الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 07th August,2006 العدد : 165

الأثنين 13 ,رجب 1427

إليك يا أعز الناس
إبراهيم بن عبدالله الخويطر *
رحمك الله يا أبا إبراهيم رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، وجزاك الله خير الجزاء على ما قدمته لأهلك ولمجتمعك ولأمتك.
لقد بكيناك يا أعز الناس، بكتك حبيبتك عنيزة وبكاك أهلها، وبكتك الثقافة وبكاك محبوك ومريدوك.
رحلت ولم ترحل، رحلت بشخصك ولكنك حيٌ باق في قلوبنا وعقولنا، فقدنا بفقدك الأخ والمعلم والصديق، لقد كنت لنا أيام شبابنا الأخ الأكبر الذي يتفقد أحوالنا ويعيش همومنا ويسأل عن غائبنا.
وكنت لنا خير معلم فقد علمتنا ما لم تعلمه لنا المدارس، لقد كنت (سقراط) عصرك، علمتنا فن الحوار وفن المناقشة وفن البحث عن الحقيقة، قلت لكل منا (اعرف نفسك).. لم تقلها لفظا كما قالها سقراط وإنما ترجمتها إلى معنى.
عرفناك فعرفنا معنى الحياة، وكنا قبلك نعيش على هامشها، وكنت لنا نعم الصديق، كسبت قلوبنا وعقولنا فكان الواحد منا يستشيرك في كل أموره ولا يتحرج أن يبوح لك بأدق أسراره، فكنت المعين وكنت الصديق، هكذا عرفناك، وهكذا عاشرناك، وهكذا تبقي قلبونا ذكراك.
رحمك الله يا أبا إبراهيم! كيف ستغدو عنيزة بدونك؟! أنا لا أستطيع أن أتصور عنيزة بدون (أبو إبراهيم).. رحمك الله يا أبا إبراهيم! لقد أصبحنا بعدك أيتاماً على الرغم من تقدمنا في العمر.. لقد فقدت عنيزة بفقدك واحداً من أعز أبنائها، نعم كل من يرحل عن هذه الدنيا يفقد، ولكن حجم الفقد بحجم الفرد فهناك من تفقده أسرة وهناك من تفقده أمة، وأنت فرد فرد، فرد في ثقافتك، فرد في شخصيتك، فرد في مكانتك. (أبو إبراهيم) كلمة لها أثر السحر في النفس لا يدرك وقعها إلا من عرف صاحبها وعاشر رمزها لقد أصبحت لقبا لشخص واحد لا تتعداه إلى سواه إنها لقب خاص بفقيدنا الغالي.
(أبو إبراهيم) شخصية فذة نادرة يتمتع بنفس أريحية لا يشوبها كدر (تراه إذا ما جئته تهللا) يلقاك بابتسامة الأريحي الذي يحب الناس ويحبونه، وليست ابتسامة المجاملة التي سرعان ما تختفي، يلقى زائره هاشا باشا مرحبا أيا كان هذا الزائر وفي أي ظرف كان عرفته منذ أكثر من أربعين عاماً لم أره فيها يوماً متجهما في وجه أحد، ولا واجما في مجلسه لم يشعرنا يوما بالحرج لأننا جئنا في ظرف غير مناسب، دائما بيته مفتوح، وقلبه مفتوح، وعقله مفتوح، مجلس عامر بالمتعة والفائدة، وقلب مفطور على حب الناس وحب الخير وعقل يتسع لهموم الحياة وهموم الناس والعالم صغيرها وكبيرها.
هذا ما يميز هذا الرجل، هذه الشخصية النادرة التي قد لا يجود الزمان بمثلها.. هذا الرجل جمع بين الأريحية والثقافة، وهذه الصفتان من النادر أن تجمعنا في شخص لأن المثقف غالبا ما يكون له عالمه الخاص به، يحيط نفسه بدائرة شبه مغلقة ومن النادر أن تجد مثققا منفتحا على جميع أطياف مجتمعه مختلطا به، والشهامة والأريحية موجودة في سائر مجتمعنا، ولكنها لأبي إبراهيم ميزة خاصة فهي بالنسبة له ليست صفة مكتسبة وإنما هي جزء من كيان غير منفصل عنه، فلا يمكن أن تتصور هذا الرجل بدون هذه الشهامة وبدون هذه البشاشة وبدون هذا الترحيب، فلهذا يقصده القريب والغريب والصغير والكبير، ضيوفه من أطياف المجتمع، فتجد الفلاح بجانب الطبيب والأديب والسياسي والصغير والكبير شتات مختلفة يجمعها شيء واحد، حبهم لهذا الرجل واستمتاعهم بمجالسته، والعجيب في هذا الرجل دقة الملاحظة وقدرته على توزيع اهتمامه بينهم، يسأل الفلاح في الزراعة والأديب في الحداثة والسياسي في السياسة والصغير في الدراسة، فلا يحس أحد ممن حضر أنه مهمل أو مغبون، فيخرج الجمع راضين مبتهجين.
رحمك الله ورضي عنه وأرضاك، وإن أنس فلا أنسى موقفا لأبي إبراهيم أيام الطفرة والسنين العجاف على الثقافة حين انشغل الناس بالعقار والعمار وأهملوا الثقافة بل حتى التعليم، صادفت يوما أبا إبراهيم وأنا في الطريق إلى المستشفى لزيارة صديق وكان هو أيضا يقصده بالزيارة فهزَّ رأسه أسفا على ما آلت إليه الثقافة وقال: (أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ) يقصد (الكتاب) حيث أصبح المثقف يخجل أن يتحدث في الثقافة.


* مثقف وتربوي - الرياض

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved