Culture Magazine Monday  09/04/2007 G Issue 194
فضاءات
الأثنين 21 ,ربيع الاول 1428   العدد  194
 
عن الإعجاز العلمي وإشكالاته!!
أمل زاهد

 

 

القرآن الكريم كتاب معجز في قدرته على مخاطبة النفس البشرية وفك شفراتها والوصول إلى مكامن ضعفها وقوتها، ولطالما توقفت وأنا أقرأ أو أستمع لبعض الآيات الكريمة عند تلك القدرة على الوصول إلى دقائق أسئلتي ومنولوجي الداخلي والتفاصيل الصغيرة جداً التي تدور في عقلي.

تمس تلك المقاطع الصوتية العذبة شغاف القلب، وتهدهد النفس الحزينة، وتداوي النفوس العليلة، وتنير مشاعل الهداية وتضيء الطرق المعتمة. فالقرآن الكريم كتاب هداية ورحمة وبلسم ينسكب على النفس ليهدأ من روعها ويبصرها بطريق الخلاص، وهو إعجاز لغوي قائم بحد ذاته لا يحتاج إلى وسائل داعمة ولا حجج أخرى لإثبات صحته!

ولكن حزب تفسير القرآن الكريم بالعلم والتنقيب في ثنايا الآيات الكريمة عن اكتشافات علمية أو إرهاصات مستقبلية أو نظريات معرفية - لما تطور بما يسمى اليوم الإعجاز العلمي في القرآن - يوحون أن القرآن يحتاج إلى قرائن علمية لتثبت أن مصدره من لدن العليم الخبير!! فهذا البحث والتنقيب عن اكتشافات أو نظريات علمية في القرآن يضمن هجسا عميقا يشي بالرغبة في إثبات صحة هذا الكتاب! ولو بدا ذلك البحث في ظاهره رغبة في الكشف عما يتضمنه القرآن الكريم من سبق علمي ورؤية مستقبلية، ووسيلة للدعوة إلى الله كما يقول أنصاره، وفي تقديري أنه لزوم ما لا يلزم. فنحن لا نسعى إلى إثبات ما نحن متأكدين من وجوده واثقين من صحته، ففي هذا الإثبات اعتراف ضمني بالإنكار ورغبة في التثبت مما يفترض أنه لا يحتاج إلى دليل ولا يفتقر إلى برهان!! ونحن نلجأ إلى تقوية الضعيف ودعم المتهالك بالأدلة والبراهين ولا نحتاج إلى هذه الوسائل إذا ما تثبتنا من الصحة واقتنعنا بالقوة والثبات والمنعة! ولا يضير القرآن أن لا يحتوي على معلومات طبية أو اكتشافات علمية فلا هو موسوعة طبية ولا كتاب علمي يتحتم أن يحفل بالمعلومات المختلفة! بل هو دستور تشريع وكتاب هداية ومشكاة نور.

يسلك أنصار الإعجاز العلمي طريقا شائكا في سبيل إثبات صحة ما ينظّرون له ويتكلفون عناء بالغا ويلجؤون إلى لي عنق الكلمات ومحاولة تحميلها ما لا تحمله، وتطويعها لتلبس رداء النظرية العلمية التي تم الوصول لها متغافلين أن العلم ينقض نفسه في أحوال كثيرة وما هو صحيح علميا اليوم، قد يأتي الغد بما يناقضه تماما!! فكيف يشرح وقتها جهابذة الإعجاز العلمي هذا التناقض؟! وكيف يفسرون لنا الاختلاف بين ما وصل له العلم وبين ما وصلوا إليه في تفسيراتهم؟! وألا يقود هذا التناقض إلى التشكك في القرآن والدين من حيث أرادوا أن يصلوا هم بالناس إلى اليقين والتثبت؟ وماذا سيقولون لمن يدعونهم للإسلام متمنطقين بحجج الإعجاز العلمي إذا ما توارت تلك الحجج وراء ستار كشف علمي جديد ينقض سابقه؟! وألا يوجد في عقيدة التوحيد الصافية، وتعاليم الإسلام النيرة، ومبادئه القويمة، وقيم العدل والمساواة، وتنظيم الحياة، والدعوة إلى التفكر في سنن الله والنظر في الكون ما يكفي للدعوة دون سلوك طرق قد تجلب لنا الأخطار أكثر مما تجنبنا إياها؟! وأي عقيدة هشة ستبنى فقط على ارتباط القرآن بوجود إرهاصات معرفية بين ثناياه فلا يستطيع أن يدرك من يريد أن يدخل في ديننا إلا هذا الوجه من الدين!!

وأن هنا أتساءل: ألا يوحي ربط مفردة العلم بمفردة الإعجاز بوجود صراع بين الدين والعلم؟! ففعل الإعجاز أو التعجيز هنا يقوم به الدين ليعجّز العلم ويثبت سبقه إليه وورود المعلومة في القرآن قبل أن يصل لها العلم! وألا يضعنا هذا في تناقض مع تعاليم الدين التي تحثنا على العلم والتعلم والمعرفة ولا يجد فيها الإنسان تنافسا بين العلم والدين، فكلاهما يسيران في اتجاه واحد وينطلقان من منطلق تحقيق الخير والمنفعة للإنسان؟!

وألا يُفترض أن تصل بنا هذه المحاولات الدؤوبة للكشف عن إعجاز علمي بين دفتي القرآن الكريم إلى الركون والدّعة والكسل؟ فنستعيض بما وجدناه من إعجازات في ثنايا الآيات الكريمة عن الإنجازات الحقيقية ومحاولة اجتراح المعرفة وإثبات وجودنا في عالم راكض لاهث يخرج علينا بالجديد المثير مع كل إشراقة شمس جديد! وبدلاً من العلم والعمل للاشتراك في منجزات الحضارة الحديثة نقف نحن مكتوفي الأيدي نزدرد منتجات هذه الحضارة ونبتلع تقنياتها التي يخترعها غيرنا، ثم نروح مدفوعين بعقد النص نقلب صفحات القرآن أو كتب الحديث.. نبحث عن ما ينفخ الأنا ويضخم الذات فقد وصل ديننا وكتابنا من قبل لما تعب العلماء وجاهدوا في سبيل الوصول إليه!! فما الحاجة إلى العمل وكل الإنجازات العلمية نستطيع أن نجدها مسطرة مكتوبة في القرآن الكريم؟! ولكن - عجباً - فذلك لا يتم إلى بعد أن يكتشفها العلماء ويسجلون براءة اختراعها!!.. وقتها فقط نطوع اللغة ونلي عنقها لنصل إلى ذات النتيجة التي تم الوصول إليها عبر الجهد الغزير والبحث المضني والدراسة والعمل الذي يقدسه ديننا فيرفع مرتبة العلماء إلى أجر العابدين المتبتلين!! وألم يهجر كثير من علمائنا تخصصاتهم ليكرسوا وقتهم لاكتشاف الإعجاز العلمي في القرآن تاركين دفة الإنجازات والاختراعات الحديثة بيدي غيرهم؟!

في الحقيقة يسمر أنصار الإعجاز العلمي أقدامهم إلى الغرب ويجعلونه مرجعيتهم حينما يحاولون أن يربطوا النظرية العلمية الحديثة بالقرآن الكريم، ويدور العقل المسلم في مدارات العلم الغربي وهو يبحث عن إعجاز علمي بين ثنايا مصدريّ التشريع الرئيسين ويغرق في المزيد من التبعية من حيث يزعم أنه يريد أن يتحرر منها!!

ولنستمع إلى الدكتور طه جابر العلواني مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي السابق ورئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في أمريكا في حوار معه في ملحق الرسالة: الذين يفسرون القرآن تفسيراً علمياً، ثم يقولون بالإعجاز العلمي، سيخلصون إلى نتيجة: أنه لما كان القرآن سابقاً في الكشف عن هذه الأمور فهو معجز ومتحد حتى لهذا العلم. وبهذا فالعلم الغربي عند هؤلاء هو الأساس ومن ثم فالعقل المسلم لم يتحرر!!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7446» ثم أرسلها إلى الكود 82244

Amal_zahid@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة