الاقتصادية عالم الرقميمجلة الجزيرة نادي السياراتالرياضيةالجزيرة
Monday 08th January,2007 العدد : 181

الأثنين 19 ,ذو الحجة 1427

الإعلام في عهد الملك سعود«*» (1)
د. عبد الرحمن الشبيلي

الكتابة في التاريخ أمانة، والتّقصي فيه مسؤولية، وخير للمرء ألا يتصدى للقضايا التاريخية والتوثيقية من أن يخلط الحوادث والأوراق ويقفز الحواجز الحدودية بينها، وإن اليوم الواحد، بين صباحه ومسائه، يعمل فرقاً عند رواية الأحداث ذات الصلة بالأزمنة السياسية، فكيف إذا تداخلت لفترات أطول.
ترد هذه المقدمة على الذهن، في وقت يُلحظ فيه أن المجاملات والعواطف أصبحت توجّه بعض الأعمال التوثيقية التي تطال العهود السياسية في العقود الزمنية المتأخّرة، سواء في المملكة أو في الوطن العربي بشكل عام، وأن بعض الباحثين لا يتورَّع من نسبة بعض الإنجازات إلى غير سياقها الزمني، وبخاصة في أثناء الفترات الضبابية المتداخلة بين العهود.
ومن حسن الحظ المؤرِّخ في هذه البلاد، أنه عندما يلتزم بالدقة في تتبع ما يرويه وتحديد الفواصل الموضوعية بين منجزات عهد وعهد، فإنه يتعامل مع أسرة واحدة، ومع أب وأبنائه، وبين إخوة، بخلاف ما يواجهه الباحثون في بلدان تعرضت للتقلبات وتغيُّر الزعامات.
إنها مقدمة، تدعو الباحثين إلى تحمُّل المسؤولية والشفافية التاريخية، فيما يتعرضون له من نقل أو رواية، كما تدعو إلى التعامل مع عثرات الباحثين بموضوعية وحسن تقدير.
ولد الملك سعود - رحمه الله - في الكويت عام 1319هـ (1902م)، واصطفاه الملك عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه - ولياً للعهد عام 1352هـ (1933م)، وتولى مقاليد الحكم عام 1373هـ (1953م) في حين خلفه الملك فيصل عام 1384هـ (1964م)، وقد توفي - رحمه الله - عام 1389هـ (1969م).
وبهذا يكون الإطار الزمني لهذا البحث محدوداً بفترتين: ولاية العهد، وولاية الحكم، على أنه فيما يتصل بولاية العهد، في أثناء حياة والده الملك عبدالعزيز، فإن الحديث سيقتصر على ما كان ولي العهد طرفاً مباشراً فيه على النحو الذي سيوضّح قرين كل موضوع.
مع الإشارة في هذا الصدد إلى أن مُعد هذا البحث كان التحق بعمله في وزارة الإعلام في منتصف عام 1383هـ (1963م)، وبالتالي فإنه أحد الشهود المعاصرين - إدارياً - للعام الأخير من عهد الملك سعود.
يتكوَّن المشهد الإعلامي في عام 1351هـ (1932م) - وهو العام الذي أُعلن فيه عن توحيد المملكة العربية السعودية، واختير فيه الأمير سعود ولياً للعهد - من مديرية للمطبوعات، كانت قد انضوت تحت مظلة وزارة الخارجية باسم (قلم المطبوعات)، ومن الجريدة الرسمية (أم القرى) في عامها الثامن، ومن صحيفة أهلية واحدة هي (صوت الحجاز) في مطلع سنتها الثانية، وكان قد مضت أربعة أعوام على صدور أول نظام سعودي للمطابع والمطبوعات، أما الإذاعات في العالم العربي فلم تبدأ إلا بعد عام 1353هـ (1934م)، وبالتالي فإن نشاط رصد الأخبار عبر الراديو قد بدأ بعد ذلك العام.
لم ينته عهد الملك عبدالعزيز حتى كان هذا المشهد قد تغيَّر على النحو الآتي:
1 - صدور إحدى عشرة مطبوعة صحفية منها: أم القرى والبلاد والمدينة والمنهل واليمامة، وقافلة الزيت.
2 - قيام الإذاعة السعودية عام 1368هـ (1949م)، وصدور مرسوم ملكي بتأسيسها مع إنشاء مديرية خاصة بها تعرَّضت لبعض المتغيرات التي سنشير إليها.
3 - ظهور نشاط ملحوظ في مجال الإعلام الخارجي، مع إنشاء مديرية للدعاية للحج.
4 - تأسيس وحدة للرصد الإذاعي، في إطار الشعبة السياسية في الديوان الملكي، بكامل تجهيزاتها الفنية وكوادرها البشرية.
5 - صدور النظام الثاني المطوّر للمطابع والمطبوعات (1358هـ - 1940م).
6 - إنشاء مجموعة من المطابع في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، التي بلغ عددها عام 1373هـ (1953م) ما يزيد على (10) مطابع.
7 - ظهور عدد من المكتبات العامة والخاصة والمكتبات التجارية في شتى أرجاء الوطن.
8 - إنشاء قسم إذاعي باللغتين الأوردية والإندونيسية (1369هـ - 1950م).
9 - ظهور عدد من المطبوعات الصحفية في الخارج لصحفيين سعوديين من أمثال سليمان الدخيل وعدد من آل الزهير وعبد اللطيف ثنيان وعبد الله الجشي وسلمان الصفواني ومحمد سعيد المسلم ومحمد حسن نمر وفؤاد شاكر.
من بين هذه الصور، كان لولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز دور مباشر في الإنجازات الآتية:
1 - تذكر وثائق الإعلام أن الإذاعة السعودية قد أُنشئت باقتراح من ولي العهد، ثم صدر مرسوم بتاريخ 22-9- 1368هـ بتوقيع الملك عبدالعزيز موجّه إلى الأمير فيصل بتنفيذ الفكرة.
2 - كما تذكر وثائق الإذاعة أن أمراً سامياً بتوقيع ولي العهد، قد صدر بتاريخ 1-2-1372هـ بدمج مديرية الإذاعة مع مديرية الحج، ليصبحا مديرية واحدة، وقد وُكل الإشراف عليها فيما بعد إلى محمد سرور الصبَّان.
3 - وافتتح الأمير سعود إبان فترة ولاية العهد المكتبة السعودية، وهي أول مكتبة عامة في الرياض، وأُقيم لافتتاحها حفل عام 1371هـ (1951م).
4 - وأورد حمد الجاسر في مذكراته: من سوانح الذكريات (الصادرة هذا العام) أن ولي العهد هو الذي منح له الإذن بإصدار صحيفة (اليمامة)، التي صدرت أواخر عام 1372هـ.
عندما بدأ عهد الملك سعود عام 1373هـ (1953م)، كان قلم المطبوعات - المشرف على شؤون الطباعة والصحافة، وعلى تطبيق نظام المطبوعات - مرتبطاً بوزارة الخارجية في مكة المكرمة، وخاضعاً لإشراف نائب الملك في الحجاز سابقاً (وولي العهد لاحقاً) الأمير فيصل بن عبدالعزيز وزير الخارجية، كما كانت مديرية الحج والإذاعة مرتبطة بوزير المالية، وكانت الإذاعة قد انتقلت من جدة إلى مكة المكرمة بدءاً من مطلع عام 1371هـ.
وفي عام 1374هـ (1955م)، أي بعد نحو عام من بدء عهد الملك سعود، صدر مرسوم ملكي بدمج كياني المطبوعات والنشر في مديرية جديدة سُميت المديرية العامة للصحافة والنشر، أُلحقت الإذاعة بها.
وكان الشيخ عبد الله بلخير - رحمه الله - قد روى لي أن أحد بواعث إحداث هذه المديرية ما لاحظه الملك سعود من نقص في تغطية الأخبار الصحفية لوفد المملكة إلى مؤتمر عدم الانحياز في باندونج بإندونيسيا، وبإنشاء هذه المديرية، التي اجتمع فيها لأول مرة شتات الجهاز الإعلامي الرسمي، باشرت المديرية المسؤوليات الإشرافية والرقابية والتنفيذية على القطاعات الإعلامية الداخلية والخارجية.
وكان السكرتير الخاص والمترجم في الديوان الملكي، الشيخ عبد الله بلخير، المقرّب من الملك سعود قد تولى منصب مدير عام تلك المديرية منذ إنشائها وحتى تحويلها إلى وزارة، باستثناء مدة نحو عام ونصف العام تعاقب فيها عليها عدد من المسؤولين من بينهم الشيخ جميل الحجيلان، ومع حلول الستينيات الميلادية، بدأت الأجهزة المعنية بالإذاعة والصحافة والنشر في العالم العربي التحوُّل إلى وزارات تحمل اسماً جامعاً هو (الإعلام)، فبدأ التفكير بتحويل المديرية إلى وزارة، وهو ما تم في شهر ذي القعدة عام 1382هـ (مارس 1963م).
لقد اكتسب الشيخ بلخير في أواخر فترته - مشرفاً على تلك المديرية - لقب وزير دولة لشؤون الإذاعة والصحافة والنشر، أما وزارة الإعلام فكان أول من تولاها الشيخ الحجيلان، إبان عهد الملك سعود.
وكانت المديرية، ومن ثم الوزارة في سنواتها الأولى، تتخذ من جدة مقراً لها، مع وجود مكتب فرعي لها في العاصمة (الرياض) ولم يصدر بحسب علم الباحث أي أداة تنظيمية (مرسوم أو أمر ملكي) باستحداث الوزارة، وذلك باستثناء أمرٍ سامٍ باعتماد ميزانية يمهّد لقيامها، وأمر ملكي بتعيين الوزير.
وقد شهدت فترة السبعينيات الهجرية (الخمسينيات الميلادية) نمواً سريعاً في زيادة الصحف الأهلية من قِبل الأفراد، كما شهدت حرية ملحوظة في تناول الموضوعات الاجتماعية ونقد سلبيات السلوكيات الإدارية في القطاع العام.
* يعتمد هذا البحث على ما تضمنته مؤلفاتي من معلومات عن فترة حكم الملك سعود، وبخاصة كتابي: الإعلام في المملكة العربية السعودية: دراسة وثائقية وصفية وتحليلية، الصادر عام 1421هـ (2000م).
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved