الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 10th April,2006 العدد : 148

الأثنين 12 ,ربيع الاول 1427

الأيام غير الطبيعية نقدها انطباعي
طه حسين والأيام، أو الأيام لطه حسين.. وجهان لعملة واحدة إلى كل بائس، إلى كل أعزل من إحدى أسلحته أو حواسه في معركة الحياة. أنشد طه حسين قصيدة حياة في سيرته الذاتية (الأيام) تتبعت الأجزاء الثلاثة وأصغيت إلى مقطوعة الأسى مأخوذاً مبهوتاً، قرأت وجهها الآخر فإذا بي أقف على أهازيج الكفاح مأخوذاً مشدوهاً، عشت مع طه حسين يوماً بيوم ودقيقة بدقيقة، تسربت لداخل تلك النفس المعقدة المنغلقة، المنفتحة، الأعمى، المبصر.. طه حسين خرج من رحم الخرافة وأساطير الأولين إلى المعرفة والعلم.. خرج من أضرحة الأولياء ومفاتيح الخير إلى صروح الفكر ونظريات علم الاجتماع والفلسفة والتاريخ، جمعته المائدة بوالديه وأفراد أسرته وهو الضرير المعطوف عليه، فأكل بكلتا يديه فعاتبه أبوه مترفقاً به فأضحك عليه وأبكاه، ومن هذه الحادثة الفتى المسكين يحرم نفسه مشاركة العائلة في الطعام ويدس عليه طعامه في غرفته.. وآلى على نفسه ألا يطعم مع أحد حتى بعدما كبر إلى أن أخرجته زوجه من هذه العزلة، وعدوا الأعمى بالذهاب للقاهرة والدراسة في الأزهر وأخلفوا الوعد السنة تلو الأخرى غير آبهين بهذا الضرير الصغير، ذهب مع أخوه للقاهرة ولقي من شظف العيش ما لقي حتى كان يحرم نفسه بعض الطعام مع أصدقاء أخيه خشية أن يتقاطر شيء منه على ملابسه فيضحك عليه وهذا مالا يطيق، كان أخوه يلقيه في الغرفة المظلمة كالمتاع ويغلق الباب وينصرف إلى أصدقائه تاركاً الضرير الصغير لظلمة البصر وظلمة الغرفة وظلمة الغربة يظنه نام وهو لا ينام، حتى يعود ذلك الأخ، حتى جاء ذلك اليوم وبينما الأخ يتهيأ للخروج كعادته انفجر الضرير الصغير باكياً ومع ذلك مضى الأخ في سبيله مخلفاً خلفه هذه المأساة، تحول طه حسين من الضرير الحقير إلى الثائر الساخر.
تأثر بدعوات محمد عبده وتلميذه قاسم أمين وبأحمد لطفي السيد ذهب الى فرنسا ولقي من الهول ما لقي حتى ابتسمت له الحياة وتزوج حبه الأجنبية بعد لأي، ثم عاد الى مصر وعبست في وجهه الحياة ثم بسمت إلى آخر (أيامه) عبست وتولت وبسمت وتغنت.. قصيدة الحياة أو (الأيام) أحاطت القراء بالروافد الفكرية والثقافية والبيئية التي شكلت طه حسين.. قصيدة الحياة هدية للبؤساء والمكافحين ولمن دخل سيمفونية الحياة بلا قيثارة، ولمن دخل مدينة الأبواب بلا عينين.. حياة طه حسين أو أيام طه حسين أو سيرته الذاتية أوردها كما هي بلا زيادة ولا نقصان، ومن شروط السيرة الذاتية التجرد، الصدق، الأسلوب الأدبي، وبلغ في العناصر الثلاثة الشأو البعيد لم يمجد الذات ولم يقرأ علامات النبوغ في أيام صباه لا هو ولا غيره ولا في شكله ولا في كلامه ولا في عماه، بل وصف ذلك الفتى الغلبان كما أسلفنا في البيئة الخرافية، ذكر الخطأ والصواب.. حياة طه حسين انطبعت على قصصه وإبداعه في (المعذبون في الأرض) و(شجرة البؤس) ذكر تلك الفتاة الذميمة التي تعرف نقطة ضعفها وسبب رأفة والديها وذكر البؤس الذي عاصرها وعصرها حتى أنها أصبحت شجرة بؤس في بيت زوجها.. إلى غير ذلك من الأخبار التي تعج بالبؤس والكفاح والعاهة..
لم أتناول طه حسين الذي ألقى محاضرة في مدرسة يهودية عن أثر اليهود في حضارة الأندلس ولا عن طه حسين الذي أتى على الشعر الجاهلي من القواعد، لكي لا أكون طاهوياً ولا ديكارتياً.. ولم أعمل النقد الحديث ولا القديم بل هي الانطباعية ونظرة الانسان بالعين المجردة للإنسان فأنا على يقين بأن على المتلقي أمام الملاحم الخالدة أن يخلع نظارة الفيلسوف والعالم ويكشف الغطاء عن عينيه ليبصر ويبصر فما كان من صواب فمن الله وما كان من زلل فمن عيني عفواً من نفسي والشيطان.


تركي رشود الشثري

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved