الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 09th October,2006 العدد : 174

الأثنين 17 ,رمضان 1427

وجوه وزوايا
سعيد شوشة.. كرموه!
أحمد الدويحي

أحياناً مهما حاولت لتشكل عالما تريده، فلا يبقى إلا شرف تلك المحاولة، أحلام كبيرة رأينا غبارها تراكمه السنون فوق رؤوسنا، فلا نعرف كيف ذابت تلك الأحلام، ولا نعرف كيف تراكم هذا الغبار..؟
ويحدث أن لكل منا، عادات وممارسات شكلية في حركاته وسكناته، في جيئته وذهابه، إنصاته وطريقته في الكلام مع الآخرين، الى حد يصبح الإنسان أسيرا لعادته وسلوكياته، فتظل الحياة مملة تسير وبوتيرة واحدة، أكره الالتزام والقيود والمواعيد المحددة بدقة، فتكون ثقيلة تقيدني بوقت كاف قبل حلولها، وتخلق في داخلي اضطرابا، يذكرني بهاجس ليلة السفر، ولا أحب أن أحدد ساعة معينة للكتابة، إذ تقرأ فغصبا عنك تكتب..
وشهر رمضان شهر الغفران وليلة القدر، هذا الشهر المميز في حياتنا له خصوصية كبيرة، فغير هذه الروحانية نقرأها في الوجوه، ونسمعها في مفردات الناس، ونبصرها في سلوكياتهم. فتحدث أشياء غريبة وغير متوقعة، نستطيع أن نقرأ وجوه الناس وحركاتهم وانفعالاتهم قبل ساعات الإفطار، وبالذات الذين تعودوا سلوكيات معينة، وأدمنوا حالات نفسية كالمدخنين على سبيل المثال.
الكتابة والقراءة جزء من هذه السلوكيات، وأنا بطبيعة الحال رجل فوضوي، لن استحيي من هذه الخصلة، فكل الذين يعرفوني يعرفون في هذه الفوضى، وقد فشلت على ان أعوِّد نفسي بنظام معين، فقد اكتشفت بعد نهاية مقال الاسبوع الماضي، أني فقدت كتابا جميلا، كتبت عنه الحلقة الأولى من مقالات الاسبوع الماضي، وهو كتاب (خلف أسوار الحرملك)، للكاتبة الجنوبية عائشة الحشر، وأقول بهذا التحديد لأنها ركزت في بحثها الهائل على التحولات التي أصابت المرأة الجنوبية خلال العقود الماضية، ولم يصب التغيير نظام حياتها وطريقة معيشتها مع الرجل، بل غيروا بسبب هذا الغزو الفكري والمذهبي حتى أسماء النساء فاختزلوا اسمها (الحرمة) جاءت (الحرمة) راحت، بدلا من فلانة بنت فلان في مجتمع لم يكن يقر البقاء لمثل هذه التصنيفات، بحكم طبيعة الحياة الجنوبية، والآن للأسف نسمع من يقول لولا الجهل بالدين، ما كانت لتتم تلك الحالات النسائية الجنوبية القديمة، وهذا كلام فارغ وربي.
على كل حال، ما وجدت كتاب عائشة الحشر، فتشت عنه في مكتبتي ومكتبي وبين مقاعد السيارة، لإكمال ما بدأت قراءته ولم أجده، وقد أثار في داخلي أسئلة كثيرة، وأنا أتخيل حياة المرأة في الجنوب، وحريتها المنقوصة في هذا الوقت بسبب ذلك الغزو لحريتها، فشكوت مرارة هذا الفقد لصديق، كان يقرأ في الجزء التاسع، وبالذات (الجريمة والعقاب) من سلسلة أعمال دستويفسكي، فتخيلت مسافة بعيدة، وليس هناك منطقة وسط يمكن الحوار فيها، فقبل أكثر من خمس عشرة عاما، كنت أقرأ هذا الجزء من السلسلة الروائية للكاتب العالمي، وأذكر أن صديقنا المثقف (الزول) عمر عبدالرحمن، بظرفه وجنونه الجميل أدخلني في حوار تلك الأيام، لا يقل جنونا عن بطل تلك الرواية، وشدني صديقي الحديث الذي تخرج من جامعة الإمام، وبعد الدكتوراة انغمس في قراءة الأعمال العالمية، وبشكل مكثف وهو الحجة والذاكرة في كتب التراث، فجاءت قراءته للآداب العالمية للمتعة والمعرفة معا بعد كل هذه السنوات، وكثيرا ما أسأله: احك لنا كيف هذه التحولات؟
فينظر إلي بثقة وشفقة، وفي كثير من الأحيان، يجيب بسخرية: التمدد الطولي ما ينفع، خليك أفقي ليكون هناك سعة!
هذا الصديق المثقف، وصاحب المكانة العلمية العالية، لا تستطيع أن تقفل معه باب الحوار، فقد يأخذك الى مسارب ودروب ليس بك لها حاجة، وكأنك في رحلة الى مجهول، فإذا أردت الابحار معه في موضوع فعليك أن تتسلح اولا بالمعرفة، وأظن ان الكثير عرفوه، ما علينا يا كثر الذين نعرفهم ولا نعرفهم، فالزمن يسير والله المستعان! حينما نعود الى الوراء بنظرة صغيرة، فكان بالأمس القريب قد جاءني، صوت الصديق محمد زائد الألمعي اظنه اتى من القاهرة والعبرة تخنقه، ومتسائلا بلوعة: (هل مات حقا سعيد شوشة الثبيتي؟) ومع إيماني بأن الموت حق، فقد ظللت لثوان أسبح مع شريط من الذكريات، أتذكر سعيد شوشة الثبيتي من سنوات بعيدة، مثقفا ودودا مع الجميع وصاحب ابتسامة لا تفارقه، أتذكر أن صاحب هذا الاسم قد دخل عقولنا وقلوبنا وبيوتنا، ورافقنا في سكناتنا وحركاتنا لسنوات عديدة، قبل أن نتشرف بمعرفته في الرياض، فكان هذا الاسم رديفا للبرامج الثقافية والجيدة على مدى ربع قرن، أتذكر سعيد الثبيتي حينما جاء أول مرة برفقة صديقه الطائفي الزميل عبدالعزيز الصقعبي لحضور واحدة من أمسيات جماعة السرد، وكان سعيد رحمه الله ودودا محبا حقيقيا وصادقا، وكان يحتضن الجميع بحب وكأنه صديق حميم من سنوات، وفعلا هكذا كان رحمه الله. ظل سعيد شوشة رحمه الله، يداوم على لقاءات السرد سنوات من جمعية الثقافة والفنون الى المقاهي، وقد رافقنا سنوات الى مقر النادي في النهاية، وحينما تعب مع من تعب رحمه الله اكتفى بالسؤال. سألت الطائفي الآخر الزميل محمد الشقحاء، فطمني بأن الثبيتي كما كان ناجحا في حياته العملية وعلاقته بالناس رحمه الله ، فقد كان أبا جميلا ربى ذرية صالحة من الأولاد والبنات، وخلع عليهم أدبه وذوقه وحبه وأخلاقه الفاضلة رحمه الله.
رحل سعيد شوشة الثبيتي والرجل يستحق بجدارة رحمه الله، التقدير والتكريم من المجتمع الثقافي والإعلامي نظير ما قدم، وبالذات من الوزارة ومن أصدقائه ومحبيه في الحقلين والثقافي والإعلامي نظير ما قدم، وبالذات من الوزارة من أصدقائه ومحبيه في الحقلين الثقافي والإعلامي ما أكثرهم، فعيب أن تغيب قاطرة كبيرة من الرموز الأدبية والفنية، وإعلامية لها وزن وقيمة كسعيد شوشة الثبيتي في نظر الأجيال، ثم نتجاهل تكريمهم، وكأن الموت وحده صار تكريما!
كرموه، فالرجل أهل للوفاء والتكريم رحمه الله، فقد حمل همومنا وأوجاعنا وأحلامنا وأفراحنا على مدار ربع قرن، وأكثر رحمه الله.


aldw17y1000@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
حوار
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved