الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 8th March,2004 العدد : 49

الأثنين 17 ,محرم 1425

أبومدين والعمل الثقافي وقراءة النص
د. عبدالعزيز السبيل

حين تحتفي (الجزيرة الثقافية) بالأديب ورجل الثقافة عبدالفتاح أبو مدين، فإنها تود التأكيد على الريادة التي لم تقف عند زمن، بل امتد عطاؤها عبر عقود طويلة، من عمر مديد إن شاء الله. حين تتعدد الاهتمامات والممارسات، وتتحول الشخصية الواحدة إلى شخصيات في نوع عطائها وإنتاجها وخدمتها للثقافة، فإن الحديث يبدو أكثر صعوبة، لأن ثمة أبواباً كثيرة لهذا الكيان البشري، الذي كافح ونافح وتحمل الكثير من العناء وأدرك منذ زمن بعيد أن (الثقافة مغرم لا مغنم).
إن من يقرأ (الفتى مفتاح) يتعرف على سيرة الكفاح الأولي، والإصرار على التميز، والمثابرة على النجاح. وحري بالمؤسسات التعليمية أن تلتفت إلى كتاب مثل هذا، ليتعلم منه الناشئة كيف يبني المرء نفسه، ويتعرفون على الأسلوب الأدبي، الذي يأسر القارئ بسرديته العفوية. وحين المضي مع سيرة (الرجل عبدالفتاح)، فإنها ستبرز في كتابه (وتلك الأيام) حيث سجل تجربته الصحفية، وتأسيسه لجريدتي الرائد والأضواء، في زمن لم يكن عبدالفتاح يملك وقتها سوى العزيمة والإصرار، وبهما، مع عون الله، حقق الكثير من النجاح. وتأخذ جريدة عكاظ جزءاً من تجربته الإدارية، ثم التحريرية حين أشرف لزمن على العدد الأسبوعي. وينقل تجربته بعد ذلك إلى مؤسسة البلاد. ويحقق لها تفوقاً.
ومن الصحافة دخل إلى بوابة النقد في مرحلة مبكرة، وهو تحد للذات التي لم تسمح لها الظروف أن تمضي وقتاً طويلاً في التعليم النظامي. وجاء تسجيل هذا الإنجاز النقدي في عدد من الكتب، هي (أمواج وأثباج)، و(في معترك الحياة)، و(الصخر والأظافر)، و(حمزة شحاته ظلمه عصره). وقدم الباحث عثمان جمعان الغامدي أطروحة علمية في جامعة الملك سعود، بعنوان (الممارسة النقدية عند عبدالفتاح أبو مدين)، درس فيها المنجز النقدي لأبو مدين. وهو منجز يزداد ثراء مع الأيام.
وبعد سنوات من الرحلة الصحفية القيادية، يتولى رئاسة نادي جدة الأدبي، الذي كان أحد مؤسسيه، فيصنع فعلاً ثقافياً مختلفاً ومتميزاً. وعمله في النادي لا يسير على وتيرة واحدة، فهو رجل متجدد متوثب، يسعى للأسمى والأفضل، وتهون أمام علو همته الصعاب.
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
أبو مدين رجل (لا يريح ولا يستريح). وحين يتم الاتفاق على إنجاز ما، فإنه لا يقبل أعذاراً من الآخرين. يتيح لمن حوله إتمام العمل بمتابعة دقيقة، وحين يشعر بالتقصير، فإنه يتولى زمام الأمر، لضمان نجاح ما أقدم عليه. حين يثق فيمن حوله، وهي ثقة لا تأتي إلا بعد خبرة في التعامل، وحدس مستقبلي، فإنه يعطيهم كامل الصلاحية في التخطيط والإنجاز، لكنه يظل يتابع بدقة ووعي كل إنجاز يشرف عليه.
المتأمل لمسيرة نادي جدة الأدبي، وهي مسيرة يقودها أبومدين لأكثر من عقدين، ويقف معه رجال النادي من أعضاء مجلس الإدارة والعاملين، الذين يعمل بعضهم بهمة ونشاط، وآخرون يؤازرون بالقول، وغيرهم يبارك العمل بصمت. والأهم من كل ذلك غياب المثبطين والمعيقين للعمل الناجح. وتلك نعمة إلهية وهبها الباري نادي جدة الأدبي، مما جعله يمارس أنشطة، تختلف نمطية تركيزها من مرحلة إلى أخرى. وبإيجاز شديد، اقتضت الثمانينات التركيز المكثف على النشاط المنبري، حين كان المجتمع يعيش مرحلة تحول ثقافي واجتماعي كبير. في حين ركزت التسعينات على الدوريات، التي وصل عددها إلى أربع دوريات (علامات في النقد، جذور للتراث، نوافذ للترجمة، الراوي للإبداع القصصي). كل من هذه المطبوعات ذات شخصية مستقلة في اهتمامها وتركيزها، تصدر منتظمة عبر سنواتها الطويلة. ولذا، فإن الكثيرين يتابعونها في سائر الوطن العربي وخارجه. وغدت هذه الدوريات صوت الوطن الثقافي المتميز خارج الحدود.
أما المرحلة الثالثة، التي جاءت مع الألفية الجديدة، فاتجهت نحو المؤتمرات. وليسمح لي أبو مدين بقراءة سريعة لمرحلة البدء. في مؤتمر الأدباء السعوديين الثاني (جامعة أم القرى 14191998)، وقف أبومدين أمام راعي المؤتمر الأمير فيصل بن فهد رحمه الله ، وهو يلقي كلمة المكرمين في المؤتمر، وقال (ألتمس من سموكم الكريم، الموافقة على أن ينهض نادي جدة الأدبي الثقافي، بعقد المؤتمر الثالث للأدباء السعوديين). وجاءت الموافقة الآنية من سموه. وكان ذلك حدثاً أثار جموع الحضور، وتحدث كثيرون عن الأمر بين دهشة واستغراب، وبين مباركة لخطوة جديدة.
ومن أجل تأكيد الأمر خطيا، بعث نادي جدة بخطاب إلى الرئيس العام لرعاية الشباب، مبدياً رغبته أن يعقد المؤتمر خلال العام 2000، تزامناً مع إعلان الرياض عاصمة للثقافة العربية. وهنا تدخل على ما يبدو بعض المجتهدين، فجاء الرد بأن يعقد مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث في الرياض تزامناً مع المناسبة، في حين يتولى نادي جدة تنظيم المؤتمر الرابع. ورحل الأمير فيصل بن فهد إلى الدار الآخرة، ورحلت معه فكرة المؤتمر. ومر العام 2000، دون نشاط ثقافي ملحوظ، ولم يتحدث أحد عن مؤتمر الأدباء السعوديين. وهنا يأتي التساؤل (إذا كانت الفترة بين المؤتمر الأول والثاني ربع قرن، فهل نحتاج إلى ربع قرن آخر ليعقد المؤتمر الثالث)؟
ولأن أبومدين حين يعتزم أمراً، فإنه يبحث ومعاونوه عن سبل التنفيذ، جاءت فكرة بديلة تهدف إلى ربط الباحثين والأكاديميين في ملتقى علمي. وانطلقت فكرة (ملتقى قراءة النص)، وتحولت الفكرة إلى واقع، وأقيم الملتقى الأول في رجب 1421. وكان الاتجاه إلى عقد الملتقى كل عامين، لكن نجاح الملتقى الأول وإرادة الرجال الكبيرة، حولته إلى ملتقى سنوي، فعقد الثاني في محرم 1423هـ، وركز على مسيرة النقد العربي. ثم عقد الملتقى الثالث في محرم الماضي 1424هـ، وكان موضوعه الترجمة. ومساء هذا اليوم الاثنين السابع عشر من محرم 1425هـ، الثامن من شهر مارس 2004، تبدأ فعاليات الملتقى الرابع لقراءة النص، الذي تم تخصيصه لمسيرة الشعر في المملكة.
ثلاثون باحثاً تقريباً من الأكاديميين من أبناء الوطن وأشقائهم العرب، يثرون هذه الملتقيات بأبحاث علمية وقراءات نقدية، حتى غدا ملتقى (قراءة النص) حدثاً تتجه إليه الأنظار الجادة، في ظل الركود، الذي تعيشه الثقافة في المملكة، التي تمر بتحولات إدارية إشرافية لم ترس سفينتها على بر محدد.
تحية تقدير لأبو مدين، وإلى أعضاء مجلس إدارة نادي جدة الأدبي الثقافي، والعاملين من اجل ثقافة متميزة، في يوم افتتاح ملتقى (قراءة النص) الرابع.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
المنتدى
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved