الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 8th March,2004 العدد : 49

الأثنين 17 ,محرم 1425

كتابة أخرى .. وجيل آخر
أدباء القرن الجديد.. كيف يفكرون في صياغة تجاربهم الإبداعية ؟
إعداد: عبدالله السمطي
المشاركون:
عبدالله الوشمي
حسن عامر
علي فايع الألمعي
كيف يفكر الجيل الأدبي الجديد بالمملكة في تجربته الإبداعية؟
ونحن نتحدث عن الجيل نعني الأسماء التي ظهرت في السنوات الأخيرة التي شهدت تحولات على كافة المستويات المحلية والعالمية أصابت بالضرورة عصب المبدعين ومخيلاتهم.
ثمة كتابة جديدة لدى جيل جديد تربى في واقع مغاير، حروب تلفزيونية وقصف مأساوي، وواقع محبط يهيمن فيه الإيقاع السريع جدا، وأيضا وسائل اتصال متقدمة وتلق معرفي عبر وسائط بلمسة زر على رأسها الإنترنت والقنوات الفضائية. هكذا ثمة تشكل جديد، وأفق مختلف للكتابة والإبداع لا يمكن تجاهله لا على مستوى اللغة ولا الأسلوب ولا الرؤية فحسب، بل على مستوى القفز إلى المستقبل وتطوير النوع الأدبي.
وقد ظهرت أسماء جديدة في الشعر والقصة والرواية أيضاً منها: طلال الطويرقي، وسلطان القحطاني، وزياد آل الشيخ، ومضواح الألمعي، ومحمد حسن علوان، ويحي سبعي، وعبدالله الوشمي، وحسن عامر، وعلي فايع، وحسن الصلهبي، وأسماء أخرى تشكل مساحات جديدة وحساسية مختلفة في الكتابة الشعرية والسردية، فما هي المضامين والجماليات التي يستشعرها هذا الجيل، وما هي نظرتهم للنوع الأدبي الذي يكتبونه، وكيف يحدث التمايز لديهم عبر التحولات الفنية المختلفة؟
هنا ثلاث إفادات للشاعر: عبدالله الوشمي، والقاص حسن عامر، والقاص علي فايع الألمعي.
الخريطة الجينية للشاعر
عبدالله الوشمي
عندما تسأل شاعراً عن نظرته إلى الجمال الشعري، فإن سؤالاً كهذا يدفعه من حيث لا يشعر إلى العودة إلى ذاته، وقراءة تشكلاتها وتحولاتها المتكررة، إنه سؤال أشبه بدعوة الإنسان إلى رؤية عينه.
ربما يكون أقرب الأوصاف وأدقها في وصف الحركة الشعرية لجيلي الذي أنتمي إليه، أنها حركة لا تراهن على شيء سوى الاكتناز الجمالي في النص، لم يولد جيلي إبان نكسة معينة، ولم يبدأ مشواره مع طفرة مالية أو طفرة نهضوية، لقد تأخر جيلي عن كل هذه الأحداث، ولكنه ولد متزامناً مع أحداث ربما تكون أعمق في تأثيرها وان لم تكن أكبر، فهو ابن للنظام العالمي، وحروب العراق مع جيرانه العرب وغيرهم، والإنترنت، والقنوات بجميع أطيافها، لقد تعددت وتنوعت الطروح الفكرية والمضمونية، وسقط كثير منها، فقام أفراد جيلي بطرح رؤاهم المضمونية مهما كانت ولكن من خلال إطار جمالي بحت، ولم يعد للقصيدة/ البيان أو الشعار حضوراً فاقعاً في أدبياتهم، ولم تعد القصيدة في رؤاهم تجسد خطبة فكرية أو سياسية، لقد كان الحاضر الأول في قاعة الشعر هو الشعر نفسه.
وفي إطار شخصي، تبدو الإجابة التي أتغياها زئبقية لا أكاد ألمحها، وأستذكر بدرجة كبيرة من التوافق كلمة الشاعر التشيلي بابلو نيرودا: الشعر هو خبز الشاعر، أي أنك لا تستطيع ان تناقش شاعراً في الأسباب التي دعته ان يسلك هذا المنهج الجمالي أو ذاك، لأن القصيدة في نظره أيضا شيء من التيار المائي المتدفق بقوة، تمسكه بإحكام، وقد ينفلت من يدك.
أشعر أنني في قصيدتي أقع بوعي وبدونه تحت سطوة ذاكرتي الشعرية، ومن ثم ينبت كثيراً في نصوصي ما كنت قد تشربته إبان قراءاتي وما زلت، ولعل من أبرز الجماليات التي أجتهد في التماهي معها: الرمز والتناص، ويقيني أننا أمام منجز ثقافي ضخم متميز نستطيع أن نستفيد من طاقاته الهائلة، فهو بتعبير القدامى كالمسك كلما هززته فاح طيباً وعبيراً، ولكني في الآن نفسه أوقظ باستمرار الناقد في داخلي ليمارس دوره الطبيعي، وحين يصبح العمل ناجزاً حينها فقط أستمتع بكل ما يمكن ان يقال عن نصي، وذلك لأني قد خضعت وأخضعت نصي منذ البداية لشرط لا أكاد أهمله، وهو أن أشعر في داخلي الشعري أن ما كتبته هو حرفي أنا!، وأن النص يمثلني بدرجة أساس ويمثل غيري بدرجة لاحقة، فكل نص يستطيع كتابته غيرك، يجب ان تدعه له، وان تبادر لكتابة نصك الخاص بك كما يقال صدقني، نحن في ثقافاتنا نحمل بصماتنا الثقافية باستمرار، وهي نقطة أفهمها من الوجه الذي يرى انه لابد حينها ان نعطي ما يشعر قراءنا بنا، لا ما يحيلهم إلى غيرنا، إحالة تبعية، إن الخريطة الجينية للشاعر تُكتب بدقة في مقروئه الأول، ومن ثم يسعى الناقد لاكتشافها، هذه الخريطة هي التي يجب ان تتجلى في كافة ما نكتبه.
وتبعا للعصر الذي نعيشه، فإن من الجماليات التي أشعر بانتشارها، هي القصيدة الومضة، لأن دور الشعر والشاعر في تغير مستمر، ويتراجع باستمرار عن دوره الخطابي ليعطيه للإعلامي، ومن ثم ظهرت القصيدة/ اللمحة، أو المقطع/ القصيدة، ففي كبسولة شعرية يسقط الشاعر همومه المتنوعة على نصه، وقد أنتجت عدة قصائد تنحو هذا المنحى، ومنها: أقلام التي لاقت قبولاً طيباً.
وفي قراءة ملابسات جيلي الجمالية، يظهر ان أخطر ما يقاسيه هو ان يقع ضحية جمهور يراهن على المعنى بشكل مطلق حد القطعية، وعندها تصبح جماليته كلها قابلة للنبذ كالنواة، وواجب على الشاعر حينها ان يتجاهل هؤلاء وان كانوا كثرا، وما أشبه هؤلاء بحضور المناقشات العلمية في فرنسا الذي يذكر د. عبدالرحمن بدوي عنهم أنهم يحضرون بحثاً عن الدفء الذي تمتاز به قاعات المناقشة، ومن هنا فجيلي معنيٌّ بالمراهنة على المتلقي الذي لا يأتي إلا للشعر وحده، إنه لا معنى أبداً في هذا العصر الفضائي للقارئ الذي يقع في حيز التلميذ، وإنما المنزلة كلها للمتلقي المشارك في صناعة النص، إن النص لا ينمو إلا في يد قارئه.
أدرك جيدا ان مفهوم الجمال دقيق وغامض، والفرق بينه والقبح يكون أحياناً كالفرق بين العبقرية والجنون من حيث دقة الفرق وعمق الهوة، وانه يعود في كثير من تجلياته إلى الثقافة الخاصة لكل مبدع، ومع ذلك فهناك شيء لا يمكن تجاهله، وهو ان الجمال يعرف حيث كان، وكما ان الصقر يقف صامتاً حد البكم، ولكنه إذا رأى صيده انطلق كالسهم، فكذلك شأن الشاعر مع الجمال.. لا يمكن ان تسترسل في شرح الجمال، ولكنك تعيشه بكامل المتعة.
إصرار على تثقيف النفس
حسن عامر
* أولاً بالنسبة للجيل الحالي الذي يمثل القصة القصيرة السعودية وقد أكون أحدهم على الرغم من قلة إنتاجي خصوصاً في الفترة الحالية أرى أن معظم التجارب وأنا أولها نسخ كربونية لمعظم ما كتبه الجيل الذي سبقنا وخصوصا التجارب التي لم تطبع أكثر من عمل واحد وأرى أن هذا شيء طبيعي فأي مبدع لابد أن يتأثر بمحيطه ولكن أرى هناك حالة خاصة في السعودية وهي «التثاقف الإقليمي» أي أن ضعف أو انعدام توزيع الإنتاج الأدبي المطبوع داخل
السعودية جعل كل مجموعة أو «شلة» تتقوقع حول نفسها وتتبادل التأثير والمحاكاة لذا نجد تشابهاً كبيراً في التقنية الكتابية والفنية لهذه «الشلل» إن صحت التسمية لذلك معظم التجارب توقفت في طباعة مجموعة قصصية واحدة أو اثنتين على الأكثر.
* الإشكالية الأخرى التي أرى أنها بدأت تغزو وسط القصة القصيرة السعودية «وهذا قلته سابقاً في أكثر من مكان» هي ان معظم من أراد الانضمام للنادي الثقافي وفشل في كتابة قصيدة أو ابتداع رؤية نقدية اتجه فوراً لكتابة القصة القصيرة مما جعلها مطية من لا مطية له لسيادة مفهوم خاطئ يتمثل في استسهال كتابة القصة وجعلها كرت الدخول لهذا النادي مما أضعف الإنتاج القصصي بشكل عام.
* النقطة الأخيرة التي أريد تأكيدها ان هناك تجارب شابة مبدعة جدا وتجاوزت كل ما قلته سابقاً لسببين هما الإصرار على تثقيف النفس بالقراءات المتجاوزة سواء عربياً أو عالمياً.
* توفر ظروف اجتماعية محيطة بهذا المبدع لكي ينطلق دون خوف أو حواجز.
خطوات السرد القادمة
علي فايع الألمعي
ليست هناك خطوات محددة، هناك تطلعات وآمال تلازمني بعد ان أصدرت مجموعتي القصصية الأولى «ظلّ الحقيقة» أعترف أنني استفدت كثيرا من كل الآراء التي قوبلت بها كما أنني ما زلت متطلعاً لكثير نقد وتمحيص، فالكتابة خلقت لتنمو لا لتذبل، وأعتقد ان النقد الصادق هو المحفّز الحقيقي على التطوير والتحديث، والابتكار، وهو أي النقد مرآة حقيقية لرغبة المتلقّي في عمل مختلف، وكذلك الكاتب،
لي تجربة أخرى لذيذة وهي كتابة النصوص القصيرة جداً، وإن كنت أميل إليها كثيراً رغم عدم الالتفات إليها من كثير من القرّاء الذين لم يعترفوا بها بعد، فأنا عازم على المضي فيها إلى أن تأتي اللحظات الحاسمة والحقيقية في كتابة نصوص مختلفة، وهي قناعة تحتاج بدون شكّ إلى كثير من الكدّ الذهني، وكثير من القراءات متعددة المشارب.
ظلّ الحقيقة
علي فايع الألمعي
غادر بذاكرته حدود جسده، لم يعد يشعر ببعدها عنه، مع انه كان يعلم انها ما تزال تحبّه.
منذ سنوات طويلة لم تعد تشكّل شيئاً يذكر في حياته فقد كانت تفرّ من ذاكرته كلّما لمحها أو سمع بها، بدت أمامه في كل الأوقات كامرأة فقدت جمالها، كخانة صفرية لا قيمة لها، كقرية منسية هجرها أهلها.
صدمته «هدى» ذات مرة وهي تقول له:
لماذا تبدو مهتماً بها؟!.
هل ما زلت تحبها؟.
هل كنت تتمنى أن تكون زوجة لك؟!
لم يعر كلامها اهتماماً، ولم يفكّر لحظتها في الرد عليها فقد كان يعلم غيرتها عليه، وحبّها له.
انشغل عنها وعن كلامها المستفز بملابسه التي أخذ يرتبها بعشوائية، لم يجد ما يبرر به كلامها.
ظلّ يحرق ذاته بذاته، يتأجج غضباً عليها، فقد كان لها محبّاً، وعليها مشفقاً، ولها مراعياً.
تارة يكسر الحزن في داخله، كي لا يبدو أمامها متذبذباً، وتارة أخرى يحبس الدمعة في عينيه، كي لا يظهر أمامها ضعيفاً، ينتقي لها العبارات الأنيقة، كي لا يكون عشوائياً في نظرها، ومع ذلك ظلّ عاجزاً عن إقناعها، وطرد تلك الظنون التي تعتري علاقتهما، لكن كيف يستطيع إقناعها بأنه يحبها وحدها دون سواها؟!.
آآآه، كم هي له مرغمة على العودة بذاكرته إلى أشياء قد أودعها ضمن مجموعة من صفحات حياته المنسية، ومع ذلك تصرّ على اجترارها.
سأل نفسه:
لماذا تحرص على تقليب ذكريات لم تعد موجودة إلا في خيالها المريض؟!. لقد حكمت عليها بالسّجن المؤبّد.
ليتها تعلم انها أضحت تشكّل جزءاً غير يسير من حياتي.
زاحمته تلك الموجات العابرة بخياله، قفزت إليه بعد ان خاضت بغيرتها داخل ذاته، فجأة، توقفت الكلمات على لسانه، وكأنّ من داس على كوابح ذاكرته فجمّدها إلى الأبد.
قامته تتأرجح، وقلبه يخفق، كانت عيناه تتفطران حزناً عليها، وشفقة بحالها.
وما هي إلا لحظات حتى ارتسمت صورتها أمامه، انطلق لسانه دون وعي، مخاطباً إيّاها، أمل، أمل، أمل.
كان ينظر إلى صورتها وهي تتراجع أمامه، يحدّق في عينيها وهي تغضي بهما، يتبسّم في وجهها، وهي تكشّر عن أنيابها، أراد أن يتخيّلها تضحك، لكنه لم يسمع غير صوتها المخنوق، رآها تغوص في جسده كنصل غائر، زحف الرّعب في قلبه كحشرة تلتهم أعصابه، غطّى عينيه سواد قاتم، لم يكن يحسب حساب العودة إليها، خصوصاً وانه كان يعتقد انه قد تخلّص من آثارها وذكرياتها.
هبّ مفزوعاً من فجوة مقعده، وبعد ان أفاق كانت زوجته هدى نائمة إلى جواره، نظر إليها نظرة عتاب فهي التي أيقظت صورتها في منامه.
مقاطع من «أقلام»
عبدالله الوشمي
غضب
حينما يخلدون إلى نومهم
يجوس صحائفهم غاضباً
قلم أبيضٌ
أزعجته القصائد كاذبة
يخطون فجراً على ضفتيه
ويمسح أحلامهم تائباً
كفاح
يحكّ أصابعه كل حينٍ
وينثرها للرياح
يخاتل بعض الحروف ويدنو
فرائسه تحتمي بالصباح
كلما بدأت بالموسيقا القصائدُ
شدّ أصابعه للكفاح
الحروف
الحروف بقايا دموع القصائد
والحروف إذا أثقلتها السنونُ
تكون لنا كالوسائد
كلُّ هذا الركام قدورٌ
وهذي الحروف المواقد
فضيحة
قلم سوف يعلن بعد الوفاة الفضيحة
ويفتح إيوانه للعزاء
سوف ينشر أنّ المثقف ان
الخطيب وان أميرهم الشاعر المتحذلق
كانوا ينادون بالنصر فجراً
وعند المساء
يقولون: لا
يقولون: لا
ألحان سوط
حسن عامر
اليد التي رفعها إلى أعلى أصبحت أوهن من أن تهضم جسدي المرقع ببقايا جلد فتذبذبها بدرجات وزوايا متضادة لا يدل على مهارة حاملها بل ان الشمس التي استقرت في الأجساد المتراصة في ردهات المكان كشفت عما حاول دفنه منذ عشر سنين خلت فبينما سرت بين الصفوف ذبذبات السخرية والتضاحك المزموم بين جسدين أو خلف ستار من الشماغ ربما بسبب انكسارات خصره بعد كل رحلة بسوطه الجديد يرى انها ناجحة إلى ظهري العاري والمفضوح للجموع عندما أخذ يلهث وينقض على قوارير الماء التي انسابت خطاً واحداً إلى فمه لتخرج لسانه بسيل عن الماضي الذي لم يفك شفرته إلا أنا..
فبعد ان تفجرت ينابيع العرق تحت ملابسه العسكرية حاول الإمساك بخيوط النسيم الذي اخترق رائحة الأجواء المنتنة بحركة نزعت أرتال الأزرار المطوقة لصدره، عندها التصقت عيني بذلك الخط الذي يتدلى من رقبته ثم يختفي في ثنايا ما بقي من قميصه كبقايا نهر جاف حاولت السنين دفنه، ثنت الجلدة التي أوحى له رجل ملتح يقف بجواره كل يوم أحد، يؤتى بي إلى هذا المكان لقضم ما تبقى من الحكم بانها الأخيرة من النصيب المقرر لهذا اليوم، حينها بدأ جسده في الانتفاض وكأنه أصيب بمس من الجن مع استماتة منه في ردم علامات الاستفهام التي غزت المحيطين به من شديدي الفضول الذين لم تختف عليّ سحناتهم فهم حاضرون دائماً في وليمة جسد كهذه يقذف رأسه في ثنايا كتفيه، وأسقط ما تبقى من سوط في يده في حلبة الأرجل، ثم بدأ يساقط جسده الممتد للأعلى في اتجاه عكسي ضمن به الوصول إلى رأسي المغروس في التراب فانتشله بيديه حتى استقرت أعيننا في مسافة واحدة مكنتني من رؤية الخط الذي يشق رقبته باستقامة واضحة ولكن هذا الوضع لم يكن كافياً في نظره لإبلاغي الرسالة عن قرب فأشار لي بسبابته إلى الخط وهمس بتهكم في وجهي: هل تذكر من فعل بي هذا؟؟
أحسست وقتها بنشوة انتصار ميت ثم راوغت في الإجابة على طريقة المسلسلات العربية.
فِعْل يديك..
لم يكن لدي وقت لزيادة كلمة ثالثة لأنه هوى على خدي الأيمن بصفعة كادت تقتلع رأسي ولكنها رغم ذلك فتحت لي صندوقاً أسود لم أحاول قراءة إشاراته الكثيرة التي رسمها لي خروج جلادي هذا في اليوم الثاني لتوقيفنا في زنزانتين متجاورتين فبعد ان حاولت قتله بسكين صغيرة كثيرا ما ضحك من حملي لها لعدم فائدتها كما يقول، لا يمكن وضعنا في مكان واحد حتى وإن تسلل إلى نفسي حينها شيء من الندم وعدم التصديق لما حاولت فعله فليست المرة الأولى التي نختلف فيها على تقسيم غنائم سرقة أحد المراكز التجارية ولكنها بالتأكيد تطور نوعي في عملياتنا لتمكننا من الخروج من أكبر محلات الذهب في المدينة التي لم يصلها إلا منذ أيام بما يجعل أحلامنا رهن التمني، فلمعان الذهب جعله يقذفني بالفتات بحجة ان دوري اقتصر على المراقبة مما أقنعني بان البقاء للأسرع حكما على الآخر بالإعدام ولو لم تكن بنيته الجسدية أعلى منّي بكثير مما مكنه من قذفي عدة أمتار بمجرد إحساسه بالألم لجرت الأمور كما خططت، ولكنه اندفع إلى الشارع وهو يهذي كالجمل الهائج عندها لم يبق ما يمكن دفنه فقد بقيت طوال هذه السنين أنظر إلى العنكبوت التي استولت على كامل الزنزانة المجاورة، فلم يبق أي جزء من الجدران الأربعة في زنزانتي يمكن أن يحمل نقوشاً للذكرى بعد خروج رفيق دربي وضحكاته يتردد صداها في الأرجاء فهو لم يسكن إلا ليلة واحدة وهو يضع يده على كتف شخص تحسبه كرش متحرك اهتز المكان عند وصوله قبل ساعات.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
المنتدى
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved