الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th January,2005 العدد : 91

الأثنين 29 ,ذو القعدة 1425

لماذا كل هذه الجرأة والافتراء على الأدب الإسلامي ؟!
د . عبد الله العريني

العدل أساس إنسانية الإنسان في هذا الكون ومعيار تحضره ورقيه، والانتقاص منه أو خيانته قصور في هذه الإنسانية ووصمة عار على جبينها.
لهذا أمر الله سبحانه الإنسان المسلم بالعدل وربط العدل بالإيمان في قوله تعالى
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } ونهى في الآية نفسها عن اتباع الهوى { فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ } (النساء 135) وعيوب الآخرين أو الاختلاف معهم في الرأي يجب أن لا تمنع الإنسان المسلم من قول الحق والعدل، يقول تعالى في هذا الشأن: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } (المائدة 8).
قرأت في العدد (82) من ملحق الجزيرة الثقافي ليوم الاثنين (11 91425ه) مقالاً للأستاذ عبد الله السمطي عن الأدب الإسلامي، وهو يحمل رغبة في الفرقعة الصحافية على حساب الموضوعية والحق في صفحتيه (12، 13) عناوين مستفزة مثيرة، مكتوبة بالبنط الكبير، بعضها ذو معنى وبعضها لا معنى له: (إشكاليات منهجية.. وتصورات لا تقطع بين الواقعي والمثالي..)
وما كنت أحب الرد، ذلك أن الاختلاف في الرأي أمر طبيعي، والذين يعارضون الأدب الإسلامي لا يزالون يتشبثون بمقولات يعيدونها ويكررونها على طريقة (شنشنة أخزم) من غير أن يقرؤوا أو قرؤوا وتجاهلوا الردود الكثيرة التي كتبت في دحضها، حتى كأن ركوب الرأس، والتشبث بالمواقع، وعدم الرجوع إلى الحق، قد غدا من الآفات التي ابتلي بها العقل العربي.
ولكن ما ورد في المقال المذكور وقد صار ذلك أسطوانة كررها الكاتب أكثر من مرة يجاوز أن يكون خلافاً في الرأي، ويعدو النقاش الموضوعي ليصبح في بعض جوانبه مهاترة، واستفزازاً، وتطاولاً على أشخاص أجلاء تكن الأمة لهم من التوقير والإجلال ما لا يخفى على أحد.
ولأن في هذا المقال من الأغاليط والافتراءات الكثير مما لا يتسع المقام لتفنيده جميعه، أتوقف عند بعض النقاط:
(1) أولية الأدب الإسلامي
ما أكثر ما كتب في بيان تاريخية الأدب الإسلامي، وأنه بدأ بنزول القرآن الكريم، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم فهو أدب رباني، ذلك أن القرآن الكريم هو الذي غرس بذرته الأولى عندما قسم الكلمة إلى نوعين: طيبة وهي كلمة الإسلام، وخبيثة وهي كلمة الكفر والضلال، وهو كذلك الذي قسم الشعراء فريقين: الغاوين، والمؤمنين: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ }224{ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ }225{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ }226{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} فالأدباء
كما هو واضح في المقياس القرآني ليسوا سواء، والأدب ليس كله سواء: فيه الحق والباطل، والإيمان والكفر.
ثم وضح النبي عليه الصلاة والسلام هذا التنظير القرآني في عشرات الأحاديث والمواقف التي أثرت عنه، فهو يقول عن شعر الحق والخير: (إن من الشعر لحكمة) كما يقول في مقام آخر: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير من أن يمتلئ شعراً). وكتاب الدكتور ناصر الخنين (الالتزام الإسلامي في الشعر) يضم بصورة علمية موسعة مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في نوعي الشعر: المقبول منه والمرفوض.
وهل الأدب الإسلامي إلا هذا الذي يذكره القرآن والحديث الشريف ؟ وعلى الرغم من وضوح هذه (الأولية) لا تزال طائفة تماري فيها، بحجة أن هذا المصطلح لم يستعمل في تراثنا الأدبي والنقدي، وكأن العبرة باللفظ لا بالمعنى، إن دلالة هذا المصطلح المعنوية واضحة كل الوضوح في التنظير القرآني والنبوي كما أشرنا، وفي عشرات بل مئات من أقوال الصحابة والعلماء والنقاد التي لو شاء متحرِّي الحق البحث عنها لأرشدناه إليها.
ولقد كنا نسمع من يقول إن مصطلح الأدب الإسلامي لفظيا كما ذكرنا مبتدع، لا عهد للتراث به، وكأن هذا المصطلح هو الوحيد الذي نستعمله ولا عهد للتراث به، ولكن كاتب المقال يتجاوز هذا الحد من الخطأ ليربط في إيحاء غير محمود بين نشأة الأدب الإسلامي وأحداث سياسية معينة: كالثورة الإيرانية، والجهاد في أفغانستان، ومقتل السادات وغير ذلك، مما أصبح يصنف عند قوم في ظل المتغيرات الراهنة في خانة (الإرهاب) و(التطرف)، ضارباً صفحاً عن جملة أمور لا تخفى إلا على جاهل للحقيقة أو متعمد تجاهلها، منها:
1 تاريخية هذا الأدب التي تعود: إبداعاً وتنظيراً كما ذكرنا إلى بدء الدعوة الإسلامية.
2 أن محاولة وضع مصطلح لغوي لهذا الأدب الذي عرفت دلالته المعنوية منذ مجيء الإسلام ترجع إلى ما قبل هذه الأحداث التي ذكرها المقال بحوالي أربعين أو ثلاثين سنة على أقل تقدير ؛ فقد ظهرت الدعوة إلى
الأدب الإسلامي عند أبي الحسن الندوي منذ منتصف القرن العشرين الميلادي وربما قبل ذلك وهو يقول عن كتابه (مختارات من أدب العرب) الذي ألفه عام (1940م) : (إنها تمثل الأدب العربي الإسلامي في جميع مظاهره ومناحيه..).
كما أشار الندوي إلى أن الأدب الإسلامي بشكل ضمني في خطابه الذي ألقاه في مجمع اللغة العربية بدمشق عام (1957م) بمناسبة اختياره عضواً فيه.
بل إن الندوي كما يقول الأستاذ عبد الله الوشمي في أطروحته العلمية عنه في محاضرة له عام (1958م) يدعو صراحة إلى إنشاء منظمة للأدب الإسلامي.
وتحدث الدكتور نجيب الكيلاني
رحمه الله في كتابه (الإنسانية والمذاهب الأدبية) عن الأدب (الإسلامي القديم) وعن (الأدب الإسلامي الحديث)، بهذا المصطلح، وعن كثير من القضايا النقدية التي تتعلق بهذا الأدب، وترجع طبعة الكتاب الأولى إلى عام (1962م) وبعضه مقالات نشرت قبل هذا التاريخ بكثير.
فالاهتمام بالأدب الإسلامي بهذا المصطلح اللغوي بدأ منذ منتصف القرن العشرين، هذا إذا لم تذكر تلميحات الرافعي الكثيرة إلى هذا الأدب، وإلى دعوته الدائمة إلى ربط الأدب بالدين، وعدّه القرآن الكريم: أسلوباً ومضامين وأهدافاً مصدراً للأدب العظيم (الذي لا يُستخرج له من القرآن الكريم إلا تعريف واحد: إن الأدب هو السمو بضمير الأمة) (وحي القلم: 3 210) وقد توفي الرافعي عام (1937م).
ومن ثم فإن من الافتراء البيّن ربط نشأة الأدب الإسلامي بهذه الأحداث التي يقال فيها اليوم ما يقال.
3 وإن هذا الربط، وتجاهل تاريخية هذا الأدب وعمقه الزماني، فيه من الإلماع التحريضي ما يوحي بوسم هذا الأدب بسمة الإرهاب أو التطرف، مع أن من أهداف هذا الأدب الكبرى محاربة الإرهاب والتطرف عند طائفتين: طائفة الغلاة المتشددين في الدين، المكفرين لطوائف المسلمين، وطائفة الغلاة المتطرفين من الحداثيين والعلمانيين، الذي تجرؤوا على دين الأمة وقيمها وثوابتها، حتى بلغ الغلو بواحد كأدونيس أن يجعل (الإلحاد) مرتكزاً فكرياً لا تقوم الحداثة إلا به، فيقول: (إن منطق الإلحاد يعني العودة إلى الإنسان في طبيعته الأصيلة، وإلى الإيمان به من حيث هو إنسان، فما دام الإنسان تابعاً للغيب لا
يمكنه بحسب هذا المنطق أن يكون إنساناً.. إنه الإلحاد أول شكل للحداثة، ذلك أن نقد الوحي في مجتمع يقوم على الوحي ليس بحسب المنطق الإلحادي الشرط الأول لكل تقدم وحسب، وإنما هو أيضا الشرط الوحيد لكل تقدم: الثابت والمتحول: 89، 90).
(2) نظرية الأدب الإسلامي
وإذا كان المشتغلون بالأدب الإسلامي لمّا يتوصلوا بعد إلى وضع نظرية شاملة لهذا الأدب، فإن ذلك لا
ينطبق على الأدب الإسلامي وحده، بل على الأدب العربي عامة، إذ لم يتوصل الباحثون والنقاد العرب المعاصرون إلى الآن إلى وضع نظرية خاصة (للنقد العربي الحديث) وما يزالون يخبطون في ذلك خبط عشواء، ويتسكعون على موائد النقد الغربي، يردّدون آراءه وأفكاره التي يلعن جديدها قديمها، بل ينسفه من الجذور نسفاً. وأما النقاد العرب القدماء فلم يشغلوا أنفسهم كثيراً بفلسفة الأدب، وتعريفه، والتنظير له.
ولا يزال عمر الدعوة إلى الأدب الإسلامي الحديث قصيراً بالقياس إلى الأدب العربي الحديث، ومع ذلك فالمشتغلون بالأدب الإسلامي جادون أكثر من أية فئة أخرى في وضع هذه النظرية، وهي جزء من رسالتهم لمواجهة تغريب الأدب الحديث، وقد صدرت عشرات الكتب والدراسات التي تجتهد في هذه المحاولة، وتسعى إليها بجد وإخلاص.
ويبدو لي شخصياً أن مسألة التنظير أقل أهمية من مسألة الإبداع، فالأدب الإسلامي شأن كل أدب يتجذر وتتضح ملامحه بالإبداع الأدبي على وجه الخصوص، ويكون التنظير ثمرة هذا الإبداع.
(3) التصور الإسلامي
الأدب الإسلامي أدب منفتح على كل المذاهب والتيارات، ولا ضابط لديه فيما يأخذ أو يدع إلا (التصور الإسلامي) وليس صحيحاً ما ذكره كاتب المقال من (أن تعبير التصور الإسلامي فضفاض غير منضبط) ولو صح ذلك وما هو بصحيح لما أمكن الكلام على أي ضرب من ضروب الأنشطة الفكرية الإسلامية: لا ثقافية، ولا اقتصادية، ولا فكرية، لأن التصور الإسلامي لها في وهم الكاتب فضفاض لا يضبط.
وهذا كلام خطير أرجو أن يدرك الكاتب أبعاده جيداً، وألا يلقيه هكذا على عواهنه، فهو يشكك في وجود ثوابت إسلامية يمكن أن يفيء إليها المنظرون لفكر إسلامي، أو وجود رؤية عامة يمكن أن تشكل هذا الفكر.
إن في الإسلام ثوابت لا يختلف حولها اثنان من المسلمين، ثم هنالك بعد متغيرات في الفروع والجزئيات، تتعدد فيها الرؤى، في الفقه، وفي التفسير، وفي الحديث، وفي الأدب كذلك.
في الأدب الإسلامي رؤى متعددة، ولكنه تعدّد في إطار التوحد الذي يضبطه (التصور الإسلامي) النابع من ثوابت العقيدة التي لا شك فيها، ولا خلاف حولها.
(4) الأدب العربي الحديث
وما فيه من انحراف
يقول كاتب المقال: (أما الأدب العربي الحديث فلا يوجد فيه أدب مزوّر أو منحرف، إنها إبداعات تحمل قيم عصرها) وهذا من أعجب القول ؛ إذ ما أكثر الانحرافات في الأدب العربي الحديث: عقيدةً، وخلقاً، ولغة، وقد كتب الدارسون حول هذا مما أحسب أن الكاتب اطلع عليه، ويعرفه جيداً عشرات الكتب والدراسات التي تبيّن انحراف أدب الحداثة ولا سيما عند الرموز والمشهورين عن دين الأمة وفكرها وذوقها ولغتها، وأوردوا من
النماذج الصارخة الدامغة على هذا الانحراف ما لو رجع الباحث إلى بعض منه لرجع عما قال.
لقد كتب الدكتور سعيد الغامدي رسالة جامعية موثقة حصل بها على درجة علمية رفيعة عنوانها (الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها) وهي رسالة ضخمة في ثلاثة مجلدات، تتحدث عن انحرافات خطيرة في أدب الحداثة، ومن قبله وضع الدكتور وليد قصاب كتاب (الحداثة في الشعر العربي المعاصر: حقيقتها وقضاياها) وكتب عشرات المقالات التي تحدثت عما أصاب الأدب العربي الحديث عند طائفة الرموز، وأساطين الحداثة من تزوير وتهجين وتغريب.
وما هذا الانحراف العقدي والفكري والفني الذي أصاب كثيراً من نماذج الأدب العربي الحديث إلا أحد الأسباب التي حملت على الدعوة إلى أدب أصيل يصحح مسار الأدب العربي، ويعيده إلى دوره الفاعل في البناء والإصلاح..
(5) العصبية المقيتة
خط كاتب المقال عن العلامة الجليل أبي الحسن الندوي كلاماً كثيراً مضطرباً، أقل ما يوصف به أنه ينطوي على عصبية اجتثها الإسلام ولعن مبتعثيها، ولا يتسع المقام للرد على جميع ما أورده من كلام على هذا الرجل، وحسبي الوقوف عند بعضه:
يقول كاتب المقال في اندفاعة غير متزنة: (أرفض رفضاً قاطعاً أن يحدد لي رجل غير عربي مهما كانت وضعيته كيف أكتب في لغتي العربية، وماذا أكتب ؟ وأرفض أن يتدخل في قوانيني البلاغية.. إلخ)
وهذا كلام متداعٍ من وجوه:
1 فنحن لم نر أبا الحسن يحدد للكتّاب العرب ماذا يقولون أو كيف يقولون كما يصور كاتب المقال، ولكن الرجل العلامة الجليل بالعربية وأدبها أبدى رأيه، وقد نتفق معه أو نختلف، وتلك قضية أخرى.
2 ثم إن أبا الحسن وهذا ما يجهله الكاتب عربي الأصل، إذ يتصل نسبه بالحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وهو زيادة على عربية النسب عربي اللسان فصيحه. والعربية ليست جنساً ولا عرقاً، ولكنها كما ورد في الأثر لسان: (ليست العربية من أحدكم بأب ولا أم، ولكن العربية لسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي). وأبو الحسن لم يكن يتكلم العربية فحسب، بل كان يتقنها ويعرف آدابها أكثر من كثير من أهلها المتخصصين في علومها، ثم هو زيادة على المعرفة والإتقان بليغ فصيح كما يعرف ذلك من قرؤوا ما كتبه بالعربية، فهل ينكر أحد على عالم جليل مثل هذا أن يبدي رأياً في الأدب العربي سواء أعجبه هذا الرأي أو لم يعجبه ؟
إن أبا الحسن بمقياس الحسب والنسب، وبمقياس الشرع والعلم والموضوعية عربي عالم بليغ، فكلامه رأي لا بد أن يُوَقر ويُحترم وهو وإن لم يتفق معه الكاتب أو غيره كلام ذواقة خبير، بصير بعلوم العربية وفكرها، ومن الجهل أن نمارس في حقه لأنه لا يحمل الآن الجنسية العربية هذا الإقصاء والإزراء.
3 ولعل كاتب المقال لا يجهل أن أغلب العلماء الذين صنفوا في قواعد العربية وآدابها وبلاغتها هم من غير العرب، لا يجهل أحد منا سيبويه، ولا
أبا علي الفارسي، ولا ابن حني، ولا السكاكي، ولا القزويني ولا مئات العلماء المسلمين من غير العرب الذين أسهموا في صنع الحضارة الإسلامية.
4 ومن الافتراء الفاحش على أبي الحسن الندوي القول إنه كان يكره الشعر العربي، وينظر إليه نظرة دونية وهذا دليل على أن الكاتب لا يعرفه أقل المعرفة، بل كان الرجل محباً للشعر العربي، معجباً به، كانت له على هذا الشعر ملاحظات، كما لنا نحن العرب ملاحظات، ألم يفضل حازم القرطاجني العربي الشعر اليوناني في بعض الجوانب على الشعر العربي ؟.
5 وإشادة أبي الحسن بإقبال العظيم لا لأن إقبال غير عربي كما يؤول ذلك أصحاب العصبية، بل لأن إقبالاً من عظماء شعراء الإسلام ومفكريهم في هذا العصر، وقد شهد العرب له بذلك قبل قومه، وحسب الجاهل به أن يقرأ ما كتبه عنه الدكتور عبد الوهاب عزام الذي ترجم شعره إلى العربية، وما كتبه الدكتور نجيب الكيلاني في مؤلفه (إقبال: الشاعر الثائر) وغيرهما من العرب.
ثم إن الندوي الذي يعرف العربية وعدة لغات، وقرأ إقبال بلغته أقدر الجميع على الحكم على شاعريته.
إن الإسلام هو الذي صنع إقبالاً وأمثاله، كما صنع من قبل كثيراً من مفكري المسلمين من غير العرب ممن لا تحصى أسماؤهم، ولم تصنعهم القومية العربية ولا العصبية الجاهلية.
(6) الأدب الإسلامي أدب النص
إن الأدب الإسلامي لا ينظر إلى القائل بل إلى المقول، وهذا قضية في غاية الأهمية، فالأدب الإسلامي لا يكفِّر أحداً، ولا يبدِّع، ولا يفسِّق، كما يُفترى عليه، ولكنه يتعامل مع النص وحده بصرف النظر عن قائله، فإذا ما كان النص متفقاً مع التصور الإسلامي فهو من الأدب الإسلامي كائناً ما كان توجه صاحبه، ولذلك قد يوجد الأدب الإسلامي عند جميع الكتاب المسلمين
مهما كانت انتماءاتهم، ولكن هذا لا يعني في المقابل كما يوهم كاتب المقال أن كل مسلم يصدر عنه بالضرورة أدب إسلامي، بل قد يصدر عن الأديب المسلم ما هو أدب إسلامي وما هو غير إسلامي، كما يصدر عنه في سلوكه العادي الحسنات والسيئات من دون أن يخرجه ذلك عن جادة الإسلام، فالإسلامية منصرفة إلى النص لا إلى الشخص.
(7) الأدب الإسلامي
غير الأدب الديني
لأن الأدب الديني لا يحدّد ديناً أولاً، وهو إذ يعني الدين الإسلامي قد ينصرف إلى موضوعات معينة: دينية، أو عبادية فقط، وأما مفهوم الأدب الإسلامي فهو مفهوم شامل واسع، يتصل بأي موضوع من الموضوعات: دينية، واجتماعية، وعاطفية، وذاتية، وغير ذلك، فهذا الأدب يعالج كل صغيرة وكبيرة من شؤون الكون والإنسان والحياة مهما كان نوعها من منظور إسلامي.
(8) الالتزام لا يغتال الفن
والالتزام وخاصة الإسلامي لا يغتال الفن، ولا يتنافى مع الحرية (ولا يجعل المبدع في قفص الشرط) كما يقول كاتب المقال.
فالالتزام الإسلامي عفوي تلقائي اختياري، وقد أبدع كتاب كثيرون، في إطار الالتزام، وجاء إبداعهم قوياً نابضاً بالحياة والفن مادام الالتزام اختياراً شخصياً نابعاً من حرية الأديب وإحساسه بالمسؤولية وليس مفروضاً عليه فرضاً.
وما الدعوة الآن إلى تجريد الأدب من الوظيفة والنفعية بحجة الحرص على نقائه وصفائه إلا دعوة فائلة، وهي من دعاوى الحداثيين التي لم يلتزموها هم أنفسهم، بل قدموا لنا أدباً (مؤدلجاً) فاقع الأدلجة ؟؟
(9) الأدب الإسلامي وثقافة الآخر
يوهم كاتب المقال أن الأدب الإسلامي المعاصر غير منفتح على الآخر، وأنه يعادي المذاهب الحديثة، على حين أن (الإنتاج الأدبي الإسلامي عبر القرون المتوالية لم يكن بريئاً من سمات التأثر بالثقافة الفارسية واليونانية..).
إن الأدب الإسلامي المعاصر أدب منفتح على ثقافات الآخرين جميعها، ولكنه يختلف في هذا الانفتاح عن غيره بامتلاكه رؤية خاصة تقوم على البصيرة والاختيار، فهو لا يأخذ من المذاهب الغربية كل ما هبّ ودبّ كما هو حاصل عند كثيرين من المنفتحين بدون ضوابط عقدية وخلقية.
إنه يأخذ ويدع، ينتقي ويختار، يغربل ويصفِّي، ضابطه كما كان الحال عند أجدادنا الذين أشار إليهم الكاتب في أخذهم عن الفارسية واليونانية وغيرهما أن يكون المأخوذ متفقاً مع عقيدة الأمة ولغتها وذوقها الفني، وهو عندئذٍ (حكمة ضالة) يبحث عنها، ويجري وراءها.
وبعد.. فقد أطلت ولم أرد على جميع ما ورد في المقال المذكور من افتراءات وأغاليط كثيرة، ولعل في هذا القليل الذي أوردناه إلماعاً إلى الكثير المسكوت عنه.
ورحم الله امرأً عرف الحق فرجع إليه.
لم يكتفِ الأستاذ عبد الله السمطي بمقال واحد يفتري فيه على الأدب الإسلامي ورابطته العالمية وأعضائها، بل عادت ثقافية الجزيرة لتنشر له في عددها (84 يوم الاثنين 910 1425هـ الموافق 22112004م) مقالاً آخر لا يقل عن سابقه الذي رددنا عليه من قبل افتراءات وأغاليط وبُعدا عن المنهجية والعلم والإنصاف.
وما كنا نحبّ أن ننجر إلى الرد لولا أن الكاتب تمادى في القول، وتناول أسماء معينة، ثم غلا فما استثنى، أو كاد، أحداً من كتاب الرابطة وأدبائها الذين فيهم صفوة من المبدعين والنقاد الذين لا يغمط مكانتهم إلا مكابر أو معاند.
ولنمضِ في استقصاء أبرز المسائل التي أثارها المقال ولنرَ مقدار التجني عندما ينْشُد المرء الانتصار للرأي لا الانتصار للحق.
تعريف الأدب الإسلامي
عرفت رابطة الأدب الإسلامي هذا الأدب بأنه (التعبير الفني الهادف عن الإنسان والكون والحياة وفق التصور الإسلامي)، وهو تعريف دقيق، فيه العام المتعلق بالشكل، وفيه الخاص المتعلق بالرؤية الفكرية.
أما العام فينطبق على الآداب جميعها مهما كان توجهها، إذ هو (فن جميل) أو (تعبير فني وسيلته اللغة).
يقول محمد مندور في كتابه الأدب وفنونه (ص 5) عن الأدب كما عرفه الأوربيون: (الكلام العادي لا يعتبر أدبا لأنه ليس له خصائص الأسلوب الأدبي اللغوية.. وإذا فقد القيم الجمالية فقد كونه أدبا..).
ويورد شكري ماضي عددا من تعريفات الأدب، منها أنه (فن لغوي، أو لغة الخيال، أو كيان لغوي، أو صياغة لغوية لتجربة إنسانية عميقة، أو أنه استخدام خاص للغة لتحقيق هدف ما: في نظرية الأدب: ص 11).
ومن تعريفات الأدب التي يوردها عز الدين إسماعيل في كتابه (الأدب وفنونه): ص 14، أنه (فن الكلمة).
ولو مضينا نستقصي عشرات التعريفات لطال بنا المقام، ولوجدناها لا تخرج جميعا عن تصور الأدب بأنه (تعبير فني) أو (تعبير جمالي) أو (فن الكلمة) بما لا يخرج عن هذا العام الذي حدده تعريف الرابطة للأدب الإسلامي.
ولا أدري لمَ حرّف الكاتب تعريف الرابطة من (التعبير الفني الهادف) إلى (التعبير الجميل) ثم بنى على ذلك مجموعة من المماحكات التي لا معنى لها، حول اختلاف مفهوم الجمال من لغة إلى أخرى، مما هو من البدهيات التي لا يختلف حولها اثنان ؛ إذ هل يشك أحد أن لكل لغة جماليات خاصة بها ؟..
ومع صحة تعريف الأدب بأنه (التعبير الجميل) الذي هاجمه الكاتب فقط لظنه أن الرابطة تتبناه، إلا أن تعريفه (بأنه التعبير الفني الهادف) هو أدق من وجوه، ف (الفنية) أولا أوسع مدلولا من (الجمالية) وأكثر تقانات، ثم إن تقييد (التعبير الفني) أو (الجمالي) بوصف (الهادف) يميزه من الفن المجرد، أو الجمال المجرد، لأن الجميل في التصور الإسلامي لا يكون جميلا إذا لم يكن نافعا مفيدا ذا هدف، وإلا فهو عندئذ كجمال (خضراء الدمن) الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان تعريف الأدب الإسلامي من الناحية الشكلية بأنه (التعبير الفني) من العام المشترك كما ذكرنا، فإن تقييد رؤيته بوصف (وفق التصور الإسلامي) هو من الخاص الذي يميز هويته، وإذا كان لكل أدب رؤية فكرية تصدر عن منابع معينة، فإن ما يميز الأدب الإسلامي هو صدور رؤيته عن عقيدته. و(التصور الإسلامي) الذي يصدر عنه واضح تحدده ضوابط الشريعة وثوابتها ونصوصها القطعية، وليس فضفاضا غير منضبط كما ادعى الكاتب في مقاله السابق وفي هذا المقال، إذ لو صح ذلك وما هو بصحيح قطعا لانتفى وجود ثوابت في الإسلام يُرجع إليها في التنظير لأي لون من ألوان المعرفة الإسلامية، وهو كلام خطير أرجو ألا يكون الكاتب على دراية بأبعاده الحقيقية، لأن الدراية ها هنا أعظم مصيبة من عدم الدراية.
أيبدع المسلم دائما أدباً إسلامياً ؟
من مغالطات الكاتب التي أصرّ عليها في هذا المقال كذلك أن (كل أبناء الإسلام يبدعون وفق التصور الإسلامي) ولا يخفى على أحد بطلان هذا الكلام وفساده، إن ذلك والله لمطمح أثير، ولكنه عزيز، فأبناء المسلمين لا يبدعون (دائماً) وفق هذا التصور، وإلا لما كانت هنالك حاجة إلى الدعوة إلى أدب إسلامي، ولكن لأن بعضا، وهو بعض غير قليل، ممن ذكرهم الكاتب وغيرهم، يبدعون (أحيانا) خارج التصور الإسلامي، بل يصدر عنهم (أحيانا)، ما يشكل اعتداء على هذا التصور.
أين يصنف الكاتب قول بشار بن برد:
إبليس أفضل من أبيكم آدم
فتبينوا يا معشر الفجارِ
النار عنصره، وآدم طينة
والطين لا يسمو سموَّ النارِ
أو بعض أبيات للمتنبي أنكرها عليه النقاد لما فيها من خوارم العقيدة وقال فيها الناقد الثعالبي: (قبيح بمن أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة.. أن يقول مثل هذا الكلام الذي لا تسعه معذرة..).
وقال ابن وكيع:
(هذه أبيات فيها قلة ورع، حقر ما خلق الله عزّ وجل..)
أيصنف ذلك في إطار التصور الإسلامي ؟ وهل ثمة حاجة أن نحيل الكاتب إلى مئات النماذج الأدبية التي أبدعها بعض (أبناء المسلمين) في القديم والحديث، وخرجت أحيانا خروجا سافراً فاقعا على التصور الإسلامي ؟
ولم يقل أحد على الإطلاق كما يوحي بذلك كلام الكاتب أن التصور الإسلامي حكر على مذهب أو فئة، بل هو موجود عند جميع المسلمين، ولكنه قد يغيب أحيانا عند بعضهم كما تدل على ذلك بعض النماذج قديما وحديثا..
وفي هذه المناسبة نقول: إن الأدب الإسلامي لا يبدعه أدباء الرابطة، وحدهم، فهذا الأدب موجود عند كل أديب مسلم في القديم والحديث، وليس حكرا على أحد، ومن ثم فإن المنظر له، أو المتحدث عنه قبولا أو رفضا مطالب أن يضع في حسبانه جميع نماذجه في الأزمنة والأمكنة المختلفة وألا يكتفي بما أبدعه أدباء الرابطة وحدهم، فهؤلاء حلقة واحدة من حلقاته الكثيرة، وهذا الأدب هو أدب الأمة المسلمة، وهو قديم حديث، وهو أدب رباني، بدأ بنزول القرآن كما بينا في المقال السابق، ومازال مستمرا، وسيستمر مادام هنالك مسلمون يبدعون.
إمبراطورية الأدب الإسلامي
بصرف النظر عما في عبارة الكاتب من سخرية لا تليق تحملها هذه العبارة (إمبراطورية الأدب الإسلامي) وكثير من عباراته الأخرى، نقول: إذا كان الأدب الإسلامي يضم بعبارة الكاتب الساخرة (أكبر إمبراطورية أدبية في الشرق الإسلامي) أفليس هذا دليلا على حضور هذا الأدب، وتعبيره عن وجدان هذه الأمة وذوقها وهويتها ؟
ومع ذلك فإن (هذه الإمبراطورية) وما هي بإمبراطورية قطعا، فيها من الكتاب القوي والضعيف والمتوسط، وفيها المشهور والمغمور. وهذا كما لا يخفى على أحد شأن كل اتحادات ورابطات الكتاب في العالم العربي وغيره، وأحيل الكاتب إلى الأدلة التي أصدرتها بعض هذه الاتحادات في التعريف بأعضائها ليرى بتعريف الدليل نفسه أن بعض الأعضاء لا يكاد يكون شيئا مذكورا.
وإذا كان كاتب المقال يعتد بالشهرة فإن كثيرين من أعضاء الرابطة ولا أسمي أسماء معروفون في الساحة الثقافية بآثارهم وإنتاجهم المؤثر الفعال، وإن كانت (الشهرة) التي يعتد بها الكاتب على ما يبدو لم تعد في هذا الزمن خاصة معيارا للجودة. إن (النجومية) اليوم قد أصبحت صناعة إعلامية ترتبط بانتماءات وشلليات لا تخفى على أحد.
الاستعلاء ونفي الآخر
ولأن تزييف الحقيقة والافتراء عليها أسهل بكثير من البحث عنها ونشدانها لما يحتاج إليه الثاني من جهد ودرس واستقصاء، مضى كاتب المقال بجرة قلم ينفي الآخرين ويقصيهم وينصب نفسه حكما على إبداعهم، وبجرة قلم لا أسهل منها على من لا يريد أن يكلف نفسه مشقة البحث، مضى كاتب المقال يجهل جميع أدباء الرابطة ونقادها، واستهان بإبداعاتهم، بل صنف هذه الإبداعات في خانة (أدب الوعظ) و(أدب الأطفال) وحكم على نماذج القصة الإسلامية بأنها (ركيكة، ولا ترقى لمستوى الفن القصصي والروائي) ولكنه تواضع فقال عن النموذج الشعري الإسلامي بأنه (النموذج المتوسط الذي لا يدنو من جمالية الصورة الراقية، ولا التخييل المتجاوز، بل مجرد أناشيد وعظات..) وغير ذلك من الكلام الذي يحمل من السطحية وعدم الاستقصاء ما يتبرأ منه البحث العلمي النزيه..
وإذا كانت اللجاجة والانتصار للرأي المطبوخ مسبقا تحملان الكاتب على أن يورد مستخفا هازئا شعرا للشيخ يوسف القرضاوي، وللدكتور نجيب الكيلاني رحمه الله، زاعما أن الرابطة تحتفي بكل من كتب شعرا وعظيا من هذا القبيل، فإننا نستطيع من قبيل اللجاجة كذلك أن نأتيه بعشرات الأمثلة لشعراء، يحتفي بهم أمثاله ويعدونهم رموز الشعر الحديث ورواده، وهي أشعار ركيكة خطابية من باب القول (الدعائي) أو (الشعاراتي) الذي لا يمكن أبدا أن يرقى إلى مستوى الشعر.
من ذلك قول شاعر (رمز) من رموز القضية الفلسطينية في ديوانه (شيوعيون) من قصيدة عنوانها (إلى عمال موسكو):
معكم أنا
يا إخوتي العمال في موسكو، أنا معكم
لدهر الداهرين
معكم.. مع الحزب الذي نقل الرعاع
إلى قباب الكرملين
ومع اللواء الأحمر العالي.. لوائك يا لينين
معكم.. مع الشعب الذي
صان السلام أمام طيش المعتدين... إلخ
وعلى هذه الشاكلة من (الفجاجة) والتعبير السطحي المباشر تمضي هذه القصيدة، بل كثير من قصائد هذا الشاعر (الرمز)
ومن قبيل هذا الشعر الغث لشاعر (رمز) آخر قصيدة (إلى صاحب ملايين) التي تمضي على هذه الشاكلة التي أدع القارئ يحكم عليها:
نم بين طيات الفراش الوثير
نم هانئ البال، سعيدا، قرير
فكل دنياك أغاني سرور
المال في كفيك نهر غزير
وألف صنف من ثياب الحرير
والصوف والسجاد منه الكثير
ومن هذا القبيل كذلك قول (رمز) كبير من رموز ما يدعى ضلالا (قصيدة النثر) التي يقدمها لنا بعضهم على أنها أرقى نموذج شعري عن العرب:
(ما الفرق بين زهرة على المائدة وزهرة على القبر ؟ بين الخبز والتنك ؟ بين النهد والمطرقة ؟ بين أن يموت الإنسان على رأس حملة أو يموت) ثم يمضي في ذكر قذارات أكرم القارئ من أن تخدش سمعه وبصره.
ترى هل أسوق لكاتب المقال من باب اللجاجة التي اختارها، لا من باب الموضوعية والعلم عشرات بل مئات من هذا الشعر التافه من أشعار هؤلاء الذين سمّوا (رموزا) و(روادا) و(كبارا) لأبين له وجها آخر من وجوه القضية التي تحجبها عادة العصبية للرأي ؟
إن أحدا من المشتغلين بالأدب الإسلامي لم يقدم القرضاوي ولا الكيلاني، ولا الشعراوي، على أنهم شعراء، أو على أنهم رموز، وما الاحتجاج بهم على الشعر الإسلامي إلا من باب اللّدَد والمماحكة.
ومع ذلك فإن من الحق أن نقول إن قول الشيخ القرضاوي وقول الكيلاني اللذين أوردهما كاتب المقال هما والله أرقى في نظرنا من ذلك الشعر الذي أوردناه لأولئك الرموز.
التعميم
يقول علماؤنا رحمهم الله : إنه قلَّ أن نشد أحد عيبا عند أحد إلا وجده، وإن تتبع العورات أسهـل من البحث عن الحق، وإن التعميم أيسر من الاستقصاء والبحث.
يورد كاتب المقال بعضا من مؤلفات أعضاء الرابطة، ثم يطلق عليها على طريقته في التعميم حكم أنها (تهاجم بضراوة بدل أن تحاور.. وفكرة إلغاء الآخر ونفيه بدلا من التحاور معه، وفكرة التكفير..) إلى غير ذلك من كلام غير واعٍ ولا مسؤول، وهو يذكر بالمثل العربي: (رمتني بدائها وانسلت).
من الذي يقصي الآخر وينفيه كما اتضح من مقالين لهذا الكاتب قاما على الافتراء والتعميم وتصيد رأي من هنا وقول من هناك ثم سحبه على الأدب الإسلامي وعلى أدبائه ونقاده كافة ؟
من الذي يهاجم، ولا يحاور، ولا يراجع، ولا يستقصي ؟ أكاتب هذين المقالين أم الآخرون ؟
ومن عجب أن يسأل كاتب المقال الدكتور النحوي بسبب رأيه في قصيدة التفعيلة : (هل قرأ في كل دواوين شعر التفعيلة وقصيدة النثر حتى يصل إلى ما وصل إليه من أحكام ؟) ثم لا يسأل نفسه عن ذلك ! أقرأ صاحبنا كاتب المقال جميع ما كتبه مبدعو الأدب الإسلامي ونقاده قبل أن يطلق هذه الأحكام الظالمة التي لا تستثني أحدا ؟
أيقال عن شاعر متميز هو الدكتور عبد الرحمن العشماوي، له هذا الحضور الطاغي في الساحة الأدبية، ويستقطب الآلاف في العالم العربي والإسلامي للاستماع إلى شعره، أيقال: (إن شعره من النموذج المتوسط) ؟ أم أنها عادة درج عليها البعض في تسفيه رأي الجمهور إذا خالف رأيهم ؟
وهل يقال مثل ذلك عن شاعر عظيم كعمر بهاء الدين الأميري، شهد له العقاد بجلالة قدره وقال عن قصيدته الذائعة (أب) بما معناه: لو أن للبشرية ديوان شعر لوجب أن تكون هذه القصيدة في ذلك الديوان
شعر التفعيلة
لماذا يحتج كاتب المقال على الأدب الإسلامي برأي الدكتور عدنان النحوي في (قصيدة التفعيلة) ؟ إن هذا رأي لصاحبه انفرد به، ولا يشاركه فيه كثيرون من شعراء الرابطة وغيرهم من شعراء الأدب الإسلامي، وهم يكتبون في هذا النموذج، ولهم فيه إنتاج غزير تشهد به دواوينهم.
لماذا يقيم كاتب المقال الدنيا على الدكتور النحوي الذي أبدى في الشعر الحر رأيا شخصيا هو حر فيه، ويتجاهل في مقابل ذلك ما قاله أصحاب الحداثة في تسفيه الشعر العمودي الأصيل، ونفيه من ساحة الشعر، بل ذهب بعضهم إلى حد القول إن الشعر الحقيقي هو ما يسمى (قصيدة النثر) وأن كل ما عداها حتى شعر التفعيلة باطل ؟
أي الفريقين أكثر غلوا لمن كان باحثا عن الإنصاف ؟ ومع ذلك فإن الشعر العمودي الشعر الموزون المقفى لا يشك أحد في أصالته وفي عراقته، فهو تراث هذه الأمة منذ آلاف السنين، ولكن (شعر التفعيلة) شعر حديث، نقبله، ولكننا كما يقول الدكتور عبد القدوس أبو صالح : (نرفض الفوضى فيه، التي تأتي نتيجة للخلط بين التفعيلات العروضية وإلقائها على عواهنها من دون أي نظام أو تنسيق).
وأما ما يدعى (قصيدة النثر) فهو في رأي كاتب هذا المقال ليس قصيدة، ولا شعرا، بل هو نثر، قد يكون جميلا أو رديئا مثل أي نص آخر من نصوص الشعر والنثر، ولا يمنع أحد من كتابته.
وهما معا قصيدة التفعيلة، والمسماة قصيدة النثر لا يرقيان إلى مستوى الشعر العمودي، وليست لهما أصالته وعراقته.
وقُل مثل ذلك عن تعميم كاتب المقال في حكمه على قصص الأدب الإسلامي ورواياته. لقد قدم عدد كبير من كتاب الرابطة، وغيرهم نماذج فنية متميزة من القص الإسلامي. وقد يبدو من الصعب على كاتب لا يحتكم إلا إلى النموذج الفني الغربي في الرواية أو القصة أن يتذوق هذا اللون من القص الذي يحاول أن يتحرر من قبضة المنهج الغربي، وأن يشق له في فن الرواية طريقا جديدة تعبر عن هوية خاصة وذائقة ذات طعم متميز، وأن تقدم أدباً نظيفا بعيدا عما قدمته كثير من نماذج القصة العربية الحديثة من رؤى سقيمة وأفكار منحرفة.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved