرن العشرين الذي شهد اندلاع حربين عالميتين وظهور تيارات أدبية وفكرية عديدة من سيريالية ووجودية وغيرها، الأمر الذي يجعل من المتعذر إطلاق عنوان واحد على مجمل هذه الحقبة من التاريخ الأدبي الفرنسي. ومن بين المشاهير الذين لمعت أسماؤهم في هذا القرن جورج برنانوس، أنريه مالرو، أندريه جيد، أنطوان دو سانت اكزوبيري، جان جيونو، جان بول سارتر، ألبير كامو، فرانسوا مورياك.. هذا بالنسبة للنصف الأول من القرن العشرين. وفي النصف الثاني هناك صموئيل بيكيت، أوجين يونيسكو، ألان روب غرييه، ناتالي ساروت، مارغريت يورسونار، كلود سيمون، لوكليزيو وآخرون.
* واقع الحركة الثقافية والأدبية تحديداً كيف تصفها في فرنسا؟
الحركة الثقافية والأدبية في فرنسان حركة نشيطة جداً، فهناك الكثير من الاصدارات الأدبية، والبرامج التلفزيونية والإذاعية المخصصة للحديث عن الأدب والثقافة، والمنتديات، والفرنسيون يكثرون من ارتياد المنتديات الثقافية والأدبية وهم شعب منفتح على الشعوب والثقافات الأخرى.
لا يمضي يوم واحد دون أن يشهد العديد من اللقاءات الثقافية لدرجة أن المرء يحتار في أمره قبل أن يتخذ قراراً بحضور هذه الفعالية أو تلك، وعلى الأخص في العاصمة باريس. وهذا الانفتاح على حضارة الغير وثقافته يجعل من فرنسا عامة وباريس على وجه الخصوص ملاذاً يقصده أنصار الحق والحرية والعدالة والتسامح. وإن وجود العديد من الجوائز الأدبية السنوية، جائزة غونكور وجائزة فيمينا وغيرهما.. التي تمنح لأفضل كتاب في السنة خير دليل على نشاط الحركة الأدبية والثقافية في هذا البلد.
* يقال : إن الاستشراق الفرنسي محايد في نظرته لحضارتنا، فمن أبرز المستشرقين المنصفين، وبالمقابل من أبرز الذين يخالفون هذا التيار؟
إن الاستشراق الفرنسي أكثر موضوعية وحياداً من أي استشراق آخر لما سبق وذكرت من انفتاح الفرنسيين وثقافتهم على سائر الحضارات الأخرى وفي طليعتها الحضارة العربية والإسلامية نظراً للتقارب الجغرافي بين الحضارتين وللعلاقات المتميزة بينهما عبر التاريخ فضلاً عن ذلك فإن استعمار فرنسا لعدد من الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال افريقية لفترات متفاوتة تمخضت عنه تأثيرات متبادلة بين الحضارتين فنجد اليوم في القواميس الفرنسية على سبيل المثال العديد من المفردات ذات الأصل العربي، منها ما هو شائع الاستعمال في الحياة اليومية.
والعكس صحيح فيما يتعلق بالمفردات الفرنسية المستخدمة في اللغة العربية العامية. من أبرز المستشرقين الفرنسيين لويس ماسينيون الذي ترك أبحاثاً كثيرة تناول فيها الدين الإسلامي بشكل عام والمذهب الصوفي بشكل أخص وله كتاب عن فكر الحلاج. وهناك أيضاً ريجيس بلاشير وله ترجمة لمعاني القرآن الكريم وكتاب عن تاريخ الأدب العربي باللغة الفرنسية، ومكسيم رودانسون وله كتاب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكازيميرسكي الذي أنجز ترجمة لمعاني القرآن الكريم منذ عام 1840م وجاك بيرك الذي قام بترجمة المعلقات العشر إلى اللغة الفرنسية وله كتاب بعنوان (العرب اليوم وغداً)، وجاك سوفاجيه وله كتاب يحمل عنوان مدخل إلى تاريخ الشرق المسلم، ودانيل سوردل وكتابه الإسلام في دائرة المعارض (ماذا أعرف) .. وهذا غيض من فيض. وأكبر دليل على اهتمام الفرنسيين بالثقافة والحضارة الإسلامية وجود ترجمات عديدة لمعاني القرآن الكريم أنجزت على يد مستشرقين. لا يمكن القول بوجود تيار مخالف للاستشراق وإنما قد يكون بعض المستشرقين أقل موضوعية وأكثر تعصباً من البعض الآخر في الآراء والأحكام التي يطلقونها على الإسلام والمسلمين والحضارة الإسلامية بشكل عام.
* العلاقات الثقافية الفرنسية العربية، يرى البعض انها متميزة بحكم وجود معهد العالم العربي في باريس، فكيف نقيم تلك العلاقات؟
إن العلاقات الفرنسية العربية متميزة من قبل إنشاء معهد العالم العربي الذي افتتحه في الثمانينيات من القرن الماضي الرئيس الراحل فرانسوا ميتران. بل إن معهد العالم العربي في رأيي جاء تتويجاً لتلك العلاقات المتميزة، ولاشك في أنه سيسهم في توطيد أواصر الصداقة بين فرنسا والشعوب العربية قاطبة بفضل النشاطات الثقافية والفنية التي ينظمها. إن معهد العالم العربي أشبه بنافذة يطل منها العالم العربي على الحضارة الفرنسية وثقافتها، ومن خلالها يرى الفرنسيون حضارتنا وثقافتنا ويجب ألا ننسى أن هناك قبل معهد العالم العربي وفي مختلف الجامعات الفرنسية أقسام تدرس اللغة العربية وآدابها والشريعة الإسلامية خرجت ولا تزال أعداداً كبيرة من الدارسين العرب والفرنسيين والأجانب.
* كيف ينظر الرأي العام الفرنسي خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر إلى المسلمين في الداخل والخارج؟
أعتقد أن الشعب الفرنسي أكثر تفهماً للإسلام والمسلمين من أي شعب غربي آخر بفعل الاحتكاك الذي جرى بين الحضارتين منذ حملة نابليون بونابرت على مصر في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي. زد على ذلك أن الإسلام يعتبر اليوم الدين الثاني للدولة الفرنسية إذ يعتنقه أربعة ملايين مواطن فرنسي، هذا بالإضافة إلى العلاقات الوطيدة التي تربط بين فرنسا والعديد من الدول الإسلامية بناء على ذلك لا أعتقد أن نظرة الفرنسيين للمسلمين في الداخل والخارج قد تغيرت كثيراً بعد تلك الأحداث. ثم إن الفرنسيين عامة أكثر عقلانية من غيرهم وبالتالي فمن النادر أن يطلقوا أحكاماً عامة هوجاء ويعمموا نزعة الإرهاب على جميع المسلمين كما تفعل شعوب أخرى.
* ما الآلية التي ترى أنها مناسبة للدفع قدماً بالعلاقات الفرنسية العربية إلى الأمام في كل الجوانب؟
إن التقارب الجغرافي بين فرنسا والمجموعة الأوروبية من جهة، والدول العربية من جهة ثانية تملي على الجانبين ضرورة إقامة علاقات متميزة فيما بينهما. ويذكر أن الجنرال ديجول سعى إلى ذلك منذ منتصف القرن المنصرم. وأعتقد أن الوقت مناسب دائماً لتطوير هذه العلاقات بشتى السبل وفي إطار الاحترام المتبادل. وعندما نقول علاقات نقصد السياسية منها والاقتصادية والثقافية.
* ما أبرز الدوريات والمجلات الثقافية والعلمية الفرنسية الموجهة للعالمين العربي والإسلامي؟
ليست هناك على حد علمي إصدارات فرنسية مخصصة للتسويق في العالمين العربي والإسلامي.. هناك داخل فرنسا دوريات من هذا النوع يتم تداولها محلياً وتصدر عن مؤسسات إسلامية فرنسية، وهي موجهة بشكل أساسي إلى العرب المسلمين القادمين من شمال افريقيا هناك دورية معروفة اسمها (جون أفريك) أو افريقيا الفتية، هناك ايضاً لايل فرانس، التي تصدر بنسخة عربية وسواهما من الملاحق الثقافية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved