الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 9th June,2003 العدد : 15

الأثنين 9 ,ربيع الثاني 1424

الصوالين الأدبية
هل حققت رسالتها أم أنها تصب في بحر المجاملات؟
الأميري: مهما يكن من أمر فإيجابياتها أكثر من سلبياتها
* الثقافية علي سعد القحطاني:
"الصوالين الأدبية بين رسالتها والمجاملة" رأت "المجلة الثقافية" أن تستأنس بثلاثة آراء هم على علاقة وطيدة بتلك الصوالين وذلك من خلال الحضور والمشاركة والعمل على رصد فعالياتها، من ثمار تلك الصوالين أنها تخلق الألفة والمحبة والأنس وتحرص على مد الجسور ما بين الأدباء والمثقفين في جو اجتماعي بعيداً كل البعد عن "البيروقراطية" و"الممارسات الروتينية" التي تمارسها "المؤسسات الثقافية".
ويتساءل البعض إزاء تلك التجمعات الثقافية وهل حققت الصوالين الأدبية رسالتها أم أنها أصبحت تصب في بحر المجاملة.
أصحاب الصوالين أدباء مثقفون
في البداية يرى الدكتور عبدالله العسكر أستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود ان الصوالين فيها امتاع ومؤانسة وكل ما يعرفه عن أصحابها أنهم من شذاة الأدب ومحبي الثقافة ويقول: لا أحسب أن كلمة صوالين تنطبق مطابقة جادة على المجالس المنزلية، التي رأى معظم أصحابها تسميتها بأسماء ليالي الأيام، وهذا ذكاء مفرط لاشك عندي في ذلك، لأنه لا يستقيم لها تسمية من جنس العمل الذي يقوم فيها. وكنت كتبت في وقت مضى شيئاً عن تلك اللقاءات الأسبوعية، وسخط مني إخوان لا أقدر على سخطهم. وما كنت والله أنزع الى التقليل من تلك الليالي الملاح، ولكنني كنت اتساءل عن سر كثرتها وكثرة روادها، مع قلة رواد أندية أدبية وثقافية وضعت لهذا الغرض وكنت أربط بين ذيوع ندوات تلك الأمسيات المنزلية، وخبوت الندوات الجامعية، ولعل ربطي بين محاضرة في منزل وجيه، وأخرى في رحاب جامعة، هو ربط لا داعي له البتة، فلا يجب المقارنة بين الاثنين. فالأول طليق، والآخر مُكبل بقيود بيروقراطية ينفر منها أهلها قبل روادها.
لاشك عندي ان الصوالين فيها امتاع ومؤانسة وهي أقرب للمجالس التي أفرزها التهذيب الحضاري. ولكنني أجهل إن كان لها رسالة مرسومة أو منشورة، اللهم إلا ما أعرفه عن أصحابها أنهم من شذاة الأدب ومحبي الثقافة. على ان هذا لا يكفي لبيان سبب شيوعها، أو تحديد أهدافها، ولعل الطموح الشخصي، أو النزوع الى التفرد، أو التكسب الاجتماعي بعض أسباب انتشارها، لا أقول هذا القول عن تمحيص وتدقيق، ولكنني سمعته في مجالس علم وثقافة. والأمر أصعب من الركون الى الظن والحدس، ولابد من اجراء دراسة ثقافية/ اجتماعية حول المنتديات المنزلية، وبيان أسباب قيامها، وأهدافها، ومعرفة مدى فائدتها.
والعرب في سالف دهرهم الزاهر عرفوا الصوالين الأدبية، وذاعت واشتهرت في العواصم الاسلامية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: صالون ابن العميد، وابن عباد، وابن شاهوية، وأبوالوفاء. فهل يا ترى التاريخ يعيد نفسه؟ الجواب في زعمي بالنفي. فقد كانت تلك الصوالين والمنتديات بمثابة المدارس والجامعات. ولو كان في الري مثلاً جامعة لما قام صالون ابن عباد واشتهر.
كان للصوالين الأدبية والثقافية في فارط أيام العرب رسالة واضحة، يأتي على رأسها تقييد العلم، وكان لها نتائج عظيمة منها: ان بعض ما وصلنا من مؤلفات عظيمة هي حصيلة ما دار في تلك الليالي الحسان. حضر أبوحيان التوحيدي سبعاً وثلاثين ليلة في صالون الوزير أبوعبدالله الحسين بن أحمد بن سعدان وزير صمام الدولة البويهي. وكان حصيلتها كتاب: الإمتاع والمؤانسة المشهور. وربما كتاب الصداقة والصديق. قل لي بربك صالون أدبي يكون من نتائجه وثمراته كتاب الامتاع والمؤانسة، ما صفته، وما تسميه؟ ثم انظر أين نتاج اللقاءات المنزلية المعاصرة.
وحتى أكون أكثر دقة وأمانة أسارع وأقول: لا يجوز مني الحكم على تسميه بالصوالين الأدبية، ذلك أنني لا أختلف اليها، وأغلبها لا أعرفه والحكم على الشيء يأتي بعد تصوره، ودراسته. وهذا لم يتأت لي، ومع هذا تبقى تلك الليالي المنزلية عزيزة ومرغوبة. وقد قال العتبي: لقاء الاخوان نزهة القلوب. وقال آخر: مجالسة الإخوان مسلاة للأحزان. فيكفيها أنها نزهة ومسلاة. وإن حصل علم ومعرفة فنور على نور. والظن أنه يحصل لاشك في ذلك.
إيجابياتها أكثر من سلبياتها
ويلمح الدكتور أحمد البراء الأميري في حديثه للمجلة الثقافية أنه مهما يكن من أمر هذه الندوات فايجابياتها أكثر من سلبياتها ويقول:
التجمعات الأدبية ولا أفضل كلمة "صالون" لأنها أجنبية، ظاهرة حضارية ثقافية تدعو الى التشجيع والاعجاب.
وقد حفلت مدينة الرياض بعدد منها من أشهرها ندوة الشيخ عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله التي امتدت بعد وفاته وسميت ندوة الوفاة في بيت الوجيه الفاضل الشيخ أحمد باجنيد ومنها أحدية الدكتور راشد المبارك وندوة الدكتور أنور عشقي واثنينية عثمان الصالح وأسبوعية الشيخ سعود المريبض وندوات أخرى غيرها ومهما يكن من أمر هذه الندوات فإيجابياتها أكثر من سلبياتها لأنها كالحدائق تتنوع فيها الازهار والثمار والفراشات وكل مليحة بمذاق كما قال شوقي رحمه الله فهي تتيح الفرصة للقاء الأصدقاء الذين باعدت بينهم كثرة التزاماتهم واتساع المدن الحديثة وهي أيضا فرصة للناشئين من محبي الثقافة والأدب والشعر ليتعلموا منها ولتبرز مواهبهم فيها.
المساهمة في بناء الوعي الوطني
ويؤكد الأستاذ سهم الدعجاني الأمين العام المساعد لمركز حمد الجاسر الثقافي على ان الندوات الثقافية تساهم في بناء الوعي الوطني ويقول:
انتشار المجالس الأدبية أو (الصالونات الثقافية) في بلادنا التي يحلو للبعض تصنيفها حسب أيام الأسبوع السبتية، الأحدية، الاثنينية، الثلوثية، الاربعائية، الخميسية، وهكذا، أقول انتشارها في مجتمعنا السعودي في الآونة الاخيرة لا أحد يختلف على أنه ظاهرة صحية في مشهدنا الثقافي المحلي، فخميسية حمد الجاسر الثقافية واثنينية عثمان الصالح، وندوة النخيل للدكتور محمد بن سعد بن حسين، وأحدية الدكتور راشد المبارك، وخميسية باجنيد، وأحدية الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل، وثلاثية الشيخ محمد المشوح، وندوة الشيخ سعود المريبض بمدينة الرياض، واثنينية عبدالمقصود خوجة، وثلوثية الطيب في مدينة جدة وأحدية الشيخ أحمد المبارك واثنينية (النعيم) بالأحساء، واثنينية أبو ملحة في أبها وغيرها على امتداد وطننا الغالي هي في الواقع قنوات شعبية تساهم بشكل جاد في خدمة الحركة الثقافية في بلادنا بردم الفجوة بين الشيوخ والشباب من خلال لقاءات حميمية في جو مفعم بالفعل الثقافي الممزوج بنكهة بيئتنا السعودية وطيبة نفوسنا قبل مجالسنا المفتوحة كما أن مثل هذه الندوات فرصة لتسليط الضوء على من ابتعد عن الفعل الإعلامي، فهي تمنحه (نافذة) ليطل من خلالها على شريحة هذه الندوة التي تحرص على الحضور والتفاعل والمداخلة، ثم تمنحه فرصة أخرى عندما يكتب عنها في الصحف، فكم قدمت لنا تلك الندوات من مثقف أو مبدع لم نعرفه من خلال قنوات الثقافة الرسمية بل تعرفنا عليه من خلال تلك المجالس الثقافية، كما ان تلك المجالس الأدبية فرصة حقيقية للواعدين في مجالات الإبداع المختلفة الأدب والصحافة والحوار وغيرها فكم من شاعر واعد وجد فرصته الحقيقية في تلك (الندوات) وكم ناشىء في رحاب الأدب وجد تربة صالحة لموهبته في ردهات تلك الندوات، بل إن بعضها ساهم من خلال طباعة منجزها الثقافي في إعطاء أولئك الشباب فرصة للوصول إلى المتلقي، وكم من صحفي وجد في تلك الندوات فرصة سانحة لإجراء الحوارات الثقافية وتوثيق الصلات الفكرية وقبل ذلك معرفة رموز الحركة الثقافية في بلادنا وغيرها من خلال حضور تلك (الندوات) فقد تسمع بأديب أو تقرأ لكاتب او تطرب لشاعر أو.. أو.. فتجده بشحمه ولحمه أمامك في مجلس وقور وجلسة هادئة ليس بينك وبينه حجاب، فتجلس في حضرته وتنهل من معينه طيلة سويعات الندوة، بالله عليكم، أليس في ذلك ردم للفجوة المفتعلة بين المثقف والمتلقي.
إن تلك الندوات بكل اقتدار وصدق نجحت في تجسير الفجوة بين الشباب والمثقف، لا أقول المثقف العربي فقط، بل حتى المثقف السعودي خاصة ونحن نعيش قطيعة مع المثقف السعودي في ظل تقصير القنوات الرسمية عن أداء دورها الحقيقي في حياتنا الثقافية.
هناك سؤال ملح يطرح دائماً.. ما مدى الاستفادة و(الإفادة) من (الندوات الثقافية)؟ وهل هي وسيلة للبناء الثقافي الإيجابي في ظل الإقبال المتزايد عليها من فئة الشباب وغيرهم؟
* لابد لنا أن نعترف أن اصحاب هذه (الندوات) بذلوا الكثير والكثير من أوقاتهم وأموالهم، للباحثين عن الثقافة فيها، ولكن هناك مَنْ يطرح سؤالاً: لماذا بذلوا ذلك كله؟ هل هو للثقافة أم للوجاهة؟ ولكن عندما تصبح (الثقافة) شكلاً من أشكال الوجاهة الاجتماعية، هل تلك ظاهرة صحية أم مرضية في المجتمع؟ مما لا شك فيه أن تلك الندوات قداختصرت بتفوق المسافات الشاسعة بين (الكبار) و(الصغار) إن صح التعبير في منظورنا الاجتماع، ومكنت الشباب المتطلع إلى تثقيف ذاته بمجالسة (الرموز) المثقفة بل والنهل من (معينها) مباشرة.
* إن ثقافة المجالس لم تعد حلاً مؤقتاً وإجراءً عاجلاً لإنعاش جسد الثقافة المحلية الذي يعاني من (القصور) والتقصير (تجاه القضايا الفكرية في ظل غياب مؤسساتنا الثقافية وتقاعسها عن الدور المناط بها، بل إن تلك (المجالس) التي بذل أصحابها مشكورين وقتهم ومالهم لاستقبال محبي الثقافة ومريدي المطارحات الفكرية وعاشقي (الحوار) إنهم بذلك يساهمون مشكورين في صياغة مشروعنا الثقافي الوطني على قدر استطاعتهم في ظل هذا الغياب.
* ولمزيد من (التفاؤل) و(الإنجاز) مع هذه (المجالس الثقافية) أطرح بعض (التساؤلات):
ما حظ تلك (الندوات) من المتابعة والتشجيع من قبل الجهات المعنية بالشأن الثقافي في بلادنا لبلورة هذا المشروع الوطني التطوعي؟
ما حظ تلك المجالس من المساهمة في صياغة المشهد الثقافي المحلي وإرساء قواعده التي تميزه عن بقية المشاهد الثقافية في الوطن العربي؟
لماذا تأخذ معظم تلك الندوات منحى الاحتفاء والتكريم لضيوفها؟ أليس في ذلك إشارة إلى ما يعانيه الوسط الثقافي في بلادنا من قلة الجوائز الثقافية الاحتفائية بالإبداع وأهله؟
وأخيراً
تحت وطأة الشعور بضرورة الوصول إلى شخصية مستقلة تولد الإحساس لدى الشباب للبحث عن مرجعية أخرى يتم من خلالها استلهام الإبداع، فجاءت هذه الندوات طوق النجاة في ظل الغياب الكبير الذي تسجله المؤسسة الثقافية في بلادنا عن دورها تجاه الناشئة الطامحين إلى التواصل.
للتاريخ فقط
ليس بوسع المراقب لهذه (الندوات) أن ينكر حضورها الثقافي في نفوس الشباب عامة، أو يتجاهل إسهامها الجاد في تناولها الوطن للعديد من القضايا المعاصرة مؤكدة دورها في صناعة منجز وطني جديد، غير أنها رغم ذلك كله تظل محاولة تنقصها الروح المؤسسية ذات الصفة التأثيرية الفاعلة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved