الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 10th April,2006 العدد : 148

الأثنين 12 ,ربيع الاول 1427

نمطية البحث الأدبي الجامعي

*د.صالح زيَّاد :
يصنع تشابه معظم عناوين الدراسات والأبحاث الأدبية والنقدية في الأطروحات والرسائل الجامعية مدارات من التوالي وسلاسل من الحلقات الممتدة والمتتابعة. وليست الصيغة أو التركيب اللفظي للعنوان هو وجه الشبه الوحيد الجامع لتلك العناوين، بل يضاف إليه دلالة مفردات العنوان التي تحدد الجانب المخصوص بالدراسة في المتن المحدد؛ فيجد المرء عشرات وأحياناً مئات العناوين بصيغة وموضوع: (فلان حياته وشعره) أو (فلان حياته من شعره) أو (الصورة الفنية عند فلان) أو (الاتجاه الإسلامي في شعر فلان أو قصته أو أدبه)... إلخ.
ويؤشر هذا التشابه على هيمنة فكرة نظرية أو منهجية، أو بروز هدف إيديولوجي أو وظيفة اجتماعية.
كما يؤشر على ما تفضي إليه صفة الاتساع والعموم، في معظم تلك العناوين، من فرصة سانحة للولوج إلى فضاء مائع وغير قابل للتحديد بما يعفي الباحث من القيود المحددة موضوعياً ومنهجياً، والتي يختنق بها من ليس مستعداً لجهد المعرفة ودأبها المضني.
هناك - إذن - دلالة تحيل تشابه العناوين على المجتمع المعرفي أو المعيشي في محيطه اللصيق بالباحث، ودلالة تحيل على الهشاشة واللدونة التي يتصف بها الباحث، والجانبان معاً على درجة من الاتصال والتضايف؛ فسكون الفكر النظري وصلادته هما ناتج وعي اجتماعي لا يقبل التغير والنمو المعرفي، لأنه لا يتساءل ولا يولِّد فروضاً وبدائل تفسير وقراء مختلفة، وهذا يفضي إلى فكر جاهز دوماً، أي ليس في حاجة إلى عضل الباحثين الفكري ولا إلى نشاطهم خارج مداره؛ الأمر الذي يؤول بهؤلاء الباحثين إلى الضمور والهشاشة ومن ثم إلى بحثهم عن السهولة والبساطة والسطحية، وتدفقهم بها... ولا تختلف النتيجة حين نبتدئ من الباحثين أنفسهم، فجمودهم، وضآلة قدراتهم، أو حذرهم المعرفي وجبنهم عن المغامرة، وغياب شهية التفرد ونوازع الاختلاف لديهم، تنتج مجتمعاً معرفياً ومعيشياً هزيلاً لأنه لا يزخر بالاختلاف والتنوع والنمو.
وقد تبدو نمطية الأطروحات الجامعية مقصورة على تلك التي تتكئ على المناهج التقليدية أو الفكر النظري العتيق وما يفرضه من نفاد مساحة البحث وجدة الموضوعات واضطرار إلى التكرار.
وهذا القول عارٍ عن الصحة إلى حد بعيد؛ إذ نواجه عناوين أطروحات وأبحاث ودراسات تشي بالحداثة والعصرية وتدلل على تعاطي المقولات الحديثة في تطورها اللساني والأسلوبي خاصة، دون أن تفلت من أسر التشابه الذي يصنع لها مدارات أخرى من التوالي وسلاسل من الحلقات الممتدة والمتتابعة، فنجد عشرات وأحياناً مئات العناوين بصيغة وموضوع مكرورين، من مثل: (لغة الشعر عند فلان) أو (شعر فلان - دراسة أسلوبية)... إلخ.
ولا تختلف صفة الاتساع والعموم في تشابه مثل هذه العناوين عنها في تلك؛ إذ هي ذريعة الانطلاق المريح في فضاء غير محدد بحد دال على الخصوصية والابتكار والكشف الذي تنفذ إليه عين متفردة، وتقتدر عليه طاقة خلاقة وجهد من الانكباب والاصطبار والتقطير.
ويبدو أن للأمر صلة بما ألفناه من الأحجام الضخمة للرسائل الجامعية، حتى لقد غدا هذا الإلف بمثابة قاعدة أو عرف، وأصبح تقديم الباحث رسالة للماجستير - مثلاً - في مئة صفحة أو أقل مثار استغراب وانتقاد - وفي أحيان من الباحث نفسه - وكأن قيمة البحث بوزنه أو طوله.
ومن ثم وجد الباحثون في عمومية واتساع العناوين النمطية ما يسهل عليهم كتابتها في حجم لائق، ولتعوض الضخامة ما ينقصها من بلورة وكثافة وتفرد!!.
لكن أصدق ما تحيل عليه هذه النمطية، هو ضآلة الإحساس بمبدأ الفردية، وتدني حوافز الجرأة والمغامرة والاختلاف، وفقدان روح التحدي، وتسيد الرؤية الأحادية.
والنتيجة هي مزيد من التكرار والدوران الذي لا يشعرنا أن المعرفة تتقدم وتنمو، وأن تعليمنا الجامعي - في مجال الدراسات الأدبية وهي نموذج على الدراسات الإنسانية إجمالاً - دون المستوى الذي يؤهل للوعي بعصر ميزته الجوهرية الإنتاج المستمر للمعرفة.


Zayyad62@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved