الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 8th December,2003 العدد : 38

الأثنين 14 ,شوال 1424

الإنسان الجاد
د.أبو بكر أحمد با قادر

طلب مني العزيز أ. محمد القشعمي المشاركة في ملف يعد عن المفكر والأديب والناقد أ. محمد العلي، ورغم أنني لست مؤهلاً للكتابة عن العلي أولاً لعدم معرفتي التفصيلية بالزميل العزيز ولأنني أيضاً لست من المتابعين الجيدين لما ينشر ويكتب في الساحة الأدبية/ الفكرية، إلا أنني رغبة في الاحتفاء بالأستاذ العلي واستجابة لدعوة الأستاذ القشعمي القائمة على حسن ظن أعتز به، سرني أن ألبي الدعوة، وإنني على يقين سلفاً ان ما أكتبه عن العلي إنما هو مجرد انطباعات سريعة تشكلت من حضوري لمحاضرة أو أكثر استمعت فيها للعلي وهو يعرض أفكاره ويناقش ويجادل من استفسروا عن بعض ما أشكل عليهم فيما قدم!
وكذلك مقابلتي له أكثر من مرة في جدة، أثناء زيارته النادي الأدبي الثقافي فيها.
وما وقر في ذهني من هذه اللحظات العابرة عن العلي هو أنه من المثقفين الجادين في تقديمهم لأنفسهم على المستويين الفكري والاجتماعي، فالعلي يقدم نفسه بوصفه مثقفاً اطلع على التراث والفكر العربي الإسلامي التقليدي بشكل جيد، فهو يكثر الاستشهادات والاحالات إليه، لكنه في الوقت نفسه متابع مدقق للفكر الحديث في اطار العربي الحديث وفي الكتابات الغربية «لست أدري إن كان يلم بلغة أوروبية أم لا»، وما ظهر لي مما سمعته منه في محاضرته أنه يسعى إلى المزج والانتقال بين الثقافات ولا يرى بأساً من تداخل وتجاور الأفكار من كافة العصور، لكن ما أتذكره اهتمامه بالأدب وعنايته بالشعر، لكن الخطاب الديني ونقد بعض جوانبه من اهتماماته على الأقل فيما سمعته منه يوم ذاك.
أما على المستوى الاجتماعي والشخصي، فلقد ظهر لي أن الأستاذ العلي يقدم نفسه في صورة انسان جاد، ربما كان لدرجة التكلف، صارم في أسلوب تقديم ذاته للآخرين.
ولقد اتضح لي من حديثي معه أنه تلقى تعليماً تقليدياً في مرحلة من حياته، ربما كان السبب الذي يفسر الصرامة والجدية التي لا تبارحه، ولكن علي أن أوضح أن الاستاذ العلي يغلب عليه الأدب والدماثة وأحياناً ألمس رقة خلف غلالة من الجدية وصرامة تعابير الوجه وأ. العلي ذو شخصية مؤكدة على النقد والجدل وربما الرغبة الجامحة في التغيير وبالذات تغيير المجتمع فكرياً واجتماعياً.. ويظهر من كثرة حضور الشباب وبالذات ذوي الميول الحديثة ان له تأثيراً واسعاً واحتراماً وقبولاً من الأوساط الشبابية، لعل مازاد من حيوية هذا الحضور المتألق ميله إلى أن يكون ناقداً اجتماعياً بشكل ناشط، فهمه ليس ترفياً وإنما هو هم ما يُعرف بالمثقف العضوي، بمعنى هم مثقف يتطلع إلى التغيير واستبدال الواقع الثقافي القائم بواقع آخر أكثر تماشياً مع ظروف ومتطلبات العصر الحديث، وهو في تقديم أفكاره، صارم ومندفع، حتى إنني اقتنعت أنه من المفكرين المؤمنين والمنافحين عن أفكارهم.
فهو عندما يدافع عن أفكاره، يدافع عنها بشكل يؤكد على إيمانه الراسخ بامتلاك الحقيقة أو على الأقل امتلاك رؤية يؤمن بصدقها وفاعليتها، لكنه مع ذلك يسعى إلى أن يكون منصفاً ومستمعاً لأفكار وآراء غيره، لكن تعبير وجهه أو كما يقال لغة جسده تؤكد على تمسكه بأفكاره وتصوراته، إنه من ذلك النوع النادر من المثقفين، الذين يؤمنون برسالة المثقف، في عصر نسبية الأفكار والاطروحات، هذا النوع يتعب نفسه، وربما أتعب غيره.
إن الحديث عن أ. العلي هو ضرب من الحديث عن المشهد الثقافي والفكري في الساحة العربية، يمثل أمثال العلي فيها من يرون أن بالأفكار والمبادئ يمكن تشكيل مستقبل الوطن والأمة، وليس عن طريق الظروف والسياقات السياسية والاقتصادية في معترك العلاقات الدولية، أعتقد نحن في أمس الحاجة لمن يؤمنون بالأفكار لكن على دراية ببرجماتية الظروف.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved