الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 9th June,2003 العدد : 15

الأثنين 9 ,ربيع الثاني 1424

سُرقت روايتان مخطوطتان من مكتبه ويحاول كتابة أحداثهما من جديد
محمد المنسي قنديل: فوارق كبيرة بيننا وبين جيل الستينيات ونحن جيل الهزائم الكبيرة
عبدالمجيد وعبده جبير والورداني وأنا تشكلت تجاربنا بعد نكسة 1967م
حوار: عبد الله السمطي
* كيف مهد جيل كتّاب الستينيات في الرواية والقصة المصرية لتجربتكم في السبعينيات؟.
تنبع أهمية جيل الستينيات من انه كان يمثل نقلة نوعية في الكتابة المصرية، وهذه نقطة لا يمكن ان ننكرها، حيث كان هناك ظرف عالمي ساعد على هذا الأمر، فالستينيات كانت حقبة حاشدة بالتغيرات في اللغة الأدبية وفي التوجهات السياسية، وفي النظر الى الآخر، والمستويات القديمة والتقاليد السائدة، وبدأت أصوات الشباب تنقد كل ما هو موجود.
في السبعينيات انحصرت "هوجة" الستينيات بعض الشيء، وبدأ البناء العاقل الرزين على التحول الذي أحرزه جيل الستينيات، كما أننا كنا جيلاً حزيناً لأننا كنا خارجين من أعقاب نكسبة 1967م، وهذه النكسة صنعت فينا ما يشبه "الاكتئاب الجماعي".
* حدثت تحولات مهمة لدى جيل الستينيات فما هي أبرز الفروق بين جيلك وجيلهم، ولماذا اتجهت الحالة لديهم للكتابة السياسية؟؟.
هذه حالة تصيب الشعوب دائماً بعد الهزائم، وتتجسد خاصة في آدابها، فافتقد أدب الستينيات الكثير جدا من ملامح السخرية التي كنا نراها عند الأجيال السابقة، كما ان تجربته انطبعت بنوع من الانكسار والهزيمة على أثر ما عايشه في تلك الفترة. وأذكر انني بدأت حياتي في تلك الفترة عندما كنت طالباً في كلية الطب كانت لي تجارب كثيرة غير ناضجة، ولكن قصصي الحقيقية عرفت في بداية دراستي الجامعية عندما تقدمت بقصة قصيرة اسمها "المشرحة الخالية" في مسابقة نادي القصة وفازت بالجائزة الأولى عام 1970م، وفزت بجائزة في العام نفسه من الثقافة الجماهيرية بقصة بعنوان "الموت في بر مصر". من هذه اللحظة بدأ التأسيس لكتابتي الشخصية وأيضا كتابات جيلي بوجه عام، وبدأنا نتعرف على بعضنا البعض، وتتوثق عرانا عبر الكثير من المطبوعات التي كانت تصدر في تلك الفترة، وكان أبرزها ملحق: "الطليعة الأدبية" وكانت مجلة أدبية متقدمة، ولأنهم حاولوا ان يخففوا ضغط الحدة السياسية التي تتضمنها قرروا ان يخصصوا ملحقاً للأدب بشكل عام، وقد أشرف على ذلك الملحق د. غالي شكري أولاً، وبعد رحيله الى باريس تولاه فاروق عبدالقادر، وكان في هذه الفترة حريصاً على أن يلتقط الأصوات الجديدة ويقوم بعمل ملفات عن القصة القصيرة المصرية، وأعتقد من أحد هذه الملفات برزت معظم أسماء جيل السبعينيات فيما بعد أنا وابراهيم عبدالمجيد، وسعيد الكفراوي ويوسف أبو رية ومحمود الورداني وعبده جبير، والعديد من الأسماء التي لا تحضرني الآن.
الفروق بين جيل الستينيات والسبعينيات ليست كثيرة، وليست ضئيلة أيضا، نحن ولدنا من فاجعة كبيرة هزت كياننا وهي نكسة 1967م، ولذلك كثير من الأدوات الحداثية التي استخدموها لم نستخدمها نحن لأن لدينا هدفاً قاسياً ومحدداً، وكانت الكتابة عندنا أشبه بتضميد جرح عميق.
* في روايتك .. "انكسار الروح" هناك نوع من الكتابة الأسيانة الشفيفة التي ترصد أزمنة التحول الاجتماعي، لكن مع عدم وجود تفاؤل بالمستقبل هل هي نظرة "الكآبة" تهيمن على كتاباتك؟.
أنا كتبت الرواية عن جيلنا وتطور مرحله، مسيرة جيلنا في الواقع لا توحي بتفاؤل كثير، لأننا نحن جيل الأحلام العظيمة والهزائم الكبيرة، وعشنا عصراً مضطرباً في كل الأحداث، والرواية نفسها تؤرخ لهذا الجيل.
نجيب محفوظ أرّخ لجيل ثورة 1919م، وفي روايتي "انكسار الروح" أؤرخ للفترة من 1952م الى ما بعد 1973م وكثير ممن قرأوا الرواية تأثروا بها لأنها لم تكن مؤلفة بل تروي مسيرة جيل، كيف تخرجنا وحلمنا بالقومية العربية ورأينا في جمال عبدالناصر البطل الذي لا يُهزم، ثم كيف رأينا هذه الأحلام العظيمة تتحول الى هزائم كبرى، ومررنا بالشتات ودخلنا التعليم الجامعي وأرواحنا منكسرة وهذا الانكسار الروحي انعكس على نظرتنا للحياة وعلى حب الآخرين وعلى العشق وكل مراحل الحياة، فالتفاؤل هنا لم يكن له مكان، لأن جيلنا رأى كثيراً من التناقضات من أعلى السحاب الى أسفل الأرض.
* في السنوات الأخيرة راجت الرواية الى حد ما، وأصدرت أجيال كثيرة زخمها الروائي، أين المنسي
قنديل من هذا الرواج؟.
مررت بفترة من فترات الجفاف في حياتي، وهي فترة أتأسف عليها جدا، وآخر كتاب أصدرته سنة 1993م بعنوان "آدم من طين" عن دار سعاد الصباح، وكان يتضمن ثلاث قصص قصيرة، ورواية قصيرة، وهذا هو الشكل الذي أهواه، بعد ذلك مرت فترة طويلة من الصمت، وأصدرت بعدها مجموعة قصصية بعنوان "عشاء برفقة عائشة" واستكملت إصدار الكتب التي كتبتها عن التراث، حيث كتبت العديد من القصص التراثية أنتجت منها ثلاثة كتب حتى الآن تحمل عناوين "وقائع عربية" و"شخصيات حية من الأغاني" و"الشجن في وقائع الزمن".
في هذه الفترة تعرضت لحادثة غريبة جدا، من النادر ان يتعرض لها الروائيون، حيث كتبت روايتين مخطوطتين، ومن شدة حرصي عليهما خفت أن أحتفظ بهما في منزلي، فأخذتهم في مكتبي حيث أعمل في مجلة "العربي" لكن سُرق هذان المخطوطان، ولا أعرف من سرقهما حتى الآن..
* وكيف أثرت هذه السرقة عليك وعلى مشروعك الكتابي؟.
كانت كارثة كبيرة جدا بالنسبة لي، لأنني أمضيت فترة كبيرة في كتابتهما، فقررت أن أكتب النسخة الأولى بخط يدي ثم أكتبها على الكومبيوتر، لكن سرقة الروايتين المخطوطتين مثلت لي صدمة عنيفة جدا، ظللت بعدها عاجزاً عن الكتابة لمدة عام تقريباً، لكن أخذت ما تبقى من مسودات وأعدت الكتابة مرة أخرى وهذا الأمر أخذ مني جهداً كبيراً وغيرت الأحداث التي كتبتها قبل ذلك ومن الصعب تأليف رواية مرتين.
وانتهيت من كتابة واحدة من الروايتين، وأقوم الآن بالكتابة النهائية لها، وهي بعنوان "قمر على سمرقند"، وهي من وحي رحلة قمت بها الى جمهوريات وسط آسيا، وشاهدت المدن الإسلامية الكبرى هناك مثل: بخارى وسمرقند وطشقند وغيرها، والرواية تدور في أرض جديدة بالنسبة للرواية العربية.
* أجريت عدداً كبيراً من الاستطلاعات التي نشرت بمجلة "العربي".. هل أثرت في أعمالك وكيف استثمرتها؟..
روايتي الضائعة الأخرى كانت بعنوان "أسفار" وهي نوع من التجليات، حيث أذهب لبلدان كثيرة، في كل بلد أنتج قصة عن هذا البلد، والشخصية واحدة تتكرر في كل الحكايات، وتكتسب أبعاداً ثقافية متحولة، وقد نشرت منها فصلين، وأتمنى أن أعيد كتابة ما فقدته منها..
* كيف قيّم النقاد تجربتك السردية، لقد قرأنا دراسات كثيرة عنك فترة ثمانينيات القرن العشرين لكنها خفتت مؤخراً؟.
بالطبع خفتت الكتابات النقدية عني بسبب سفري الى الكويت، لكنني أعتقد أنني محظوظ في النقد خاصة في رواية "انكسار الروح" وعاشت الرواية كثيراً، وحتى الآن ترد إليّ أسئلة خاصة برسائل جامعية ممن يكتبون عن التحول الاجتماعي في مصر، فهذه الرواية تؤخذ كأحد الشواهد على هذا التحول.
لكن هناك جانبان مجهولان جدا لم يلتفت لهما النقاد حتى الآن، وهما جانب: كتابة الأطفال، وقد كتبت في هذا المجال كثيراً، وفزت بعدة جوائز، وكتبت كثيراً عن التراث، أنا أحلم أن أنشئ موقعاً على الإنترنت أجمع فيه كل أعمالي ومنها سيناريوهات الأفلام السينمائية التي أعددتها أيضا، حتى تكون هناك رؤية كاملة لمن يريد أن يدرس إنتاجي..
* تحولات كثيرة جذرية في مشهد الأدب العربي اليوم .. كيف ترى هذه التحولات؟.
هناك حالة مدهشة تحدث في كل أمة، ويبدو ان السلطات القوية عندما تخف عن الناس يبدأون في القول. وكثير من الروائيين يأخذون أقنعة متعددة من الحداثة أو التراث، لكن الصوت الروائي الآن أوضح بخلاف مرحلة الستينيات حيث كانت الرواية "تغلّف" بالعديد من الرموز والأقنعة بسبب قوة الأنظمة وبطشها، وهذا ما حدث في روايات نجيب محفوظ في مراحله الأخيرة.
النقد السياسي في الرواية اليوم أصبح أكثر وضوحاً، والمشكلة ان القارئ لم يعد يدعم الكاتب بشكل أو بآخر لأن هناك وسائط أخرى باعدت بين الكتاب وبين القارئ.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved