الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 9th August,2004 العدد : 71

الأثنين 23 ,جمادى الثانية 1425

(هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات)
الفتى مفتاح

* بقلم علوي طه الصافي
إذا ذُكِرت (الإدارة) فهو إداري ناجح، يدرك أن العمل الإداري (الفاشل) هو محصلة، أو نتيجة، أو إفراز للإداري المركزي الذي يجمع بين يديه الوحيدتين كل خيوط كرة العمل، ويستأثر بفعالياته، ويحد من ديناميكيته، ويجعل من (البيروقراطية) سياسة عقيمة لمسيرة العمل، وحركته، واستتلاء لذلك يستبطن أمراضاً نفسية مخبوءة كالأنانية، وفقدانه لروح العمل (الجماعي) المنتجة، وميزة (الثقة) بمن حوله من العاملين !!
ولذلك نأى بأسلوبه في إدارة كل الأعمال على تعددها التي نهض بها عن تلك الطريق التي تقود إلى الفشل الذريع فنجح نجاحاً باهراً اعترف به العدو قبل الصديق !!
لقد عمل في قياداته الإدارية بروح الفريق الواحد الذي تتجمع فيه كل الخيوط، والخطوط، وألوان (الطيف الشمسي) مشكلاً بذلك (قوس قزح) متناغم الألوان، يجذب لا ينفِّر، يوحِّد لا يفرِّق !!
عمل في قياداته الإدارية المختلفة بأسلوب (العصر الحديث) المتمثِّل في (تقسيم العمل) وتوزيع مسؤولياته على كل من حوله فشعر كل عامل بأنه (عضو مشارك)في العمل لا مجرد تابع مسخَّرلرئيسه، يحرِّكه كيف يشاء،ومتى شاء !!
وإذا ذُكِرت (الصحافة) فهو صحافي من الرواد الناجحين، يعرف كيف يختار المادة لصحيفته، ويوظفها توظيفاً جيداً يجذب أكبر شرائح القراء المتلقين من كل الفئات.. ولهذا تبقى الصحف التي أًصدرها مثل (الأضواء) عام 1376هـ الموافق 1957م مع صديقه الراحل (محمد سعيد باعشن) التي استقطبت أقلاماًَ معروفة في مختلف مناطق المملكة مثل (ناصر المنقور، وسعد البواردي، وعبدالسلام الساسي، وهاشم عبده هاشم، وأحمد عبدالغفور عطار، ومحمد حسن عواد، ومحمود عارف، وشكيب الأموي، وعبدالله عبدالوهاب، وعبدالمنعم خفاجي، ومحمد سعيد العوضي، وعبدالله الحصين، وعبدالعزيز مؤمنة، وعبدالعزيز الربيع، وعبدالله جفري، ومحمد كامل فجا، وعبدالعزيز الفرشوطي).
ولجرأة (الأضواء) واشتعال الموضوعات والأخبار التي كانت تنشرها تم إيقافها عن الصدور إثر نشر العددين89 90 بتاريخ 20 51378هـ الموافق 611959م.
ثم أصدر بعدها مجلة (الرائد) التي صدر العدد الأول منها في 13 1379هـ على أساس أنها مجلة تعنى بشؤون الأدب.
وبمناسبة صدور (الرائد) حكى لي قصة طريفة، وهو انه حين ذهب للمسؤول عن إعطاء الرخصة الرسمية لها، سأله المسؤول عن أهداف المجلة فشرح له بما فتح الله عليه من حديث، فإذا بالمسؤول يفجّر قنبلة في وجهه حين سأله: أهي (أم القرى)؟، ورغم دهشة صاحبنا أمام السؤال القنبلة، لأن (أم القرى) هي الجريدة الرسمية التي تنشر المراسم الملكية، ونصوص الأنظمة والقوانين!! لكن صاحبنا كان ذكياً، ولم يظهر جهل المسؤول للحصول على رخصة إصدار مجلته (الرائد) فرد أيضا بذكاء: لا، إنها ليست مثل (أم القرى)، وإنما رديف لها، فأعجب المسؤول برد أستاذنا الصديق (عبدالفتاح أبو مدين) سماه أهله عند ولادته باسم (مفتاح)، ولهذا حين أصدر سيرته الذاتية اختار لها عنوان (حكاية الفتى مفتاح)، وهذا هو سبب اختيارنا لعنوان هذا الموضوع.
ولم تكن (الرائد) أقل اشتعالاً من رصيفتها السابقة (الأضواء) بإثارتها للمعارك الأدبية بين شيوخ الأدب، وشبابه، وكالعادة استقطبت أقلاماً من داخل المملكة وخارجها مثل (طه حسين، وصالح الأحمد العثيمين، وعثمان شوقي، وعبدالله مناع، وعلي دمر، وماجد الحسيني، محمد بن علي السنوسي، ومحمد بن أحمد عيسى العقيلي، وصالح الوشمي، وعلوي طه الصافي، وأمين سالم الرويحي، وعبدالله الحصين، ومحمد عمر توفيق، ومحمد سعيد العوضي، وعلي محمد العمير، وحسن الهويمل، وعبدالله جفري، وعبدالعزيز النقيدان، وهشام ناظر، ومحمود عارف، ومحمود عبدالوهاب، وأحمد عبدالله الفاسي، ومحمد علي قطب، وأحمد عبدالغفور عطار، ومحمد دفتردار، وصالح جلال، وهاشم عبده هاشم، وأحمد ياسين الخياري، وعبدالعزيز الربيع، وعبدالسلام هاشم حافظ، وإبراهيم علاف، ومحمد إبراهيم جدع، وأحمد علي، ومحمد العامر الرميح، ومحمد أبو سليم، وصالح محمد بن سيف، وحمدان صدقة، وعبدالعزيز الفرشوطي، وعباس فائق غزاوي).
وقد تحولت (الرائد) من مجلة إلى جريدة، ثم توقفت عن الصدور بعد صدور (نظام المؤسسات الصحفية) عام 1383هـ الموافق 1964م.
وأعترف ان بداية كتاباتي نشرت في (الرائد) إلى جانب (قريش) بمكة المكرمة ومجلة (الجزيرة) الشهرية بالرياض.
وإذا ذُكِر (الأدب والنقد) فإن أستاذنا (أبو مدين الفتى مفتاح) له من الأعمال ما يجعله من الرواد المؤسسين، وبعد كتابه (أمواج وأثباج) النقدي الصادر عام 1378هـ 1958م الذي يجسد منهجه النقدي الانطباعي، التأثري، الذوقي الذي استلهمه من قراءاته لمارون عبود، وطه حسين، ومحمد مندور، والعقاد، والمازني.. وقد تناول فيه آثار كلٌّ من (عبدالسلام الساسي، وطاهر زمخشري، وحسن القرشي، وأحمد قنديل، وعبدالله عريف، ومحمد عمر توفيق، وإبراهيم فودة).
وقد قدم (عثمان الغامدي) رسالته للماجستير في كلية آداب جامعة الملك سعود بالرياض عن (الجانب النقدي) عند أستاذنا (أبو مدين)، وشارك صديقنا العزيز الدكتور (منصور إبراهيم الحازمي) الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي (بالمناصفة) شارك في مناقشة هذه الرسالة التي يأمل صديقنا الحازمي طباعتها ليحظى بها جمهور القراء حسب رأيه.
ويعد أستاذنا (أبو مدين) من أدباء المملكة، ونقادها، وصحافييها المخضرمين، ويجمع الآخرون على مودته، وتقديرهم لعصاميته من اليتم، والفقر بحيث لم يحصِّل من الشهادات الدراسية غير (الابتدائية) وقد كوّن ثقافته من خلال (التثقيف الذاتي)، وهذه ظاهرة تؤكد انه ليس شرطاً ان يكون خريجو كليات الآداب أدباء، ولو صح ذلك لأصبح الأدباء والنقاد في الوطن العربي يعدون بعشرات الآلاف !!
وأستاذنا (أبو مدين) رغم خضرمته إلا أنه لا يعادي القديم لأنه قديم، ولا يقبل على الجديد لأنه جديد، وإنما يستقبل كل التيارات بصدر رحب، وذهن متفتح، وهي معادلة استطاع تحقيقها من خلال رئاسته لنادي جدة الأدبي لسنوات طويلة محتضناً كل الأصوات الابداعية، ويعد نادي جدة من أكثر الأندية نشاطاً منبرياً، وإصدار الدوريات الجيدة التي يصدرها مثل (علامات) للنقد، و(الراوي) للقصة تشارك بالكتابة فيها أقلام من داخل المملكة وخارجها رغم ما يعانيه من أزمة مالية، إلى جانب عدم الإقبال على النادي من المجتمع رغم أن أبوابه ونوافذه المفتوحة المشرعة للجميع، وللهواء، وضوء الشمس والقمر.
وللتوثيق سأنقل ثلاث شهادات لأصوات مختلفة المشارب، تعكس مكان، ومكانة، وأثر وتأثير أستاذنا (عبدالفتاح أبو مدين).
* الشهادة الأولى لصديقنا الناقد الرائد الدكتور (منصور الحازمي) الذي يقول: (وقد عرف أبو مدين في تلك الفترة أي في أواخر الخمسينيات، وأوائل الستينيات الميلادية بصحيفتيه الرائدتين (الأضواء) و(الرائد) واللتين استقطبتا حولهما الكثير من الشباب ورجال الفكر والأدب. لقد كان أستاذنا من القلَّة الذين يفتحون صدورهم للرأي الآخر، ويستميلون الكثيرين حولهم دون تملُُّق أو رياء.
إن لديه القدرة على التسامح دون التفريط بما يتمسك به هو من آراء شخصية أو مبادئ، لذلك فقد تميزت جميع مشاريعه الثقافية بالعمل الجماعي، وكان من المؤمنين بالحوار الوطني منذ زمن بعيد، ويكفي التدليل على هذه الموضوعية المتسامحة بتبنيه في نادي جدة الأدبي، وفي مجلته وعلامات خلال بدايات القرن الهجري، الثمانينيات الميلادية لجميع الشبان الحداثيين الذين كانوا آنذاك يطاردون في كل مكان، ويرمون بالحجارة، لقد وجدوا فيه بعد الله الملجأ والملاذ، ولم يسلم (أبو مدين) من الاتهام والهجوم، ولكنه وقف صامداً، وفتح أبواب ناديه ومجلاته للعرب والمبدعين والمفكرين من كل مكان، ولولاه، فيما أظن، لفشلت الحداثة في بلادنا فشلاً ذريعاً)(1).
* والشهادة الثانية للناقد الحداثي الثقافي المعروف محلياً وعربياً الصديق العزيز الدكتور (عبدالله محمد الغذامي) حيث يقول:
(لقد قلت مرة إنه لولا أن (أبو مدين) هو رئيس النادي بجدة لما بقيت أنا في النادي عشر سنوات، ولكنت تركته بعد أشهر من انتخابي، لقد كان العمل صعباً، والتحديات كبيرة ومعقَّدة، وردود فعل المجتمع علينا وعلى مشاريعنا وأفكارنا شديدة جداً، وكان من الممكن لأبي مدين ان يضحي أول ما يضحي بي أنا شخصياً، ليسلم من جهة، وليكسب من جهات أخرى، بعد أن صار وجود هذا الحداثي كنائب للرئيس سبباً للمشاكل، وقد صارت المشاكل من كل مكان، حتى جاءت أوامر بفصل أبي مدين من رئاسة النادي، وأعلن ذلك في الصحف، وجرى ترشيح البديل، هذا إضافة إلى ما كان يأتيه من أذىلا يوصف، وملاحقة لا تنقطع!!
ومع هذا لم يأبه بأي شيء من ذلك، لأنه كان مقتنعاً من جهة، ثم لقد كان مطمئناً لعلاقات التشاور التي تربطه بأصدقائه، ولئن لم أخنه قط في مشورة، فإنني أيضا لم أثبط همَّته في أي موقف، اللهم طلب بعض التمهل والتأني في بعض مسائل ليسهل ابتلاعها اجتماعياً، ولم أكن أفلح دائماً في تهدئة سرعته، إذ كان هو من النوع الذي إذا اقتنع لم يردٌّه رادُّ !!
ولقد كان صدره على مقدار جلده من السِّعة والإقدام، حيث لم تكن الأفكار تحتاج منه إلا لبضع كلمات تقولها له لكي يتبنى الفكرة، ويأخذ بالمشورة دون تحرُّج، أو تردد، أو اصطناع مواقف، وويل للفكرة إذا ظهرت له، إنه يأخذها بتلابيبها، ويلاحقها تنفيذا وتبنياً، مهما كانت جريئة وقوية وجديدة !!
ولهذا كنت معه، وكان لي من القبول لرئاسته ولزمالته ما لم أكن أطيقه مع غيره.. وأنا رجل أقول عن نفسي إنني قلق، ولا أحب مسؤوليات البيروقراطية والإدارة، ولذا ظللت أرفض المناصب، صغرت أم كبرت، غير ان العمل مع أبي مدين ولسنوات لم يكن بيروقراطية، ولم يكن ورقيات وروتيناً، بل كان إبداعاً وفكراً، ومواجهة، وضرباً خاصاً من قيم العمل والاستنارة.
ويختتم (الغذامي) كلامه قائلاً: وعلينا ان نتذكر انه هو الرئيس الوحيد في الأندية الأدبية الذي جاء منتخباً من الناس، وبقي بطلب من الناس، ولم يكن معيناً، ولا عبر توسيطات شخصية، وإنه لرائد وأستاذ)(2).
* والشهادة الأخيرة، والختامية للشاعر والأديب الفلسطيني (راضي صدوق) نختار منها هذه الفقرات لعدم الإطالة، حيث قال:
( أتحدث عن رجل عاش كلمة وفكرة وموقفاً حياته كلها، كأنه الأمانة والشجاعة والشرف والالتزام. أتحدث عن رجل انتزع نعاله من وحول المادة اللزجة الدبقة وخوّض في عباب الألق والعطر والضوء، يحمل قلبه وقلمه ومحبرته وقراطيسه على كفه، كما يحمل ناشد الشهادة روحه على راحته، متقحماً غمرات النار والشوك والأفاعي!!
عبدالفتاح أبو مدين رجل من صناعة نفسه وعصاميته. عمل جهيداً وتعب شديداً، حتى كان هذا الرجل القيمة، الكلمة، الموقف الذي نعرفه جميعاً.. رجل الصحافة الرائد صاحب (الرائد) التي أنشأها في أيام العسر، وكل رأسماله أدبه وفكره وحماسته، وجهاده في سبيل ان يضيء الطريق مع غيره من نظرائه من رواد التنوير في ذلك الوقت الباكر القديم. كان في جريدته المموّل على شظف وكان المحرر والكاتب والإداري في المكتب، وكان مصحح التجارب في المطبعة.
وكان يقارع على صفحاتها كل ما يراه فاسداً مفسداً، لا يهادن في حق ولا يسكت قلمه عن ضلال !!
وقد جاءه من يعرض عليه تمويل (الرائد) بالورق وغيرالورق لعل ان يكف قلمه وجريدته عن فضح عوراتهم.. لكنه اختار جانب دينه ووطنه وأمته، غير هيَّاب ولا طامع ولا مرتاب !!
ثم عرفته في (البلاد) أيام كانت الصحيفة البارزة الأولى في البلاد، تولى إدارتها فخرج بها من عسرة إلى ميسرة. حررها من ديونها، وأحرز لها الأرض لبناء مقر يليق بصحيفة عريقة، ثم وفر لها مطبعة حديثة تقوم بها وتنشط في الطباعة لغيرها.. وأضاف فوق هذا كله إلى ميزانية الجريدة وفراً لم تعرف مثله منذ ولادتها.
أبا وديع:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح
فأنت كما نثني وفوق الذي نثني)(3)
alawi@alsafi.com
ص ب (7967) الرياض 11472
(3،2،1) المجلة الثقافية ملحق جريدة الجزيرة العدد (46) تاريخ 2512 1424هـ 1622004م
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved