Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
فضاءات
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 

خمسون قصيدة حب
عبدالله بن أحمد الشباط

 

 

الدكتور شهاب غانم حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية في فرع الاقتصاد من كلية إدارة الأعمال بكارديف في مجال التصنيع وتطوير القوى العاملة.. وهو شاعر رقيق ثر العاطفة محب للغزل. منذ زمن طويل كنت أقرأ له بعض القصائد في مجلات ودوريات محلية وخليجية ثم التقيت به في مهرجان الجنادرية أكثر من مرة، وكان آخر لقاء لنا في عام 1424هـ، حيث تفضل بإهدائي نسخة من مجموعته الشعرية آنذاك (خمسون قصيدة حب).

أخذت النسخة مغتبطاً لما أعرفه عن هذا الإنسان الهادئ الرقيق، وقد قرأت له مجموعات مما صدر له سابقاً، وكان بودي أن أحتفل بهذه المجموعة في حينها، لكن ظروف الحياة وكثرة المعروض من المطبوعات تشغل الكاتب حتى عن القراءة المركزة. وفي الأسبوع الماضي كنت أبحث عن شيء بين الكتب، لا أدري ما هو.. فإذا بهذه المجموعة تطل بوجهها مظهرة عنوانها: (خمسون قصيدة حب). لقد شدني عنوانها، فالتقطتها بسرعة وقبضت عليها بقوة خوفاً من أن تتسرب من الذاكرة وتعاد إلى الرف من جديد في غفلة من العقل الباطن. وبعد أن جلست بعض الوقت وأنا أتأمل في غلافها الجميل الذي يغري من يطالعه بمحتوى تلك المجموعة الأنيقة (هو الحب)، وكنت في العادة إذا تناولت الكتاب - أي كتاب - ألقي عليه نظرة عجلى من الآخر ثم الوسط وبعد ذلك المقدمة والمدخل فيما يسمى فوضى القراءة غير المركزة كمن يبحث عن شيء مفقود في كوم من التراب لا يدري ما هو. أما هذه المجموعة فقد ولجتها من بابها الرئيس الموشّى بدماء القلب العاشق ثم العبور عن طريق الإهداء:

هل ذكرتم بالأمس صبا صبياً؟

لم أزل ذلك الذي تذكرونه

شحبت كل شعلة في كياني

ما عدا شعلة الهوى الميمونة

هي مثل الصهباء نزداد بالعمر

اشتعالا ولهفة وسخونة

ولو سألته كما سألته ابنة الحسن عمن كلفه الغزل وتدبيج أبيات الغرام لأجاب:

أنا لم أطلب القريض ولكن

حل عندي كما أني وحيدا

فهو خل العشاق من كل عشق

منذ أن رتل الوجود نشيدا

وهو طوق النجاة في لجة العشق

لمن كاد في الهوى أن يبيدا

والهوى لدى شاعرنا ليس ملاحقة جمال الصورة والشكل والتغزل في العين والقوام والابتسامة، بل إن للحسن معنى أبعد من الصورة الظاهرة التي قد تبهر:

معاني الهوى عندي سمو ورقة

وصبر على ما خط للمرء في الطرس

وروح بروح تلتقي في تعانق

ونجوى نزفة القلب للقلب في همس

وما الحب إلا البذل بالنفس عن رضى

وتضحية عند المكاره والرمس

وللحب والهوى لدى الشاعر أهداف سامية وغايات نبيلة أكثر من عشق الصور الجميلة التي تتورد فيها الخدود وتميس فيها القدود ويعذب النطق والحركة وتدوى فيه الكلمة المهموسة لتصل إلى شغاف القلب، وهذا له نوعان من البواعث، باعث جنسي تكون نهايته الالتقاء على فراش الطهر والنقاء، وباعث عذري قد تمر سنون وسنون، وهو ينمو إلى أن ينتهي إلى لا شيء:

وللحب ألوان فمنه الهوى الذي

بواعثه جنس ومنه الهوى العذري

ومنه هوى أفلاذ أكبادنا الآلئ

لهم نبدل الغالي رخيصاً بلا قتر

ومنه هوى أم وأخت ووالد

وإلا لما ناحت خناس على صخر

ومنه هوى الأوطان وهو فريضه

يجود لها بالنفس كل فتى حر

ومنه هوى فن رفيع مجنح

يهز كهز الكهرباء إذا تسري

وأجمل أنواع الفنون قصيدة

على رغم حسن الرسم واللحن والنشر

هكذا يرى الشاعر أن أجمل ما يسمى بالفنون الجميلة هو الشعر الذي فاق المقاييس الجمالية في الرسم والغناء والتصوير لتفوز القصيدة العربية الأصيلة التي تتساقط أمامها جميع أنواع الفنون ثم يعود إلى أهم نوع من أنواع الهوى:

فأعظم أنواع الهوى حب ملة

هوى ليس بجدي غيره ساعة الحشر

وكأن ما أشار إليه آنفاً لم يقنع محبوبته، فأراد أن يؤكد لها ما أراد الوصول إليه وأن يجمع تلك الفنون التي أشار إليها تحت مظلة الشعر:

ما الحب؟ إن الحب قيد قدمن

نور ومن عطر ومن أنغام

تتساءلين عن الهوى فلتنظري

هذا الشرود بنظرتي وكلامي

والتمسي في أحرفي وقصائدي

حبات قلب فاض بالآلام

ويحاول أن يعطي تلك المحبوبة صورة تتفق مع ما في خياله القريب، وهي تنتقل في دلال بين ألوان الطيف المتتابعة، وهي في كل حركة إنما تتحرك داخل قلبه وعقله وبين أضلاعه:

فتدللي ما شئت أن تدللي

وتغلغلي في مهجتي وعظامي

فلأنت بين الغيد سمفونية

ميادة الحركات والأنغام

أو لوحة زيتية ألوانها

تزري يا برع مبدع رسام

لكن هل لتلك العواطف المشبوبة والأنغام الشجية السارية في الاثنين بين ملاكات الحب الذي سرى بين الجوانح والعظام، هل لها نهاية؟ وما سبب تلك النهاية، لكنها نهاية مأساوية:

نهر الهوى جف بالسد المنيع فما

نزر من الماء فوق السد ينبثق

ودفتر الحب أمسى في الهوى مزقا

لكنما فيك تحيا تلكم المزق

لا ينتهي الحب.. لكن حين نخنقه

فيستحيل إلى حقد فيختنق

وكم يسرني أن أتوقف هنا لأستعير عبارة للناقد وأستاذ الأدب العربي الدكتور نصر عباس خلاصتها:

(وأنت أمام شعر شهاب غانم تتفاعل في داخلك إحساسات ورؤى ومواقف متعددة ويتفنن الشاعر في أحداث انصهارها في بوتقة تفوح فيها رائحة القديم بتساميه وعبق العصر بكل ثقافاته وامتزاج هذا وذاك في إبداع فني يجسده بناء فني متماسك للقصيدة ولغة مشرقة، وقصيدة الشعر عند شهاب غانم تبدو جزءاً من كيانه وترجمة صادقة لروحه وإحساسه ورؤاه ومواقفه تجاه ذاته وواقعه والآخرين)(1).

والعلاقة بين المحب والمحبوب ليست علاقة نظرة فابتسامة ولا علاقة جسد بجسد، أو خاطرة تمر بالشاعر فينطق بآيات الهوى.. بل هي أكبر من ذلك بكثير:

منذ أن أصبحت جزءا من حياتي

أصبح الجزء هو الكل

فقد أصبحت ذاتي

لا تخافي أنني أهذي بإحدى شطحاتي

ربما كنا بجسمين وما بينهما الأيام

تحتاج بحرا وفلاة

ربما كنت أنا مخشوشن الوجه

وتزهو فيك أحلى القسمات

إنما أنت هنا.. في داخلي

في خفقات القلب

في نبض الشرايين

في الأنفاس تجري في لهاتي

فأنا أنت

فقد أصبحت مسكونا بهذا السحر

سكني الشعر بين الكلمات

ولعل القارئ يتساءل: لماذا هذا التهويل والإصرار على إعطاء تلك العلاقة صورة تختلف عن المألوف عن لواعج مجنون ليلى يجيب الشاعر:

وقعت في الحب.. لم يخطر على خلدي

يوماً بأن فؤادي في الهوى يقع

أيام كنت غريراً كان بي نزق

وكان بالغانيات الصيد لي ولع

إذا وصلن تغني الشعر منتشيا

فإن تمنعن كان الشعر يمتنع

لكنه الحب.. شيء جد مختلف

في الوصل والمتع نهر الشعر يندفع

كل الذين لهوا بالحب قد ولهوا

وكل من فتحوا دولابه خضعوا

هل كان قيس قبيل الحب منخبلا

وهل بغير الهوى العشاق قد صرعوا

وفي الختام هذه الوقفة مع الشاعر المهندس الدكتور شهاب محمد عبده غانم يسرني أن أعرف به من خلال التعريف المنشور في مقدمة هذه المجموعة الشعرية (هو الحب):

- ولد في أكتوبر 1940م.

- بكالوريوس هندسة ميكانيكية من أبردين عام 1963م وبكالوريوس هندسة كهربائية.

- شهادة في الإدارة الصناعية من لندن وشهادة في إدارة الأفراد من برمنجهام بامتياز.

- دبلوم ما بعد التخرج في هندسة تطوير موارد المياه من الدرجة الأولى من روركي ثم ماجستير من الدرجة الأولى.

- دكتوراه من ويلز فرع الاقتصاد بكلية الأعمال بكارديف في مجال التصنيف وتطوير القوى العاملة المحلية.

- عمل في مناصب قيادية في مجالات الصناعة والهندسة والإدارة في عدة بلدان، ويعمل حالياً مديراً للشؤون الهندسية في ميناء جبل علي والمنطقة الحرة.

- له أربعة دواوين منشورة هي: (بين شط وآخر) و(بصمات على الرمال) و(شواظ في العتمة) و(صهيل وترتيل).

(1) هو الحب ص88 .

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7699» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الدمام


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة