الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 7th June,2004 العدد : 62

الأثنين 19 ,ربيع الثاني 1425

المرأة.. وحركة المجتمع..!
د. أميرة كشغري*
بداية أود أن أؤكد وبصوت هادئ أنه عندما تعرض المرأة قضاياها وحقوقها ومخاوفها فإنها تنطلق من رؤية شرعية لا يزايد عليها أحد وهي واعية ومدركة أن الشرع قد أنصفها وسنّ ما لها وما عليها. وهي بالإضافة إلى ذلك لا تنفي أن للرجال حقوقاً على النساء كما للنساء حقوقاً على الرجال جاء بها الشرع ووضحت من صفات سيد البشر وخلقه الكريم ولكنها لم تستقر بنفس الدرجة في وجدان الكثير من الرجال {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
أقول هذا لأنه ومع الأسف الشديد، هناك من يزايد على ما تقوله المرأة عندما تتحدث عن قضاياها متهماً إياها بالتمرد والرغبة في الخروج على الأخلاق والتقاليد الإسلامية، أو أنه يحيل الموضوع إلى أمر خارج عن السياق وذلك بتحويل الحديث من مناقشة الممارسات كما هي في أرض الواقع إلى الحديث عن الشريعة ذاتها، والتي هي ليست محل خلاف أصلاً. ولإخواني الذين يخلطون بين الأمرين بين ما حوته الشريعة من حقوق وما ينتشر في المجتمع من ممارسات أقول إنكم ربما جانبكم الصواب في تفهم طرح المرأة لهذه المواضيع. فما من عاقل يجادل في أن الشريعة قد كفلت للمرأة حقوقها وأن الكتاب والسنّة قد فصلا كل أمر خاص بالمرأة. لكن ما نطرحه للنقاش هنا هو ما نراه ونعايشه من مشكلات وقضايا تمر بها المرأة في حياتها اليومية نتيجة بعض الممارسات ممن لا يطبقون ما جاءت به روح الشريعة السمحة.
إن محاولة النيل من المرأة التي تنادي بحقوقها أو تعرض النماذج لما تتعرض له من إجحاف يمارس ضدها لكونها امرأة هو بالإضافة إلى تعارضه مع روح الإسلام وتعاليمه لهو محاولة لتثبيت واقع وممارسات مأساوية كرستها العادات والتقاليد، وهو ليس جناية على المرأة والمجتمع فحسب، بل هو تجنٍ على الشرع الحنيف أيضاً وذلك بنزع السماحة المتأصلة فيه ومحاولة عن المزايدين لتوظيف تأويلات ضيقة لصالح رؤاهم الخاصة (والتي لا تعدو كونها فهماً متلبساً بأعرافهم وتقاليدهم التي يظنونها منتهى الحقيقة الشرعية)، كما يقول الأستاذ محمد بن علي المحمود (جريدة الرياض 1 4 1425هـ).
لقد كرم الله الإنسان رجلاً كان أم امرأة ولم يجعل الجنس مقياساً للتكريم، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، فالإنسان رجلاً كان أو امرأة كرمه الإسلام وجعل أساس التمييز بين البشر قائم على أساس تقوى الله عزّ وجلّ دون النظر إلى الجنس أو العرق.
ومن هذا المنطلق نجد أن الإسلام قد أقام التوازن والتكامل فيما يخص البشر رجالاً ونساء في التكاليف والحقوق والواجبات وجاءت الشريعة واضحة وصريحة فيما يخص حقوق المرأة ومكانتها في المجتمع، إلا أننا نجد وبكل أسف أن هناك مقداراً غير قليل من تعصب على مر التاريخ ضد المرأة مما أدى إلى ممارسات وعادات تجنح نحو الإجحاف بالمرأة وتحاول اسكانها مرتبة أدنى من الرجل، كما تحاول وضع حدود ضيقة فيما يتعلق بحضورها ومساهمتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن هذا المنطلق أيضاً فإن علينا من واقع مسؤوليتنا تجاه مجتمعنا أن نوضح عدداً من النقاط التي لا ينبغي أن تغيب عن النقاش الهادف إلى البناء:
1) إن الإسلام جاء معززاً لكرامة المرأة وإنسانيتها ولذلك فإن حضور المرأة المسلمة في الشؤون العامة للمجتمع الإسلامي كان جزءاً من التراث الإسلامي كما يظهر لنا من قراءة سيرة زوجات المصطفى صلى الله عليه وسلم والصحابيات رضي الله عنهن فقد كن حريصات على أن يكن جزءاً مرئياً وظاهراً من حياة المجتمع الإسلامي في جوانبه المختلفة. فها هي أم سلمة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي من على المنبر: (أيها الناس) فأرادت الذهاب فقالت لها الجارية: (إنما دعا الرجال ولم يدع النساء) فردت سريعاً: (إني من الناس).
2) حرصت النساء في عهد النبوة على أن يحظين بالمكانة والتقدير المعلن لجهدهن وألا يتم إقصاؤهن أو تجاهلهن، فالمرأة المسلمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت لا تخجل في التعبير عن وعيها بأهمية مشاركتها في الحياة العامة وإيصال صوتها ولم تتردد في أن تطمح إلى وضع أفضل ولم ينهرها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحبه على ذلك، فعندما تساءلت أم سلمة رضي الله عنها عن فضل الهجرة وهل هناك تخصيص للرجال على النساء حيث قالت: يا رسول الله لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء، انزل تعالى {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} سورة آل عمران (195) كما قامت المرأة بالرد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يخطب بشأن خفض المهور، فما كان منه إلا أن قال مقولته الشهيرة: (أخطأ عمر وأصابت امرأة). وهنا لا بد من الإشارة إلى حق الاعتراض وإبداء الرأي الذي استخدمته المرأة لتدافع به عن مكسب ومزية أقرتها لها الشريعة.
3) إن وعي المرأة بظروف حياتها وإدراكها لما يدور حولها من أحداث في المجتمع بصفتها إنساناً أولاً وفرداً فاعلاً ومؤثراً داخل هذا المجتمع هو المنطلق الأول الذي يمكّن المرأة من الحضور بقوة وفاعلية في شتى المجالات، فانخراط المرأة في الحياة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية متطلب وضرورة لتنمية المجتمع الذي لا يقوم ولا يحلق إلا بجناحين. فالمرأة التي تعي ما يدور حولها وتساهم في بناء مجتمعها هي في الأساس عنصر فاعل في بناء أسرتها وبناء الأجيال التي تقوم الأمة عليها. وكيف نتوقع أن تكون الأجيال القادمة قوية وفاعلة إذا كانت المرأة وهي المربية لهذه الأجيال ولا تمتلك القدرة على بناء ذاتها ولا تمتلك وعياً ناضجاً بما يدور حولها، فالمرأة تحتاج إلى أكبر قدر من الوعي بواقع الحياة كي تتمكن من صناعة الأجيال، وهي كما يقول الأستاذ المحمود في ذات المقال (لا يمكن أن تفهم الحياة إلا إذا خاضت غمارها ومارست كل تفاصيلها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية دون تردد، إلا فيما دلت عليه محكمات النصوص قطعية الدلالة في ذاتها، وفي دلالاتها على الوقائع المتعينة، بحيث لا يكون (الإلزام) في الحكم على الوقائع مجرد اجتهاد يدعي (الإلزام).
إن ضعف المرأة وعدم حصولها على حقوقها الشرعية من شأنه إضعاف الأمة والأجيال القادمة. وبالمقابل فإن إعطاء المرأة مكانتها كما بيّنها الشرع من شأنه استنهاض الأمة بأكملها، فالمرأة المكرمة القوية هي وحدها القادرة على بث روح الحماس والقوة في أبنائها وبالتالي خلق أجيال قوية قادرة على البناء والحب والسلام وصنع الحضارات.
إن مشاركة المرأة في تنمية المجتمع والإسهام في شتى مجالات البناء السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو في حقيقة الأمر جزء من تراثنا وتقاليدنا الإسلامية والتي كفلها الشرع، ومطالبة المرأة بهذه الحقوق ليست وليدة اليوم وليست بدعاً من الأمر فهو أمر أقرته الشريعة الإسلامية منذ 14 قرنا. وعوضاً عن (تطبيق الشرع)، نجد البعض يحاول (شرعنة الواقع) وشتان ما بين الأمرين، فشرعنة الواقع لا تعفينا من مسؤولية إيجاد حلول لمشاكل واقعية تعيشها المرأة وتعاني منها في حياتها اليومية، فالمرأة إنسان قبل أن تكون أنثى، وبوصفها إنساناً لا يمكن الانتقاص من حق الإنسان في الإسهام في الحياة بشكل كامل، إن تجاهل الواقع ومشكلاته لا يعني حلها لأنه لا يعدو كونه عملاً يميت الإحساس بهذه المشكلات ومن ثم يجعلها تتفاقم وتزداد.
ولعلنا نتمكن جميعاً من الارتقاء بأسلوب الطرح والنقاش كي لا نظل نراوح مكاننا فحركة المجتمع لا تتوقف وبناء الأمم لا يحتمل المزيد من دفن الرؤوس في الرمال.


*عضو هيئة التدريس كلية التربية جدة
عضو في اللقاء الثاني للحوار الوطني مكة

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
قضايا
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved