Culture Magazine Monday  09/04/2007 G Issue 194
فضاءات
الأثنين 21 ,ربيع الاول 1428   العدد  194
 
لن نعيش في جلباب أمريكا
أمريكا من وجهة نظر المثقف السعودي * (5)
سهام القحطاني

 

 

أمريكا والعراق

(الحلم بعودة المسيح)

(لا تضع هذه البلطة جانبا حتى تفنيهم)

توماس جيفرسون

في خاتمة مقدمة كتاب (لماذا يكرهوننا) يقول الزميل: (ونحاول في هذا الكتاب تسليط الضوء على الإرهاب الأمريكي ضد الشعوب وأخذنا العراق نموذجا للإرهاب الأمريكي... ثم قيام أمريكا باحتلاله في 2003م من أجل نهب ثرواته والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وحماية إسرائيل من خطر كان يهددها، وربما يجد الرئيس الأمريكي إجابة كافية عن سؤاله في هذا الكتاب) ص8 (لماذا يكرهوننا)

يعلّمنا علم النفس أن وراء كل فعل، دافع بما فيها الجرائم، سواء ذلك الدافع حاضر كوعي، أو غائب في اللا وعي، وفي السياسة خاصة كل الأفعال ذوات دوافع واعية بما يعني توافر نية العمد والترصد في الفعل وناتجه وبما تقتضيه من تخطيط وإنجاز، وفي السياسة يجب أن يبدأ تفسيرنا للأشياء من سؤال لماذا حدث ما حدث؟ ولماذا يحدث ما يحدث؟ لأن في السياسة لا دخان بلا نار أو هكذا أعتقد.

وبداية من أحداث الحادي عشر من سبتمبر مرورا بالحرب الأمريكية على أفغانستان ثم الحرب الأمريكية على العراق، وقد تكون هناك حرب على سوريا وإيران، ففي السياسة لا عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، وكل دولة تظل فرضية قائمة للاستعمار الأمريكي، على العموم أقول فتحت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أفواه العالم معبرة عن دهشتها، وخطفت فاجعة الحدث بصر وبصيرة المتلقي العالمي فاختل توازن التفكير الاستقرائي عند ذلك المتلقي، وأصبحت ردة الأثر الأولية للحدث مقررا للانتقام، ليُحشر العرب والمسلمون كلهم داخل فوهة بندقية الرجل الأبيض فيختلط الدماء بالبترول، وعلى الجانب الآخر من الشاطئ، بدأت أصوات الأسئلة ترتفع وصيغ تكويناتها تختلف، لماذا يحدث كل ذلك؟

وبالتالي تعددت الإجابات: كلا وفق اختلاف مناهج التفسير الفكرية لأصحابها ولم يعد البحث عن إجابة لتلك الأسئلة أو تفسير لم يحدث، قاصرا على النخب الثقافية، بل دخل في عملية البحث تلك وعي المواطن العربي بما فيهم السعودي، معرفة يحركها حينا البحث عن الحقيقة وهو وعي فهم، وحينا الخوف من المجهول وهو وعي حماية، وحينا مجرد فضول لفهم مسارات اللعبة والتسلية في حل شبكة الكلمات المتقاطعة التي يطل العالم منها اليوم، وبذا قد يكون المواطن العربي أقرب إلى صور تقدير حقيقة الأشياء، فالسياسة أحسن فلسفة، تجاوزا لعبارة نابليون الشهيرة (التاريخ الحقيقي لا المزيف أحسن فلسفة).

على العموم أعود إلى لماذا يكرهوننا؟ سنجد أن الزمل يجيب عن تلك الأسئلة أو يقدم لنا تفسيرات لتلك الأحداث معتمدا على نظرية المؤامرة، المبنية على التفسير النفعي للحدث، فهو يرى أن كل ما حدث وما سيحدث هو نتيجة مخطط لتحقيق حلم خاص يجمع بين أمريكا وإسرائيل، وسواء كنت مع أو ضد هذا المدخل اللاهوتي الذي يعتمده الزمل كقاعدة أساسية في قراءة وصياغة نموذجه التفسيري، فهو لا يهم، بقدر ما يهم أنه استطاع أن يقنع قارئ كتابه بمنطقية قاعدة نموذجه التفسيري، ولو تتبعنا الخط التصاعدي للنموذج التفسيري الذي يقدمه الزمل والذي يدلل عليه من خلال (العراق) كتطبيق لمنهجه التفسيري.

أقول لو تتبعنا الخط التصاعدي الذي يرسمه الزمل لنموذجه التفسيري لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط بما تتضمنه من تقسيم للعرب وتحريض على الطائفية بينهم، فهو يبدأ من نقطة الدين وهو بذا يحوّل الحرب الأمريكية على العرب حربا دينية، وقد لا نندهش من هكذا اعتقاد للسيد الزمل، إن قرأنا رأي القس الأمريكي فريتس ريتش الذي قال: لم يحدث في التاريخ أن كانت أمريكا مسيحية سياسيا وبشكل علني مثلما هي اليوم، وأن تقديم جورج بوش تبريرات دينية لحربه على العراق لهو أمر مقلق بل ومرعب لكثيرين. (181 لماذا يكرهوننا؟) أو تحليل إيمانويل تود في كتاب ما بعد الامبراطورية، إن القسم الأعظم من النشاط العسكري الأمريكي سوف يتركز منذ الآن وصاعدا على العالم الإسلامي تحت راية الحرب ضد الإرهاب.. وهناك عوامل ثلاثة تفسر تركيز الولايات على محاربة هذه الديانة، وتصويرها بمثابة خطر استراتيجي للفترة المقبلة، يهدد مصالحها وسياستها، ويعود كل عامل من هذه العوامل، على حدة، إلى تراجع في أحد الموارد الامبريالية لأمريكا في المجال الأيديولوجي والاقتصادي والعسكري. (157 ترجمة) محمد زكريا إسماعيل، كما أننا لا ننسى قول شارل ديغول: واعتقدت أنها الأصلح والأقوى بجانب أسباب أخرى دينية وثقافية وإرثية حول مهمة الرجل الأبيض المقدسة لنشر ثقافته وديانته المسيحية بين الشعوب الأخرى. (28 لماذا يكرهوننا)

وهما قول وتحليل يسمح لنا بسؤال أصبح يحير الكثير منّا، وهو هل الحرب الأمريكية على المنطقة العربية، حرب على الإرهاب أم حرب على الإسلام؟ وما مدى المصداقية التطبيقية لمقولة (الإسلام) هو العدو القادم؟ سؤال لا شك أن إجابته تحتاج إلى معرفة المكونات الدينية عند الساسة الأمريكان عامة وعند السيد دبليو بوش خاصة، وموقفهما من الإسلام، مقابل عقيدة المسيحيين المولودين من جديد، التي افتتحها الرئيس جيمي كارتر وصولا إلى السيد بوش الابن، والتي تؤمن بأن غرض الله لن يتحقق إلا إذا عاد اليهود إلى أرض الميعاد فلسطين وأقاموا فيها مملكة إسرائيل اليهودية الخالصة التي لا يشاركهم فيها أو يقيم على أرضها كمواطن من مواطنيها سوى اليهود. (180 لماذا يكرهوننا)

وبذلك يتضح لنا أن معظم المسيحيين المولودين من جديد يشعرون بتعاطف قوي مع إسرائيل مرجعه اعتقادهم أن الله في العهد القديم وعد اليهود بأرض فلسطين، كما وعد بمباركة الأمم التي تباركهم عن الأمم التي تلعنهم، كما أن هذه الطائفة تؤمن بأن تجمع اليهود في فلسطين ضرورة لا بد منها لكي يتحقق المجيء الثاني للمسيح) (178 السابق) وهذا يعني تعاضد العلاقة بين أمريكا وإسرائيل وتلك العلاقة العضوية غائرة الجذور بين الأمة الأمريكية، التي اعتبرت نفسها واعتبرها قادتها وزعمائها ومفكروها دائما إسرائيل هذا الزمان، وشعب الله المختار الجديد، واعتبرت غزوتها الاستيطانية التي أبيد في غمارها سكان القارة الأمريكية الأصليون لبناء أورشليم الجديدة على أرض العالم الجديد. (179 السابق).

أما على مستوى ما يعتقده السيد دبليو بوش فهو حكاية تبدأ من الكنيسة وتنقية دم السيد بوش من آثار إدمان الخمور والكوكايين ليصبح بعدها بوش إنسانا مختلفا عن ذي قبل، يذهب إلى الكنيسة يوميا ويتتلمذ على أيدي كبار القساوسة المتشددين خاصة القس المتطرف بيلي جراهام الذي يؤمن بالمسيحية الصهيونية.. وكانت رؤية بوش للإسلام أنه دجل ديني، وأن المتخلفين والمتعصبين هم الذين يحركون الناس نحو هذا الإسلام، وقد دفعت هذه القناعة جورج بوش إلى الاقتناع الكامل بمقولات القس جراهام وابنه فرانكلين اللذين يزعمان أن الإسلام ديانة شر وأن الإسلام والقرآن يعلمان العنف ولا يعرفان السلام) (19 السابق).

ولا تقتصر قناعة السيد بوش فيما يعتقده كل من جراهام وابنه بل ويرى السيد بوش أهمية القضاء على المسلمين أولا قبل التفكير في إصلاح أحوال المسيحيين. (183 السابق)

وهو ما جعله يرغب في بداية انضمامه إلى طائفة الميسوديت المعبرة عن التحالف الصهيوني المسيحي ضد الإسلام أن يكون داعية للميسوديت في البلدان الإسلامية والعربية. (183 السابق)

لأن بوش كان ينفي دائما في جلساته مسألة الوجود الديني للإسلام وكان يقرّ بأن المسيحية الحقة ستنتصر في النهاية. (183السابق)

ومن هنا جاءت رغبته ليكون داعية لمعتقدات تلك العقيدة. ولكن ألا يعتبر ذلك البحث للمكونات الدينية للسيد بوش تدخلا في حريته واعتقاداته الدينية وحتى تدخلا في الحرية الدينية للسياسيين الأمريكيين؟

أعتقد أن المسألة ليست بهذا التسطيح، أقصد وجوب احترام الحرية الدينية للفرد، لأن كل سلوك فردي يضر بالجماعة ترفع عنه حصانة الحرية الشخصية وفق قوانين حماية الحياة الإنسانية، وبما أن المعتقدات الدينية للسيد بوش ولطائفته تضر العرب والمسلمين كان على المفكر العربي أن يفتش تلك المعتقدات ويستخرج أسرارها ويربطها بناتج الفعل، وهو سلوك أحسبه مشروعا على كافة الأصعدة، فالغاية تبرر الوسيلة، وأعتقد أنه قد حان الوقت ليتحرر العرب من أدبياتهم التي لا تغني ولا تشبع من جوع، لكن الأهم ما علاقة المعتقدات الدينية للسيد بوش ولمن رسم وما زال يرسم خارطة السياسة الأمريكية للشرق الأوسط بالعرب وبالعراق؟

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة