Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
فضاءات
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 

العربية في مصر .. معركة مستمرة
د. مصلح النجار

 

 

في سنة 1902 صرّح قاسم أمين برأيه في العربية بقوله: إنّ القرّاء في معظم اللغات الأوروبية يقرؤون، بصورة صحيحة، كلَّ ما تقع عليه أبصارهم، وتكون القراءة سابقةً للفهم، ووسيلةً له. أمّا في العربية فلا نستطيع أن نقرأ قراءة صحيحة، إلا إذا فهمنا أولاً ما نريد قراءته. ولذلك فقد دعا إلى كتابة العربية الفصيحة بالحروف اللاتينية، فضلاً عن هجومه على الإعراب في العربية، ودعوته إلى تسكين أواخر الكلمات، عملاً بالشائع، والأيسر، ودعوته إلى إلى إدخال الكلمات الأعجمية إلى العربية دون قيد، وإلغاء كلمات المحرَّم، والعِرض من العربية.

وفي السياق ذاته، نادى أمين الخولي بإهمال اللغة الفصيحة، واستعمال العاميّة للكتابة، ولم ينْسَ، لتأجيج دعوته، من حيث قصَدَ تخفيفَ وطأتِها، أن يقرِن بين واقع العربية الفصيحة آنذاك، واللغة اللاتينية التي حلّت محلّها بَناتُها الأوروبيّات.

فإذا غادرْنا دعوتي قاسم أمين وأمين الخولي؛ اصطدمنا برجل يعلن معاداته للعربية، وهو سلامة موسى، الذي يقول: (لست أحمل على العربية إلا لسببين هما:

1- صعوبة تعلمها.

2- عجزها عن تأدية أغراضنا الأدبية والعلمية). ثم يتابع القول: (لنا من العرب ألفاظُهم، ولا أقول لغتهم، بل لا أقول كل ألفاظهم، فإننا ورثنا عنهم هذه اللغة العربية، وهي لغة بدوية، لا تكاد تكفلُ الأداءَ، إذا تعرَّضَت لحالة مدنية راقية، كتلك التي نعيش بين ظهرانيها الآن). هذا فضلاً عن اتهامه العربية بأنها وليدة مجتمع أرستقراطي حربي ديني، والتمسكُ بها يشبه التمسك بالعادات القديمة.

ويستطرد بالقول: (هذه اللغة لا ترضي رجلاً مثقفاً في العصر الحاضر، إذ هي لا تخدم الأمة ولا ترقيها، لأنها تعجز عن نقل نحو مئة من العلوم التي تصوغ المستقبل وتكيِّفه، وهذا السخط الذي يتولانا كلما فكَّرنا في حالنا الثقافية، وتعطيل هذه اللغة لنا عن الرقيّ الثقافي، تزيد حدّته، كلما فكرنا، وأدى بنا التفكير إلى اليقين بأن إصلاحها مستطاع).

ويشرح سلامة موسى معالجات ولكوكس، فيما يخصّ العربية الفصيحة، والعامّيّة المصرية، بأنّ هذا الأخير كانت تقلقه هذه اللغة التي نكتبها ولا نتكلمها. وأما موقفه من رسم الحرف العربيّ فهو يرى أن دراسة العلوم الحديثة بالحرف العربي مستحيلة، لأن العلوم الأوروبية والأمريكية، وليس في العالم غيرها، تعتمد في تكوين كلماتها العلمية على الاشتقاق اللاتيني في الأكثر. ويقول عن أنصار الحرف العربي: إنهم (عبء علينا، وحجر طاحون معلق بأعناقنا، يعوق ارتقاءنا). فدعا إلى اتّحاد الحروف اللاتينية مع الكتابة العربية، وذلك يزيل الانفصال النفسيّ بين الشرق والغرب.

وقد تصدّى للردّ على سلامة موسى مجموعة من الكتّاب من أشهرهم محمد عزة دروزة، وعلي الطنطاوي، كما يرى بعض الباحثين. ومن محاولات طرح بدائل لرسم الحرف العربي ما قام به يوسف الحطاب أفندي، الذي اقترح وضع صور جديدة للحروف الهجائية العربية. ولكن اقتراحه كان معقّداً، ويزيد فداحة الجانب الإشكاليّ الذي يطرحه أرباب دعوات تبديل الرسم العربي.

وأمّا الدعوة الأشهر والأبرز بين دعوات تبديل رسم الحروف العربية فكان صاحبها عضو مجمع اللغة العربية، في القاهرة، عبد العزيز فهمي باشا، في الجلسة الثانية والثالثة من جلسات المجمع الذي افتتح في 15 يناير 1944، وكانتا بتاريخ 24 و30 من ذلك الشهر. وقد رأى فهمي أنّ أصلح ما تكتب به اللغة العربية هو الحروف اللاتينية، فقد مورست هذه الحروف، برأيه، في الطباعة والكتابة، فأثبتت جدارتها، وصلاحيتها. وهو يقول فيما يخصّ الرسم العربي: (إنما لهذه اللغة الجميلة آفة خبيثة هي رسم كتابتها. إن هذا الرسم على ما في مظهره الآن من جمال، لهو علة العلل، وأسُّ الداء، ورأس البلاء. إنه سرطان أزمن فشوَّهَ منظر العربية، ونفّر منها الوليّ القريب، والخاطب الغريب).

وأمّا مكمن السوء في الرسم العربيّ، من وجهة نظره، فهو أنّ الهيكل الواحد فيها يحوي في تجاويفه أربع كلمات، أو ثلاثاً، أو اثنتين مثلاً. وهو يشير إلى أنّ المسلمين الأوائل قد لاحظوا ذلك مثلما لاحظه هو، فكانت مشاريع إعجام الحروف العربية بالنقط، ثم نظام الحركات بعد ذلك.

وزيادة على ذلك فقد لاحظ عبدالعزيز فهمي باشا أنّ قواعد نحو الفصيحة وصرفها بالغة التعقيد، والعسر، والارتباك.

كان سرّ شهرة دعوة فهمي باشا وخطورتها أنّها أُلقيت في أعمال مجمع اللغة العربيّة، فليس بين جوهرها وجوهر سابقاتها من الدعوات إلى الكتابة بالحروف اللاتينية فارق. وقد واجه مشروع فهمي باشا مناهضة عظيمة، وكان أرباب هذه المعركة في الطرف المقابل لفهمي باشا كتّاب كبار من أمثال محمد إسعاف النشاشيبي، وعباس العقاد، وعبدالوهاب عزام، ومحمود محمد شاكر، ومحمد كرد علي.

- عمّان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة