الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 10th April,2006 العدد : 148

الأثنين 12 ,ربيع الاول 1427

« الثقافية » في«زمن درويش»
وثيقة تاريخية ومرجع للدّارسين
يجب أن أعترف أنني لم أكن متحمساً جداً لقراءة عدد المجلة الثقافية الصادر بعنوان (زمن درويش) بسبب خوفي من سيطرة طابع المجاملات عليه، إلا أنني ما كدت أدخل فيه حتى أمسك بي وجرفني معه إلى قراءته كاملاً ولكي أعيد القراءة بعد ذلك بمزيد من الروية والتأمل إذ أكتشف أن العدد بات بهذا الشكل في نظري وثيقة تاريخية بالغة الأهمية سوف تغدو مرجعاً لمعظم الدارسين في المستقبل.. لماذا؟ لأن كثيراً مما كتب على كونه محدوداً بخاطرة صغيرة كان مصاغاً بجدية. ملحوظة وتعمق وتلذذ بالكتابة ذاتها عن موضوع مهم يحيون بالفعل ويشعرون بثرائه وأن محاولتهم يجب أن تكون قريبة من هذا المستوى الفني وأن كنوزاً من الأفكار تتفتح بحق كلما أمعن الدارس النظر في شعر هذا الشاعر الاستثنائي.
منذ الصفحة الأولى أثارت فضولي لمحات افتتاحيتي (خالد المالك) و(إبراهيم التركي) اللتين نبهتانني على أن المشرفين على المجلة عشاق حقيقون للشعر الرفيع وليسوا مجرد إداريين.
تابعت.. بدءاً من (العيسى) و(القصيبي) بشهادتيهما القصيرتين جداً أو الأقصر بما يجب.. مروراً بقاسم حداد والغذامي وسعد البازعي ونادر عبدالله، والمقالح ومحمد الصغير أولاد أحمد وأبو عفشن.. وانتهاء بالوهابي وعبدالمنعم رمضان وعباس بيضون وصبحي حديدي.. على سبيل المثال لا الحصر.. ولم إخالك وأنا أعيد القراءة من أخذ قلم من يدي لتسجيل بعض الملاحظات ثم أكتشف أنني لو أردت أن أخوض أعمق في التفاصيل إذن لألفت كتاباً ضخماً عن هذا العدد موضوع (درويش في عيون الآخرين) أو فيما وراء عيونهم ذلك أن كتابات بعضهم كانت توحي بمعانٍ متوارية بين السطور من الطريف والمفيد الكشف عنها.. ولكن من أين لي الوقت لتأليف مثل هذا الكتاب.. فلا أكتفي ببعض الانطباعات أو الإشارات الأساسية.
ثمة كتاب - أو نقاد - كانت كتاباتهم أشبه بورقة عمل هامة جداً تؤسس لمشروع نقدي كبير مثل (قاسم حداد) في تركيزه على ظاهرة تطويع الجماهير المتعوّدة على نوعية معينة من الشعر على التطوّر والجرأة على التجدد في تجارب محمود درويش الشعرية في الإلقاء أو في المنشور من دواوينه ومثل (عبدالله الغذامي) الذي نبهنا في أعتقادي إلى ظاهرة في غاية الأهمية عند (درويش) تجسد خصوصية خارقة تجمع أبدع ما في جماليات النثر - أو السرد - والشعر في تركيبة كيماوية معجزة فاتحاً الباب على مصراعيه لنشوء مدرسة جديدة في النقد العربي الحديث. ويقارب (الغذامي) في هذا المنحى من التفكير الشاعر المصري (حسن طلب) في انتباهه لعملية تمويه النثر بما يشبه الشعر و(عباس بيضون) في تركيزه على خطر تعامل الشعراء مع القضايا السياسية وكيفية النجاة من مطبّاتها من دون التخلي عن متطلبات الجمال الحقيقي للشعر و(الوهابي) في تعمقه اللافت للنظر في تحليل الشعرية الأخرى التي يتمتع بها الشاعر الظاهرة (محمود درويش) و(صبحي الحديدي) في مراجعته الموجودة البالغة العمق والدقة لخصوصية درويش فنياً وفكرياً وإنسانياً، ملخصاً إياها بهذه الجملة القصيرة الموحية بكامل المقصود: النقاط الوجدان الجمعي لأمة بأسرها).
كل هؤلاء ينطلقون في كتاباتهم من هذه الرؤية: التأسيس لمشروع نقدي جديد. مع بعض الفوارق بينهم في توزيع اهتماماتهم الرئيسية على عناصر المشروع الذي يشغل بالهم..
وثمة كتاب انطلقوا من زاوية أخرى هي تحليل باطنية العلاقة المعقّدة بين الشاعر والمتلقي ويشكلون غالبية لا تناسب المشاركين وأبرزهم (محمد الصغير ولاد أحمد) الذي أسرني بصدره الجارح وحميميته الطازجة في كل جملة خطها و(نزيه أبو عفش) الذي ركز بمنظار بالغ الحساسية والعمق على تفسير جدلية الكمال والنقصان في شعر درويش الذي يحمل مفارقة عجيبة في شعر يسكن ذرى الجبال حتى ليبدو أن لا ذروة أخرى أعلى بعدها فإذا به من خلال مداعبة النقصان يحلَّق إلى ذروة أوضح.. وهكذا.. و(عبدالرزاق عبدالواحد) الذي مال إلى أسلوب الوصف القصصي لنشوء العلاقة الشخصية بين الشاعرين.. ومثلهم أحلام مستغانمي وسيف الرحبي وعبدالله الجفري وهلال الفارع ومارسيل خليفة وعادل محمود وناصر الظاهري وإبراهيم صمويل وجواد الأسدي ولميعة عباس عمارة وراشد عيسى وكل واحد من هؤلاء له مدخله الخاص على البيت الدرويشي ولكنهم جميعاً مأخوذون أولاً بتاريخ للعلاقة وتأثيرهما في الكاتب نفسه..
وآخرون ركزوا مقالتهم على إنتاج شعري محدّد تناولوه بالتحليل والدراسة مثل (سعد البازعي) الذي أقنعني من خلال إطلالته على مجموعة (لماذا تركت الحصان وحيداً) أنه كاتب ذو حساسية في غاية الرهافة وأنه يحسن التخلص من مأزق النقد الوصفي بأسلوب يعكس توتراً شعرياً رفيعاً شبيهاً بالنص الدرويشي ذاته.. ومثل (عبدالعزيز المقالح) الذي يقنعك بأنه ناقد متفهم - بقدر ما هو شاعر يحسن الجمع بين لغة الأكاديميين ولغة الأدباء المشعَّة والعميقة في آن واحد من خلال إطلالته على المجموعة الأحدث ل(درويش) (كزهر اللوز أو أبعد).. و(محمد علي شمس الدين) في تحليله العميق والبالغ الذكاء لملحمة درويش الرائعة (جدارية) التي يمكن أن تُدرس للطلاب المتخصصين كنموذج في النقد التحليلي المتمكن من موضوعه ومن أوراقه.
وثمة من عالج الموضوع بكتابة أكاديمية خالصة مبنية على منهج مترابط واضح وغني بالمعلومات والملاحظات المفيدة كما صنفت (فريدة النقاش) و(إيريك غوتيه) و(سهام القحطاني) وكاتب هذه السطور مع تميز (القحطاني) بدراسة مطوّلة معمقة ولكنها صعبة لما يعترضها مع عبارات معقدة تجريدية مثل (نداءات التكينن) (البينونة) (تبخولت).. ما هذه المفردات العجيبة يا سيدتي الفاضلة؟!
وهناك كاتبان فقط حاولا الدخول على محمود درويش من زاوية مختلفة تماماً يمكن أن تفسر بأنها محاولة في دفع الخطر عن شارع يحبونه وهذا الخطر يتمثل في عنصر جوهري في شعره إما أن يكون في ظاهره التفوق البالغ في الصياغة اللغوية كغنائية يمكن أن تصرف نظر القارئ عن (الشيء) الذي تتحدث عنه أي عن جوهر الواقع الحقيقي للموضوع الشعري كما يلمح إلى ذلك (نادر عبدالله) بكثير من الذكاء و(عبدالمنعم رمضان) بكثير من المكر وخفة الظل.. وهما الكاتبان الوحيدان اللذان نبها إلى السلبيات الممكنة في شعر بلغ الكمال كما قال الآخرون.
أما ما كتبه (عبدالله خلف) فلم أجد له شريكاً في محاولته الطريفة والفريدة.
وفي الختام كان الحوار الذي أجراه (عبدالكريم العفنان) مع الشاعر مفيداً جداً لي على الأقل كي أفهم أفضل درويش كيف يفكر ويعلق على الأشياء.
عدد ثقافي بحق!.. أعطاكم الله العافية على هذا الجهد الممتع والغنيّ!.. وإلى لقاء مماثل في أعداد أخرى..


شوقي بغدادي

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved