الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 8th March,2004 العدد : 49

الأثنين 17 ,محرم 1425

بدر بن عبدالمحسن في حوار مختلف ل(المجلة الثقافية):
كثير من الشعر العربي (مقفَّى وموزون) والقليل منه هو ما يفجِّره الكلام من لون ومدى وظل ووجع ونشوة

الحوار مع الأمير بدر بن عبدالمحسن هو حوار مختلف بلا شك! فهو شاعر وفنان تشكيلي في آن واحد، وله تجارب شعرية رائدة في هذا المجال سواء ما يتعلق بتجربته في كتابة الشعر الشعبي أو في تجربته في كتابة الشعر الفصيح. وهو في هذا الحوار يكشف عن رؤاه الشعرية وآرائه الختلفة عن الساحة الشعرية وحركة النقد في الساحة الأدبية واستدعاء التراث في القصيدة الحديثة.
تعريف للشعر
* سئل أحد الشعراء القدماء: كيف تصنع الشعر؟ فقال :لو أردت أن يكون كلامي كله شعرا لفعلت. وسئل آخر فقال :إن قلع الضرس أحيانا أهون عليّ من قول بيت من الشعر.
هل تمر على سموكم أوقات وقلع الضرس أهون من قول الشعر؟.
وهل يطلب (البدر) الشعر أم أن الشعر هو الذي يلاحقه؟
وعندما يتمرد الشعر ويمتنع عن الحضور هل يلجأ (البدر) إلى الرسم لتحفيزه وإثارته؟
الكثير من الشعر العربي هو كلام (مقفى وموزون).. والقليل منه هو ما يفجره الكلام من لون ومدى ونور وظل ورائحة ووجع ونشوة.. هناك من يهذي بكلام مقفى وموزون.. وهناك من يصنع من الكلام سفينة تحمله لجزر بِكْر لم تطأها قدم، أو يجعل منه مصباحاً يدليه في بئر النفس المظلمة لينير خفاياها.. بالنسبة لي لا أتفق مع القائل أن قلع الضرس أحيانا أهون عليه من قول بيت شعر.. وهذا القول شبيه بمن يقول :إن الشعر مثل الولادة.. بمعنى أنه مؤلم، وهذا بالنسبة لي غير صحيح..
الشعر مجهود ذهني يقع بين حالة الوعي وألا وعي، ينتج عنه إرهاق وتعب على الأكثر.. أنا في الغالب أطلب الشعر، ولكن في أوقات نادرة يلاحقني الشعر وذلك عندما يكون لديه أشياء يود أن يقولها من خلالي..
الرسم والشعر
* الرسم والشعر توأمان وسعيد من يرزق بهما معا أيهما يتغذى على الآخر في عالم (البدر)؟
الشعر والرسم بالنسبة لي مكملان لبعض.. ما لا يستطيع أن يقوله الرسم يقوله الشعر والعكس..
علاقة الناقد بالشاعر
* علاقة الشاعر بالناقد تتسم دائما بالتوتر فالشاعر ينظر إلى الناقد على أنه شاعر فشل في الإبداع.
كيف ينظر (البدر) إلى العلاقة بين المبدع والناقد وما هي الحدود التي يسمح فيها للناقد بالتدخل في عالم المبدع وما مدى استفادة (البدر) من النقاد، وهل صحيح أن الشاعر أقدر من غيره على تقييم الشعر؟.
كيف ينظر (البدر) إلى حركة النقد في ساحتنا الأدبية ألا يتفق معي أنها تميل إلى المجاملة والإطراء حينا والازدراء والهجوم حينا آخر وتفتقر إلى النظرة الموضوعية التي تنظر إلى النص بعيدا عن صاحبه ولا تحتكم إلا إلى القواعد الفنية التي تميز الغث من السمين؟
ما يحدث في ساحاتنا الشعرية بالفعل أكثره مجاملة وإطراء أو ازدراء وشتيمة وكلاهما لا يرتقي لمستوى النقد إلا عند من يعتقد أن النقد هو المدح والذم..
الذي أعرفه أنه يجب أن يكون الناقد على قدر كبير من الثقافة ومطلع إلى أبعد الحدود.. والناقد للشعر بالذات يجب ألا يضع أمامه ما هو أهم من الشعر، وعليه أن يبحث عنه (أي الشعر) في أي مضمون أوشكل أو لغة.. أما عن علاقة الشاعر بالناقد فهي علاقة ضرورية ومفيدة للشعر ذاته.. ولكنها ليست دائما علاقة محبة وود.. الشعر قد يكون أجمل مما يعتقده الشاعر والمتلقي أو قد يكون أقل جمالا.. وهنا تظهر أهمية وجود الناقد..
لا غبار على النقد إذا كان يخدم الإبداع ذاته.. ولكن إذا انحدر إلى ما ليس له به صلة.. أمثال: وهذا الشاعر سمين أو أعرج أو تسلف مني نقود ولم يعيدها.. فهو لا يخدم بشيء.. بالنسبة لفائدتي الشخصية من النقد فهي قليلة، لندرة الدراسات النقدية في الشعر العامي.. وأما بالنسبة للحركة النقدية في ساحاتنا الأدبية فلست ملما بها لأصدر عليها حكماً حقيقياً.. ولكني أعتقد أنه في العقدين الأخيرين قل العطاء في الأدب والشعر والدراسات النقدية..
المهارة الشعرية
* عندما أقرأ شعر (البدر) أدرك مقدار سيطرته على زمام اللغة ومقدرته الذكية على توظيف الألفاظ وحسن تنسيقها ووضع الكلمات في مواضعها والتحسب لوقعها في الأذن والمخيلة.
كيف اكتسب (البدر) هذه المهارة؟ وهل تمر القصيدة عنده بمراحل من التنقيح والتبديل والتعديل قبل أن تستوي عل هذه الصورة الناضجة؟ أم أنها تولد وهي مكتملة النمو؟
من المفترض أن الشاعر أن يكون مسيطراً على زمام اللغة أو اللهجة التي يكتب بها وهذا أمر لا يمكن بغيره أن يبدع.. أما الذكاء في توظيف الألفاظ فهو ضمن مواهب الشاعر.. وهو في غاية الأهمية للوصول للمتلقي وتوصيل ما يراد توصيله.. وأنا شخصيا لم يسبق لي أن ولدت لدي قصيدة مكتملة النمو، بل إن الكثير من قصائدي لا أعتقد أنها كاملة النمو.. هنالك بيت أو بيتان من الشعر يمكن أن يرتجلهما شاعر، أما القصيدة المكتملة فتحتاج لعمل مضنٍ ووقت وتركيز..
اختيار عنوان
* عنوان ديوانكم الأول (ما ينقش العصفور في تمرة العذق) يميل إلى التعقيد واستنفار فضول القارئ وإثارة الجدل فثمة من قال ثمرة (وهو ما كتب في الفهرس) وثمة من قال (تمرة) وأعتقد أنه الصحيح، (ما) ثمة من جعلها نافية وثمة من جعلها اسم موصول (وهو الصحيح) ما الذي دفعك إلى اختيار هذا العنوان المشاكس، وفي الديوان عناوين أخرى أكثر مطاوعة. وهل أردت أن تقول :إن ديوانك يحمل حلاوة التمرة التي يبحث عنها العصفور أم أن تلك القصيدة هي أقرب القصائد إلى نفسك؟ أم أن ذلك نوع من محاولة جذب القارئ للبحث عما يبحث عنه العصفور؟
ما دفعني لاختيار هذا العنوان (ما ينقش العصفور في تمرة العذق) كان بسبب أن قصائد ديواني كانت جديدة من حيث التناول والشكل والأسلوب على الشعر العامي.. والجديد يحتاج لعنوان يناسبه.. والمريح في اللهجة العامية أنها لا تخضع لقواعد اللغة العربية.. مما يجعلني أكثر حرية في تركيب الجمل..
الشاعر الحقيقي
* هناك من يرى أن الشعر الحقيقي هو ما أسلم للقارئ القياد أو كما يقولون تسابق ألفاظه معانيه وهناك من يقول (وأنا منهم) أن الشعر الحقيقي ما جاء مقنعا يترك المتلقي في تطلع ومحاولات إلى الوصول إلى معانيه وفك شفراته. ما رأي شاعرنا الكبير حول هذه القضية؟
يجب أن تقف وتخطو خطوتين للأمام لتلتقي بالشعر ولو في منتصف الطريق.. من يعتقد أن الشعر هو للإمتاع فقط يهين الشعر.. ومن يجلس في مقعده الوثير مسترخيا ليدلك الشاعر مشاعره يهين الشاعر.. أنا لست مع أن يعطي الشعر ظهره للناس ولكني لا أتمنى أن (يدفق ماء وجهه) من أجل رضى الناس.. الشعر ليس قضية إبهاج.. هو بالتأكيد أكثر كثيرا من ذلك..
النص الشعري
* يقول فاليري (النص الشعري بعد نشره يشبه الجهاز الذي يستخدمه كل إنسان كما يشاء تبعا لوسائله ومن الخطأ المنافي لطبيعة الشعر إدعاء أن لكل قصيدة معنى واحدا هو المعنى الحقيقي الذي يتفق مع تفكير الشاعر).
ما تعليقكم على هذه المقولة ؟وما رأيكم في تعدد القرارات ؟وما موقفكم ممن يحاول تطبيق معاني القصيدة على حياة الشاعر وكأنها سيرة ذاتية له وهل قرئ شعركم قراءة بعيدة عما قصدتموه؟
هل أضحكتك هذه القراءة؟
هل أعجبتك؟ هل أغضبتك؟
الشعر هو كما قال فاليري.. مع إضافة أن كل جهاز جديد، عليك أن تبذل جهدا في تحريك مفاتيحه ليعمل..
أما عن تطبيق القصيدة على حياة الشاعر والاعتقاد بأنها سيرة ذاتية، فسأسوق مثلا ربما فسر رأيي في هذه المسألة.. عندما تكون لك حبيبة أو زوجة وتلتقط لها صورة فوتوغرافية هذه الصورة تضعها في محفظتك.. أو بجانب سريرك ولا تفكر أن تعرضها للجمهور والناس في معرض صور فوتوغرافية.. وذلك لأن الصورة ليس فيها أي جانب فني أو إبداعي فهي صورة لامرأة تهمك ولا تهم أحداً سواك.. كذلك القصيدة.. عندما تكتب قصيدة في حبيبتك أو زوجتك لتشرح لها حبك وشوقك، فأكثر ما يجب أن تفعله هو أن تهديها تلك القصيدة لتعرف هي كم تحبها.. الناس لا يهمم في الحقيقة إن كنت تحب أو لا.. الناس تبحث عن الشعر حتى لو كان في الكراهية..
فهد عافت
* عندما سئل فهد عافت عن أساتذته وطرح اسم (البدر) كأحد هؤلاء الأساتذة قال بما معناه البدر عملاق وأنا أصغر من أن أتتلمذ على يديه.
ما تعليقكم على هذا وأرجو ألا يكون جوابكم (إن هذا تواضع من فهد)؟.
فهد عافت وأنا لا أريد تبادل المديح معه هو الأفضل بين الأصوات التي ظهرت في العشرين عاما الماضية.. شاعر مكتمل.. مفهوم الشعر لديه صحيح وهذا ينقص العديدين من الشعراء الشباب قادر على إيصال ما يريد إيصاله.. مبتكر ومبدع في الكثير من قصائده.. وله أسلوبه وشخصيته الشعرية المميزة.. وأنا أفتخر شخصيا أن أكون أحد أساتذته لو كنت بالفعل كذلك.. ولكني أنا وهو نعرف أننا تلاميذ لأساتذة علمونا الشعر وعلمونا كذلك أن نحبه ونحترمه..
من قراءتي لشعر فهد عافت لاحظت أنه يفسد شعره أحيانا بالصورة الغريبة التي لا شك أنه يبذل جهدا كبيرا في صناعتها والتي لا يصل إليها المتلقي إلا بعد كد الذهن وشحذ القريحة وإعمال الفكر إعمالا مرهقا ألا ترى معي أن ذلك لا يتسق مع الشعر الشعبي الذي لا بد أن يكون فهمه متاحا لأكثر الناس لا خاصة وأعتقد أن كثيرا من المصفقين لشعر فهد عافت لم يفهموا إلا أقله.
من قراءتي لشعر فهد عافت لمست استفادته من التراث فهو يأخذ من الشعراء القدماء ويعيد الصياغة ويضيف ويحسن التصرف في تشكيل الصورة الاستعارية أو التشبيهية المبتذلة بما يخرجها عن حدود الابتذال والتقليدية ويضفي عليها نوعا من الخصوصية ولكي أوضح ما أقصد إليه، أضرب مثلا بقوله في قصيدة بعنوان (الكرز) يقول واصفا جمال محبوبته معتمدا على أسلوب بلاغي عربي معروف (هو المدح بما يشبه الدم).
المسبه به الطرف المسبه
ما سوى طرفه الساهي يعيبه
عجزت مرايته فيه تش ب
حاولت فيها وما قدرت تجيبه
فالبيت الأول نسجه على منوال النابغة حين قال للنعمان
ولا عيب فيهم غير أن سيوفه
بهن فلول من قراع الكتائب
وقد أعجبت هذه الصورة كثيراً من الشعراء فقلدوها وكثر هذا التقليد حتى أصبحت هذه الصورة مستهلكة، ولكن فهد عافت يبعث فيها الحياة من جديد حين تجاوزها في البيت الذي يليه فجعل المرآة عاجزة عن تصوير جمال المحبوبة وأي جمال هذا الذي تعجز المرآة عن عكسه؟
*إلى أي حد يلجأ (البدر) إلى استدعاء التراث وما مدى تمثله للموروث الشعري في سياقاته المتعددة؟ وكيف يقف أمام الصورة التراثية ومن هو الشاعر الذي يرى فيه صدى لنفسه؟
فهد عافت مثل جميع الشعراء لا بد أن يتأثر ويؤثر.. وبما أنه مطلع وقارئ جيد ومتذوق كذلك نجد أن الشعر العربي الفصيح خصوصا الحديث منه له أثر في شعره.. وقد أوافق مع رأيكم بأن الصور الغريبة قد تفسد الشعر.. ولكن كل محاولة للوصول للجديد والمبهر حتى لو كانت خشنة وغير ناضجة أو مشوشة تستحق الفرح والإشادة.
بالنسبة للصور الغريبة والمعاني والأحاسيس الجديدة وعدم ملاءمتها للشعر الشعبي.. وأنها لا تتسق معه.. أنا في الحقيقة أستغرب هذا الفهم، ولا أجد مبرراً لحصر الشعر الشعبي في نطاق الأزجال والكلام السطحي البسيط كبساطة الشعب الذي ينسب إليه (وكأنما شعراء الفصحى ليسوا من الناس أو الشعب).. في رأيي المتواضع أن هنالك عيباً أو أخطاء في مفهوم الشعر ككل.. جميعنا يعرف أن اللغة أو اللهجة كانت عربية أو صينية أو سواحلية هي أداة يصنع منها الشعر.. أو معدن يحوله الشاعر إلى شكل فني.. ولو سلمنا أن لا شعر إلا الشعر بالعربية الفصحى فمعنى ذلك أن شكسبير وعمر الخيام وبيرون وكل شعراء الدنيا الذين لا ينطقون بالعربية ليسوا شعراء.. أو ربما شعراء شعبيين مثلنا (وهذا شرف عظيم)..
* هل تؤمن بالمدارس الشعرية وهل لدينا مدارس شعرية لها سمات متميزة؟
للشعر مدرسة واحدة ينتسب لها كل الشعراء الحقيقيين.. وأساتذة هذه المدرسة مهما كبر شأنهم يظلون طلابا فيها حتى يرحلون عن هذه الدنيا.. كل شاعر حقيقي يتتلمذ على يد أساتذة الشعر الكبار الذين ينتظرون منه أن يعطيهم درساً من الحصة الأولى.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
المنتدى
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved