الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th January,2005 العدد : 91

الأثنين 29 ,ذو القعدة 1425

مخضوب البنان
د. عبد السلام العجيلي
قال هو لصاحبه: هل أنت من أعداء المرأة؟
قال الصاحب: أعوذ بالله. أنا مقدّر للمرأة أحسن تقدير، سواء كانت أما أو أختا أو زوجة أو ابنة، أو صديقة فاضلة. بل إني معتقد أن المرأة بصورة عامة مظلومة من قبل عالمنا الذكوري في كل الأزمان والأصقاع. من أين جئت لي بهذا السؤال؟
قال هو: من ترديدك عليّ هذه الأبيات الأربعة منذ الصباح. لسانك لا يجري إلا بها. قائلها لا بد أن يكون من ألد أعداء النساء، واستشهادك بها يعني أنك معجب بما يقول.
قال الصاحب: إنها أبيات قديمة. منظومة قبل أن يصبح عدو المرأة لقبا يطلق على فئة من الناس البارزين أمثال شوبنهاور وتوفيق الحكيم. تستطيع أن تقرأ هذه الأبيات في العقد الفريد، فهي موجودة فيه وإن لم يسمّ صاحب العقد قائلها.
قال هو: حسنا. ولكنك بتلاوتها عنيّ واستعادتها تعني أنك موافق على ما ورد فيها من آراء ظالمة.
قال الصاحب: الصحيح أني موافق على منطوق البيت الرابع منها فقط. ولهذا أكرر تلاوة هذه المقطوعة لأن معنى رابع أبياتها لا يتضح إلا بتلاوة سابقيه. سأعيدهن عليك لتتحقق من صدق قولي. هل أفعل؟
ضحك هو من تعلق صاحبه بهذه الأبيات المستعادة وأشار برأسه
لصاحبه أن نعم. فراح الصاحب يتلو تلك الآبيات قائلا:
تمتع بها ما ساعفتك، ولا تكن
جزوعا إذا بانت، فسوف تبين
وخُنها، ون كانت تفي لك، إنها
على مدد الأيام سوف تخون
وإن هي أعطتك الليان فإنها
لآخر من خلانها ستلينو
إن حلفت لا ينقض النأي عهدها
فليس لمخضوب البنان يمين
قال هو: ناظم هذه الأبيات عدو للمرأة حقا. فهل أنت من شيعته؟
قال صاحبه: قلت لك إني معه في البيت الرابع فقط. وذلك لحادثة شخصية مرت بي منذ أيام قليلة. وأروي لك الحادثة.
قال هو: تفضل.
قال الصاحب: تعرف أني، لشهرتي الأدبية التي يراها الكثيرون واسعة، مقصود من ناشئة المتأدبين، وأحيانا من المعروفين منهم، لقراءة أعمالهم وتقييمها وإبداء ملاحظاتي عليها. بعضهم، وبعضهن بصورة خاصة، لا يكتفون بإبداء رأيي في الأعمال المعروضة عليّ بكلمات شفهية، بل يطلبون أن اسجل آرائي كتابة. فعلت هذا مرات عديدة في البداية. ولكني اكتشفت أن آرائي المكتوبة استغلت استغلالاً سيئا من بعضهم مما سبب لي إحراجات ومزعجات، وهذا مما جعلني أتوقف عن التسجيل بالكتابة رأيي الذي أعطيه شفهيا لمن يطلبه. والحادثة الشخصية التي أشرت إليها هي واحدة من هذا عن القبيل.
سأله هو: ما هي الحادثة بالضبط؟
قال صاحبه: يرجع أصلها إلى عام أو عامين، لست متأكدا من ذلك. فقد عرضت عليّ إحداهن، قبل عام أو عامين، قصيدة لها لا تخلو من شاعرية حقيقية، وسألتني عن رأيي فيها. أعطيت رأيي بصراحة ذاكرا ما
أعجبني فيها ومنبها إلى ما يؤخذ عليها. طلبت الشاعرة مني أن أسجل لها هذا الرأي على ورقة كانت بيدها، فامتنعت وعرّفتها بمبررات امتناعي، وأهم تلك المبررات عدم رغبتي أن تنشر آرائي فيما أقراه في الصحف أو في مقدمات الكتب التي أبدي رأيي فيها أو على الأغلفة الخارجية لتلك الكتب، كما جرت العادة في هذه الأيام. أقسمت الشاعرة بكل يمين على أنها تريد الرأي لنفسها ولن تنشره في أي مكان.
قال هو: ولماذا هذا التشدد منك يا صاحبي؟
رد عليه صاحبه بقوله: لي المبررات الكثيرة التي عددتها لها ولا أريد أن أطيل عليك بسردها. لقد ألحت بالطلب مشفوعا بالقسم على أنها تريد الاحتفاظ برأيي مكتوبا لنفسها، وأنها لن تطلع إنسانا آخر عليه. لم يكن لي غير أن أستجيب لها، وأن أكتب ذلك الرأي على تلك الورقة.
قال هو: وماذا في هذا من الغرابة؟
تابع الصاحب حديثه قائلا: الغرابة أنني منذ أيام قرأت في إحدى صحفنا قصيدة هذه الشاعرة وتحتها رأيي الذي كنت كتبته لها وأقسمت
لي بكل يمين ألا تطلع عليه أحدا. أطلعت عليه قراء تلك الصحيفة وحدهم! فأين ذهبت تلك الأيمان؟ هذا ما ساق إلى بالي الأبيات الأربعة، وآخرها الذي يقول:
وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها
فليس لمخضوب البنان يمين
ألا تراني على حق في استشهادي بهذا البيت في فعلة هذه الشاعرة؟
قال هو: على علمك أن خضاب البنان أصبح يدعي اليوم (مانيكور). والذنب ذنبك على كل حال. كان عليك أن تضع الأمر في حسابك ما دمت تحفظ هذه الأبيات منذ القديم. وأزيدك أن ليس أعداء المرأة من مثل صاحب هذه الأبيات وحدهم الذين يتهمون مخضوبات البنان بأنهن لا يصدقن في أيمانهن.
أبو الطيب المتنبي، ولم يكن عدوا للمرأة وإن كان متعاليا عليها، قال الذي قال ناظم أبياتك تلك. قال وهو يصف طبع الحسان من النساء:
إذا غدرت حسناء وفّت بعهدها
فمن عهدها ألا يدوم لها عهد
قال صاحبه: لعلي مثل المتنبي. ليس بي عداء للمرأة، وإنما كان يجب أن أعرف من خصائصها ما حفظته في رابع الأبيات. ترديدي لها أمامك لم يكن لأبي عدو للمرأة، بل لاكتشافي كم كنت مخدوعا بها. وأنا معك في أن الذنب ذنبي لأني لم أحسن الاستفادة مما حفظته. فاعذرني يا صديقي على هذا... وسلام الله عليك.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved