Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
فضاءات
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 

من أجل شيء ما .. تأتي الحقيقة
محمد المنصور الشقحاء

 

 

من أجل شيء ما: جاءت القاصة المغردة وفاء العمير تحمل الهم الاجتماعي في ملف الشأن النسائي؛ عبر نسيج قصصي له دلالته الزمني والمكاني بصيغة الحلم الذي يحاول نفي الماضي بوصف في صيغة الحاضر، وإحالات إشارية دقيقة عن حياة أبطال القصص.

من أجل شيء ما القصة الحادية عشرة في المجموعة ملخّصها امرأة تلجأ إلى الشاطئ هاربة من إرهاق العمل يحاورها رجل كهل لا تعرفه يشعرها بوجودها فتهمل تنفيذ أمر وصلها عبر الهاتف لتبقى مع ذاتها على الشاطئ.

استطاعت القاصة العمير أن تقول لنا هنا إن بطلة القصة التي أهملت وجودها اكتشفت أن من حقها الحياة، فهي أم نموذجية وأسطورية في الكمال، عندما جلست مع الرجل العجوز تناقش ألمه (الصداع) الذي هو ألمها المستتر في الأعماق، لتكتشف أنّها امرأة أخرى.

تضم المجموعة (16) قصة قصيرة توزعت على (98) صفحة في إخراج أنيق يرغم المتصفح على الاستمرار حتى آخر صفحة الصوت الذكوري جاء مع سعد في قصة انشطار كما جاء مع (أبو ناصر) في قصة حلم مؤجل، وجاء بدون اسم في نص شروع في الحياة ونص رحيل.

القاصة وفاء العمير من خلال قصصها وعملها الروائي المطبوع (في حدة الأشواك) أحد الأسماء الحاضرة الأكثر وعياً بقضيتها التي تحملها قصصها، ففي عمقها مفاهيم وقيم اجتماعية إنسانية سنتوقف عندها كثيراً حتى نشاركها همومها منتظرين الغد.

في قصة وقت خارج من جدار تقف بطلة النص وهي محملة بموقف شنق كل تطلعاتها فلم تتجاوز مكانها، وهي تجد زميلتها في المدرسة سلوى ذات البشرة السمراء التي تعرف كل الحكايات وتسترق السمع ضمن الطبقة المخملية الراقية، فتتلفع بالصمت ليكون الانطفاء الذي تسعى أمها أن تخرجها منه بدفعها لحضور حفل زميلتها، للنص دلالات حملها الوصف للمكان والزمان مع تسليط مرتبك على الراوية وواضح بقصد على صديقتها سلوى؛ التي تلعب الكرة في فناء المدرسة غير مبالية بعقاب مديرة المدرسة في استخفاف بقدرة المعلمات على مواجهتها؛ وقد وظفت القاصة ببراعة فائقة تناقضات المجتمع وفق التعاقب المألوف، في مجتمع ساكن يراقب بعدم مبالاة التشوه النفسي الذي شكل الناس؛ جراء الخوف والمحاباة المضطرية.

وفي قصة غناء امرأة يأتي الانتصار في قول الحقيقة والساردة تقول (هل ستخدع الأخرى) هنا بطلة النص انتصرت للأخرى ولم تنتصر لنفسها، هل هو رهاب الطلاق الذي معه نحمل المرأة أوزاره وإن كان المطلق ثوباً أسود مليئاً بالثقوب وعدم المسئولية، من خلال الحوار داخل النص نشعر أن الاستقرار جاء من خلال الاقتناع بالواقع الذي في أيدينا تبديله فنحن نخشى فتح الباب والركض في الشارع للرجوع إلى نقطة البداية حتى ننطلق من جديد، يهمنا من النص طريقة وصفها وبنائها والدلالة التي نكتشفها بالفهم وليس بالتأويل حيث يرتبط وعينا بالصورة كحالة قائمة.

يؤكد القارئ وهكذا الناقد على أهمية الشخصية التي تسمح بتنامي النص من داخله والتعامل معها كوحة تعددت الصور حولها والقاصة وفاء العمير اهتمت بالشخوص وكأنها الأصل الذي تتشكل فيه الرؤية وهذا نراه في قصة رحيل أكثر حدة وقلق، فهنا حوار بين متنافرين عند جذع نخلة عجوز وجدار طيني (انفتح الكلام على أشواك تندفع إليك من مرآة عشب يابس). هنا العشب اليابس كان في أعماق الأخوين فكان الابتعاد؛ الكلمات المحملة بالدلالات إلى مجموعة (من أجل شيء ما) للقاصة وفاء العمير تنقلنا إلى عالم قصصي تؤطره الخيوط المتناثرة في عالم راكد تتقسمه عولمة وافدة من فضاء غريب تتصور القصة أن المجتمع يمكنه أن يعيش بدونها إذا اكتشف ذاته أنها في هذا السياق (القصصي) تجمع بين طرح الواقع وتناقضاته لتكشف عن مدى فداحة التناقض المصحوب بالخوف في حالة الأنثى: بينما الخوف يتلبس الجميع.

وان لم نجد في القصص الراشحة بالقيم التعبيرية والجمالية التي جسمت المشاعر والأفكار، ثقافة التغيير إلى فعل ما ينهض بحياة أبطال القصص، فالقاصة وهي تندمج في رؤيا أبطال القصص من الجنسين لم تحاول زرع التغيير بصفتها مثقفة ولها مشروعها القائم على الخلق حتى يتم فتح النوافذ لتدخل الشمس وتدب الحياة، لمواكبة الزمن الذي أجده داخل النصوص مفقوداً. انه الاغتصاب للفرح بسوداوية المشهد، فالقصص تنتقل بين عدة فضاءات تندغم في داخل مكان واحد، معه تحاول القاصة تلمس نكهة كل فضاء وسمته المتميزة ونسج الحميميات المعتمدة على الحوار قليلاً والوصف المحدد للمساحات، القصص في هذه المجموعة ترد بعمقها في سياق لغة تسمح بالفهم وإدراك القصد، بهذه المجموعة الصادرة عن وهج الحياة للإعلام بالرياض (2007م) تأتي القاصة وفاء العمير وهي تمنحنا حق التداخل مع إغراءات نسيج جديد بمواقف حميمية وناقمة، كاتبة حقيقية تستحق التقدير.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5151» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة