الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 8th December,2003 العدد : 38

الأثنين 14 ,شوال 1424

محمد العلي وآفاق المستقبل
زياد عبدالكريم السالم

حينما يبكي أهل البيت نخيلهم الهارب نحو منازل القمر، حينها يكون محمد العلي على حافة الرحيل وعلى مقربة من الموانئ المشبوبة بطيور الوحشة، يتفرس صور الموتى، يتلفت أبداً بحذر الهدهد، باحثاً عن أحد ما عله يقايض حبر الجنة بعباءة المطر، لكنه مستوفز بسؤاله التاريخي:
أطويل طريقنا أم يطول؟ مكلوم بالآهات آه... «آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق».
بغداد مدينة البدايات، وعلى الرغم من أنها مدينة ذات أسوار شأنها شأن بقية المدن الأخرى إلا أنها مدينة الميلاد وتفتح الأسئلة على حضارة الرافدين وحكايا علي بابا الباحث عن قواريره المختومة بالماء، بله الانفتاح على آفاق المستقبل والإفادة من المدارس الفكرية والفنية في تلك الفترة المبكرة التي كان فيها أترابه ومجايلوه يتباهون تارة بحفظ أنساب «الخيول والإبل» وتارة أخرى بإقامة طقوس خاصة «لإخصاء الكلاب والتيوس»، في تلك الفترة كان السندباد الاحسائي يواصل ركضه المحموم في شارع الرشيد موصياً نفسه باجتراح الأسئلة الجذرية والجسارة في ارتقاء سلم التابوهات.. لم يكن محمد العلي ليعبث بيد أنه مسكون بهاجس الحلم والكتابة المغايرة، يقول مالا رومية «الكتابة فعل قديم سري وغامض والكاتب رجل متعود الأحلام كان مسافراً فعاد ليحكي» طبقاً لذلك ونتيجة الحساسية العالية التي تتميز بها الذات الاستثنائية «خفة الكائن» لتقبّل الخبرات الجديدة، فقد عاد محمد العلي إماماً على رأسه عمامات الفن والأدب.
***
لا نستطيع مقاربة تجربة المفكر الكوني والشاعر المتفرد محمد العلي بمعزل عن الرؤية الكلية إلى المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن عقب استشراء ظاهرة التطرف بوصفه «رغبة مقنعة بالموت» ذلك أن محمد العلي هو أول من أطلق شرارة الحداثة في المشهد الثقافي المحلي مرتكزاً على أسس العقل العلمي التجريبي وقد قام منذ البداية بإحالة الأسانيد والذاكرة اللاعقلانية غير المكتوبة إلى منهج البحث حتى يتأتى لنا تفحص القيم المنتمية إلى أصول طوطمية، وتحليل الفكر الميثولوجي الموظف لحساب الأيديولوجيا، إلا أنه علاوة على ذلك يتمتع بوعي تاريخي يحافظ على الثوابت التي تشكل ذاكرة الجماعة «الدين، الأرض، الهوية» ما لم تكن ذات بعد دوغمائي ينهض على إقصاء مشروع الآخر المتضمن بالضرورة فكرة التعددية، يحتكم محمد العلي إلى المرجعية الوطنية القائمة على دين الاعتدال والوسطية دون أن يغفل تحولات المستقبل وتعزيز قيم وشروط المجتمع المدني التي أولاها أهمية قصوى.
***
ونحن إذ نفتح اليوم ملف مثقف يؤمن بوحدة المصير الإنساني والتعايش المشترك، ساهم منذ عقود بكتاباته الرائدة المعالجة بتحليل بارع لمختلف قضايا العصر، إنما نسعى لغلق ملفات كثيرة، كيما نواصل قيادة وشعباً اللحاق بركب الأمم المتحضرة.
***
محمد العلي كمبدع غير قابل للتمرحل، اخترق ناموس الأجيال وليس بمقدورنا وضعه في سياق مرحلة ما، إنه ينتمي إلى الأفق تحديداً، نصوصه على قدر عالٍ من التكثيف والاختزال في مستويات متعددة تحتفظ بدهشتها في كل قراءة نكتشف جماليات وأبعاداً فلسفية، نصوصه أشبه بالغاية العصية على الاحاطة بالبصر.. ألا تتفقون معي أن سارق النار «مؤسسة في فرد»؟
***
حينما يبكي أهل البيت نخيلهم الهارب نحو منازل القمر، حينها يكون محمد العلي على حافة الرحل، وعلى مقربة من الموانئ المشبوبة بطيور الوحشة، يتلفت أبداً بحذر الهدهد متماهياً مع زرادشت التائه: «ولن أعود إليكم إلا عندما تكونون جحدتموني جميعكم، والحق يا إخوتي انني في ذلك الحين سأفتش عن خرافي الضالة بعين أخرى، فأبذل لكم حباً غير هذا الحب».
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved