الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 8th December,2003 العدد : 38

الأثنين 14 ,شوال 1424

واقع الفن التشكيلي المحلي (10)
المشاركة في مناسبات غير ثقافية ابتذال لإبداع الفنان التشكيلي
المعارض خارج الإطار الرسمي لم تقدم جديدا
محمد المنيف

قبل الانتقال إلى ملمح آخر من واقع الفن التشكيلي المحلي يجب أن نشير الى أن ما نقوم به لا يقلل مما تحقق لهذا الفن من وجود وعلينا أن نعترف وان نؤكد أن الحركة التشكيلية أو ما يمكن أن نسميها المسيرة التشكيلية قد حظيت بالكثير من الاهتمام وعلى أعلى مستوى، وفي قمة هذا الاهتمام تشريف كبار المسئولين للمعارض التشكيلية وما لهذا التشريف من أثر كبير في نفوس الفنانين واعتباره حافزا قويا لعطائهم إلا أن ما يمكن قوله هو (إن مالا يدرك كله لا يترك جله) فالجل أو القليل مما نبحث عنه لهذا الفن قد تحقق والأيام القادمة ستكون أيضا موعدا للكثير من الجديد في كل ما يتعلق بالفنانين والمعارض وغيرها من الثوابت التي يقف عليها هذا الفن ويحتاج لتقويتها وتقويمها.
وإذا كنا قد تحدثنا في الحلقات الأخيرة عن تلك المعارض والمسابقات التشكيلية وبما ألمحنا به حول ما يتم من خلالها من خدمة الفن التشكيلي، كان غالبيتها تشجيعا لمن لديهم الرغبة في هذا المجال بما فيهم الفنانون رواد البدايات والفنانون المتميزون خبرة وثقافة برزت من خلال أعمالهم المعاصرة مع من لديهم المواهب وأصحاب الهوايات حتى وصلت أعداد الفنانين إلى أرقام اكبر من حجم، وعمر الساحة التشكيلية المحلية قياسا بمن سبقونا مع أن المعارض لم تتعد عرض اللوحات الزيتية وبشكل كبير ومكرر تتغير فيه الاحجام والتقنيات مع أن بالامكان تنويع تلك المعارض وتخصيص كل معرض لتقنية ما أو تجارب جديدة مع الاحتفاظ بالمعرض العام كأن يقام معرض للنحت وآخر للتصوير الزيتي إضافة لمعارض الرسم المائي وأقلام الرصاص إلى آخر المنظومة ، لهذا علينا أن نعرج قليلا على بعض الأمور إن لم تكن أهمها وهي السبل والطرق التي تسببت في تراجع آلية بناء الساحة التشكيلية، وهي الكيفية التي يتم من خلالها إعداد بعض من المعارض الرسمية منها أو ما يقوم به بعض الفنانين من اجتهاد للمساهمة بدعم مسيرة هذا الفن وقوفا مع الجهات المعنية بعد اخذ الإذن منها بناء على الشروط التي أقرت في حال إقامة أي معارض ومن أهمها إجازة الأعمال ومعرفة إمكانية عرضها وخلوها مما يخالف القيم والتقاليد مع ندرة حدوث مثل هذه الأمور عودا إلى أن الفنان ابن هذا البلد وجزء من تكوينها العام قيم وتقاليد إسلامية ولهذا فالفنان أكثر حرصا على التمسك بها واعتبارها متكأ لخصوصية إبداعه التي ميزته من بين الإبداعات العالمية وكنا نتمنى أيضا أن يكون هناك تقييم وتقويم للمستوى التقني الذي لا يقل أهمية عن تلك المواصفات ففي تدني مستوى الأداء ما ينعكس على المتلقي و يلوث وجدانه بما لا يتوافق مع الأهداف المنتظرة من إقامة تلك المعارض وهو الارتقاء بذائقته وإضافة رافد ثقافي بصري لمكتسباته.
التوسع في إقامة المعارض
من تلك السلبيات التي كان لها تأثير كبير على مفهوم الإبداع التشكيلي وقيمة العمل الفني هي التوسع في إقامة المعارض في كل محفل أو مناسبة واعتبار هذا الفن مجرد إكمال لفعاليات معينة لتسجيل حضوره أو استجابة لدعوة لم يتمكن الفنانون من الاعتذار عنها من باب المجاملة دون وعي با لنتائج التي ستؤول إليها مع أن الكثير من تلك المشاركات لم تعط لهذا الفن المكان و المكانة أو حقه في ما يتعلق بالأولوية عند التغطيات الإعلامية من طباعة إصدارات تليق به أو ان يحظى بما تحظى به بقية الفعاليات من لقاءات صحفية وتلفزيونية وهذا عائد الى أن من قام بتنظيم تلك المشاركة أو القيام بإعداد المعرض لم يكونوا من الفنانين ذوي الخبرات والتجارب السابقة في هذا المضمار وإنما من الفنانين الباحثين عن أغراض الدعاية والإعلام الشخصي أو الكسب التجاري على حساب البقية الباقية التي شاركت معها وحجب عنها النور.
وإذا كان لا بد من وجود هذا الفن خارج موقعه الحقيقي وهي صالات العرض المتخصصة والمفقودة حاليا فليكن في مناسبات ذات علاقة بالإبداعات الثقافية منها معارض الكتاب أو الندوات والمحاضرات أو معارض التراث بمختلف منابعه كتعبير عما وصلت إليه الحركة الثقافية لكون ما يتم عرضه فيها نماذج من ثقافة الوطن لا أن تقام المعارض التشكيلية في الأسواق التجارية أو مناسبات الأفراح والمهرجانات العامة غير المتخصصة التي تقام للترفيه وجذب الجمهور لأغراض تسويقية مع أن هناك من الفنانين من يرى في مثل هذه العروض ما يقربه للجمهور منطلقا من مبدأ العرض والطلب وهذه المعارض لها خصوصيتها ولها نمطها الذي يتعامل به أولئك الفنانون كما هي معارض ومراسم الهواء الطلق في جميع دول العالم في الشوارع وقرب المواقع السياحية يستجدي فيه الرسامون ما تجود به أيدي السائحين بينما نجد الأعمال الحقيقية والراقية لفنانين وجدوا التقدير الرسمي أو من القطاع الخاص المتخصص والمقدر للفنون التشكيلية الحقيقية التي تحمل عنوان ثقافة الوطن تعرض في قاعات وصالات ومتاحف أسست شكلا يتوازى مع المضمون لها برامجها ولها روادها محتفظة بحق الفن والفنانين ومرتقية بمستوى الاداء فكرا وتقنية ومحافظة على دورها الحضاري المناط بها.
معارض خارج السرب
أشرنا إلى أن هناك بعض الفنانين المجتهدين في دعم المسيرة التشكيلية ويمكن لنا أن نلتمس لهم العذر نتيجة تدني ما يقدمونه من معارض لا تختلف عن سابقاتها من المعارض التي تجمع الرديء بالجيد ورغبتنا أن يكون هناك معارض أكثر جدية وتجديداً في الكيفية والمستوى لنرتقي بالمعارض الى المستوى المأمول ولهذا يأتي التماسنا للعذر لهم لقصور فهمهم تجاه ما يجب القيام بع مع انهم من المتضررين من بعض أساليب العرض السابقة ومع ذلك لم يقدموا ما يضيف تطورا أو نقلة لها وأصبحوا يغردون خارج السرب ويكررون ما تعودوا عليه مع أن بدايتهم كانت تحمل آمالا للكثير ووجدت استجابة من غالبية الفنانين ومن أسماء لها صداها على الساحة مع تحفظ المتابعين من مراقبي الساحة التشكيلية ونقادها على مثل هذه التجربة وتوقعهم لفشلها مسبقا التي أكدها تراجع تلك المعارض بعد معرض أو معرضين فالأسلوب المتبع عند هؤلاء والمؤشر الأول على فشلها كان يعتمد على إثبات الذات أكثر منه بحثا عما يحقق للساحة أي تقدم أو تطوير ووجد منظمو تلك المعارض أعداداً كبيرة من هواة الفن التشكيلي الراغبين في الدخول إلى هذا العالم المحاط بالهالات الإعلامية لعدم وجود أي ضوابط أو شروط للاشتراك غير إرسال الأعمال على العنوان وان يتحمل المشترك تبعات الشحن ذهابا وإيابا على أمل أن يباع له عمل في المعرض فقدم في تلك المعارض مستويات وأعمالاً زادت في تراجع ثقة المتلقي وأوجدت لديه توقعا انها تمثل مستوى قمة الفن التشكيلي المحلي فكان ذلك التراجع سببا في خروج الكثير من المشاركين فيها بقناعة تامة لعدم جدواها ولكم أن تعودوا الى آخر تلك المعارض للتعرف على الأسماء ومستوى الأعمال.
معارض خيرية لتسويق الأعمال
أصبحت تلك المعارض التي يقيمها بعض الفنانين التشكيليين أو ما تتم مشاركتهم فيها خارج التنظيم الرسمي أحد نماذج المعارض التي أحدثت مسارا مخالفاً للهدف مع أنهم نوعية معينة في مستوى الأعمال ونمطها لكون غالبية الأعمال من المواضيع التسجيلية الواقعية الملبية لرغبات المقتني العادي إلا أنها مع الأسف محسوبة في سياق المعارض التشكيلية وتجد لدى الصحف مراسلين لصفحات فنية غير متخصصة اعتمادا على ما يصرح به معدو تلك المعارض من يضعها ضمن نتاج الحركة والمسيرة التشكيلية التي تتولاها جهات رسمية التي تمثل حقيقة الفن المحلي لتتحول تلك المعارض إلى واجهة ورمز من الرموز لهذا الفن أمام المتابعين في الداخل والخارج نتج عنها نقل الكثير من النقاد والكتاب التشكيليين العرب وتوثيقهم هذه المعارض والأسماء المشاركة فيها في العديد من كتبهم وبحوثهم مع أن تلك المعارض لم تكن تمثل إلا أدنى مستوى فوضعت مسيرة وتاريخ وتجربة الفن السعودي بناء على ما فيها من تدن في المستوى شكلا ومضمونا في آخر قائمة مسيرة الفن العربي وهذه مغالطة كبيرة بأن تنسب تلك المعارض للمسيرة التشكيلية الكبيرة المبنية على أسس وخطط وبرامج يتعدى تاريخها الثلاثين عاما أفرزت الكثير من المبدعين ما زالوا محتفظين بفنهم الحقيقي المرتبط بالحركة الثقافية في الوطن وما يمثله هذا الفن من إبداع يجمع البصر والبصيرة.
كما لا ننسى حقيقة جانب آخر من المعارض التشكيلية التي تقام ضمن الفعاليات الخيرية التي وجد فيها البعض فرصة للكسب المادي وكأني بأولئك (البعض) يمدون أيديهم من خلف اللوحة للمحسنين متذرعين بهدف المشاركة ونحن هنا لا نرفض مبدأ المشاركة وإنما نعترض على الأسلوب أو الطريقة المتبعة فالفنانون جزء من تركيبة المجتمع وجزء من الفئة القادرة على المساهمة الخيرية لا أن يكونوا شركاء في النسبة الكبرى من ريع المعرض باسم من اقيم لهم السوق أو المشروع الخيري فالأسعار التي يضعها الفنانون للوحاتهم اكبر من سعر السلع المعروضة بجانبها الأكثر إقبالا من الجمهور إضافة إلى النسبة التي يضعها الفنان لا تقل عن الثلاثين بالمئة، مقابل سعر الكثير من اللوحات يصل لي الخمسة عشر ألف ريال فكيف تصبح اللوحة دعما للخير وتسجيلاً موقفا إنسانيا، مع أن بإمكان الفنان أن يقدم أعمالا يخصص ثمنها كاملا للخير أو أن يأخذ نسبة معقولة ليحظى بأجر الآخرة ومحبة الناس.
أما الفئة الأخرى من المعارض فهي المنحشرة في مناسبات لا ناقة لها فيها ولا جمل أصبح فيها الفن التشكيلي ومن يقوم على إعداد تلك المعارض فرقة من فرق الطرب في الأفراح مستعدة للاستجابة في أي وقت وأي مكان دون أن يعوا ما يعنيه الفن التشكيلي مع أن تلك المعارض لا تتعلق بأي نشاط أدبي فكرا وابداعا يرفع من شأنه واحترامه الذي يطالب به أهله قبل الآخرين.
هذه النماذج للكثير من المعارض وما يمتلكه من يقوم على إعدادها بعثرت الفن التشكيلي وقللت من أهميته وسعت إلى تدني فهم الجمهور له ونعني هنا الجمهور المثقف الجمهور المكتسب للوعي الجمالي الباحث عن قاعة عرض محترمة ولوحات ناضجة وإبداع راق.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved