الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 8th March,2004 العدد : 49

الأثنين 17 ,محرم 1425

بدر بن عبد المحسن.. طائر النورس الذي نقل الشعر من الشارع إلى الصالون

بدر.. يعني نور وانعكاس النور.. هو سفر الدروب المقمرة في الليالي الماتعة.. وانعتاق الروح في عتيم الصبح.. ذلك هو بدر بن عبدالمحسن. التجربة المشرقة في ساحة الأدب العربي.
إن بزوغ نجم الشاعر بدر بن عبدالمحسن للوهلة الأولى في المنتصف الأخير من الستينيات.. لم يكن عفويا على الاطلاق.. فهو ان لم يكن نتاجا لمحصلة معرفية قوامها وعي ومتابعة لمعطيات الساحة بكل مقوماتها ومدركاتها الفنية.
فهو قدر جميل ان يخصه الله بهذه الصفة العظيمة ليكون مبدعا وبدرا يقف أدبياً أمام جيل صناع الارضية الصلبة للحركة الثقافية في المملكة العربية السعودية. جيل الرواد مثمنا لهؤلاء ما قدمته اناملهم من يراع ازدان به ضجيج الوقت ومحابر المطابع، فكانت تجربة محمد حسن عواد، حمزة شحاته، محمد حسن فقي، أحمد قنديل، ضياء رجب، يحيى توفيق.
وهو يعلم أن هؤلاء مدارس أدبية شكلت الملامح الرئيسية للحركة الأدبية السعودية وعلى وجه الخصوص الشعر. وقد انفتح بدر على هؤلاء بشكل ينم عن شيء ما. ثم ما لبث ان أدار بوصلته باتجاه تجربة بديوي الوقداني، عبدالله الفيصل، إبراهيم خفاجي، صالح جلال، لطفي زيني، خالد زارع، أحمد صادق، ثريا قابل، وهذا الجيل هو الأقرب لبدر فاقترب منه وظل يراقبه ويتعايش مع منجزاته بكل حرص، ولطالما ابدى اعجابه واحترامه لما قدموه، فهم في نظره من أسس الكلمة المغناة لدينا الى جانب آخرين. في المقابل كان يقوم بتكثيف جهوده في مجال الكلمة الشعرية. وثابر بصدق للاطلاع على مختلف التجارب، ومن الاقليم الغربي اتجه بحثا للشرقية لمعرفة التجارب الموجودة هناك للتعرف عليها فكانت تجربة ابراهيم الغدير وشاكر الشيخ وآخرين في الأحساء نالوا متابعته. والمتابع لهذا المسح الببلوغرافي الذي قام به بدر بن عبدالمحسن في بداياته ينم عن ذكاء حاد للغاية ويكشف بجلاء ان الساحة تستعد ربما لبزوغ حالة شعرية جديدة، ربما ظاهرة، ربما اسلوبية، ربما اكتشاف نسق شعري جديد. وهذا هو الاقرب لماذا؟.. لان بدر منذ طفولته كان مولعا بالرسم وهو فنان تشكيلي على طراز مختلف تماما. وعطفا على رقي ذائقته الذهنية واتساع دوائر المعرفة في ذاكرته، وامتلاكه لخيال خصب، جعل منه فنانا يرسم الكلمة ويلونها ويغمسها بروحانية عذبة يجعلها اكثر جاذبية وتأثيرا لافتا للنظر عند ملامسة الكلمة للروح قبل الاذن لان بدر تكوين إنساني شفاف ورقيق مملوء صدقا ونقاء لذلك فالمتأمل لهذا الإنسان واستعراض نصوصه الشعرية يجد توافقا كبيرا بين هذا الإنسان ونصوصه. فهو يختزن في داخله على الدوام محفلية بالهم الذاتي المحكوم بالرغبة والتطلع الموجود بقوانين واعراف شرعها المجتمع لا يمكن تجاوزها مهما كانت الظروف والمسببات، وكان يمتثل لها إيماناً بها لأنه ابن هذا المجتمع.
وبظهوره شاعراً، في أواخر الستينيات ميلادية. كان ذلك الأمر اشبه بالانقلاب نعم انقلاب ثقافي لمصلحة ميلاد نهج شعري جديد يشكل رافدا مهما للحركة الشعرية العربية على نحو عام. فقد شكل بدر بن عبدالمحسن نقلة نوعية للشعر. من الحالة الاعتيادية الى حالة مدهشة ونقل الشعر من الساحات العامة الى الصوالين. وعطفا على امتلاكه قدرات فنية عالية. فقد تجاوز من ظهروا معه في جيله فمنهم من توقف ومنهم من استمر، بينما كان هو يتقدم الصفوف بصورة مذهلة شعرياً.
وظل يناضل في دروب الكلمة بأخلاق الفرسان. كان التحدي الذي يتمثل أمامه في تكوين الصورة الشعرية. لا يمثل عقبة بل حافزا جميلا. جعل مسيرته الشعرية عبارة عن محطات زمنية. تعايش فيها مع معطيات ثقافته ووعيه واحساسه الخاص ورؤيته للأشياء والأمور فمنذ 19671974.
كانت هذه المرحلة الأولى في تجربة بدر. الكل يعرف ماذا قدم فيها: عطني المحبة، من عيوني، نام الطريق، عندك أمل، لي طلب، ضايع في المحبة، يا صاحبي، يا ليت اقدر اقول اكثر وهذه النماذج الماثلة أمامنا كانت تعتبر مساهمات جادة ومتميزة واضافية لبناء سياق شعري قريب من الناس له بريق خاص وطعم مختلف ولون جديد.
ويومها احتفل الجميع ببزوغ فجر جديد مشرق بالأمل ينبئ عن قدوم منجزات حضارية في عالم الكلمة الجميلة مما يضيف للشعر السعودي متانة وقوة تدفعه للاستمرار بشموخ.
أما الفترة من 1974 1984 فقد شهدت ثورة عارمة لدى شاعرنا قفز خلالها بأدوات النص الشعري لمستوى متطور للغاية، سانده في ذلك حرصه على ان يتسيد الاحساس الخاص بالقصيدة المكتوبة لديه كافة زوايا النص وكأني به يرتب الضوء في اركان قصيدة تمرين، زمان الصمت، وعد، يا طفلة تحت المطر، ما اطولك ليل. زل الطرب، العشق، ولعبت زمان الصمت دوراً كبيراً في صياغة الذائقة الشعرية لرجل الشارع السعودي والعربي.
وساندتها بقوة ليلة تمرين، ولعل المراقب يلاحظ اختلاف المناخ في النصين كذلك التأثير البالغ للبعد النفسي في المعالجة الفنية للفكرة. مما جعل المراقبين والنقاد ومتابعي الكلمة الشاعرية، يعبرون عن رضاهم واعجابهم بخلع قبعاتهم والتلويح بها تقديرا لهذا النموذج الحقيقي للمبدع المثقف المفكر لانه صدق مع نفسه وموهبته وتعب لاجلها فكانت النتائج: انه بعد ظهوره جاءت بعده 4 أجيال شعرية لم تنجح في تجاوز ما قدمه بدر للنص والصورة والفكرة. فبدأ للوهلة الأولى انه لوحده فقد تخلف من كانوا معه في الركب. وعندما التفت للوراء فقط أراد معرفة حالة الطقس من حوله ولم يلتفت للوراء من أجل المراجعة.
أما الفترة من 19841994 فقد جسدت براعة الشاعر في التعامل مع مختلف الظروف الخاصة بالنص الشعري. إذ تشكل هذه المرحلة، النضج بكامل مقوماته الذهنية والنفسية والحرفية، وبإطلالة سريعة على منجزاتها: نجمة ونهر، قصت ضفايرها، قلت المطر، لا تشد القيد، جمرة غضى، ارفض المسافة، صعب السؤال .
المكان نلاحظ مدى اتساع الافق الفني والخيال الفكري والتكوين الروحي في شخصية هذا الشاعر. الذي مارس سطوته في تطويع الفكرة وتطريزها في بوتقة فنية لتصبح لوحة جميلة تبهج من يطالعها ويرغب في اقتنائها لكنه لا يجرؤ على البوح بذلك. في الجانب المقابل من شخصية شاعرنا نجد عذوبته الطاغية كإنسان من وراء ضحكته، وذلك الخجل الذي يتوشح به وجهه وهو يتحدث عن شعره بطريقته أما نظراته وحركتها فهي بحاجة لدراسة مستقلة ففيها أمواج من مشاعر متداخلة متشابكة مغموسة في زجاجة عطر.
وعندما نصل للمرحلة 1994 2003 فهي مرحلة الثبات والاستقرار والهدوء والتأمل. فشاعرنا خاض تجارب عديدة لتحديث الصورة الشعرية، وناضل لتأسيس لغة جديدة وسياق عصري، وهنا انشغل بالتركيز على البعد الإنساني في النص الشعري وتصعيد لغة الموقف المؤثر الذي يعتبر عاملا رئيسا في التحولات المكانية والزمنية لتأطير هوية النص. وبأناقة شديدة يمارس بدر زرع مشاتل من الروحانيات في نصوصه ولذلك يشعر القارئ انه يعبر عنه وعن همومه. ولو نظرنا الى: المزهرية، بعيني تغيب الشمس، الفجر البعيد، وين احب الليلة وين، ما لهم صوت، ما انكر العطر، شعاع، كلنا عشاق لكن. من هنا فإن بدر بن عبدالمحسن هو التجربة المشرقة في الخطاب الثقافي السعودي.
والنموذج الحقيقي للمبدع السعودي والمنجز الثقافي الأصيل الذي سيكون بصمة في تاريخنا المعاصر.
نقاط سريعة:
كان صادقا مع نفسه وموهبته وتمثل فيه الفن بشكل حقيقي، فنجح.
هناك دراسة لنيل درجة الماجستير في شعره في الطريق للمناقشة.
قال عنه الشاعر المصري عبدالوهاب محمد: (ده شاعر مدهش، هو ما بيجيش مصر).
تمدد احساسه الشعري ليغرد عبر اغلب الأصوات الغنائية العربية الجيدة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
المنتدى
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved