الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 10th July,2006 العدد : 161

الأثنين 14 ,جمادى الثانية 1427

صدى الإبداع
حمزة شحاتة (7-8)
د. سلطان سعد القحطاني

تحدثت في الحلقة السابقة عن الثابت في حياة حمزة شحاتة، وبالتالي نستطيع أن نستخرج حياة حمزة شحاتة من خلال هذه الأبيات الثلاثة، فطامته في الفشل العاطفي والزواج الفاشل من ثلاث نساء، لم يكن الحد الفاصل في مأساته في الدنيا، فبالإضافة إلى أنه يشعر بعدم الأمان فيمن وضع فيهم الثقة، ابتداءً من قريبه الذي ادّعى بأنه صرف ما لحمزة من مالٍ عنده على تعليمه ومصاريفه، وفي النهاية حاول معه بترضية كعوض عما فقده، ورفض حمزة هذا العرض، كما ذكرنا من قبل، فإنه مني بنكسة أخرى مع أحد أصدقائه في صفقة تجارية، ادّعى الشريك أنه خسر كل المال، ولم يبرر لذلك. لكن مشكلة أخرى كانت تزعجه، وهي عدم وجود الوريث الذكر الحامل لاسمه، لكن هل هذا الوريث هو حقيقة من صلبه؟ هذه علامات استفهام كانت ترتسم أمام حمزة شحاتة في كل تصرفات حياته، كان في يوم من الأيام عند مدير الأمن العام في جدة، وكان أحد أبناء البادية قد جاء إلى هذا المدير في حاجة قضاها له بسرعة، وسر البدوي من شهامة المدير وأراد أن يدعو له بدعوة تليق به، ولم يعرف سبل المجاملة الحضرية التي يعرفها أبناء المدن، فقال: (الله يجعل ولدك من صلبك) هذا البدوي يؤكد على الصلب، أي على الذرية، لكن حمزة - بحساسيته عن المرأة - يأولها تأويلاً آخر، وفي هذا الدعاء كناية عن سلسلة النسب، وليس بالضرورة أن يكون في المسألة شك، أو يقين. ويهجر حمزة شحاتة وطنه إلى مصر ليعيش بعيداً عن القلق، ويعلم بناته في جامعاتها، فهو يضع فيهن الأمل، فقد، فقد كل شيء إلا هؤلاء البنات، لكن السبب الرئيس في صدمته وخيبة أمله كان في الناس الذين تعامل معهم بصدق، فقلبوا له ظهر المجن واستغلوا الطيبة التي فطر عليها، وقد صور هذا المشهد في الكثير من شعره، كتعبيرٍ عن هذه الخيبة، وتنفيس عن مرارة يشعر بها تجاه هذه الفئة التي ظهرت له بوجهٍ غير الوجه الذي هي عليه:
(حيث لا ترتدي الصداقة
أثواباً بلوني خداعها والرياء
حيث لا يَطعن الرفيق رفيقاً
بين دعوى تقواه والإغواء
حيث لا تُنصب الشعارات زيفاً
وفجوراً يروى ومحض افتراء
حيث تبقى الصلاة تقوى وطهراً
لا فخاخاً للبيع أو للشراء)
هذه المقطوعات الوجدانية تكفي عن الشرح الطويل لما تعرض له حمزة شحاتة من خيانة وغدر من الأقرباء والأصدقاء الذين يدّعون التقى والفضيلة، في الظاهر، لكنهم يبطنون عكس ما يظهرون، فكم من إنسانٍ يظهر في اليوم الواحد بعددٍ من الوجوه، فهو يجيد لباس الأقنعة، واستعمال كل منها في وقتٍ معين وحسب الموقف الذي يحتم عليه لباس هذا القناع أو ذاك، فلكل موقف قناعه المناسب، ويجيدون لعب الأدوار.
وهذه السمة الظاهرة في حياة وأدب حمزة شحاتة لفتت نظر الدارسين والمؤرخين للأدب السعودي على وجه العموم، ويعزو البعض ذلك إلى خيبة الأمل في كل الناس (كانت صدمة حمزة شحاتة وخيبة أمله في الناس وفي الحياة بوجه عام هي أبرز وأقوى مظاهر صوته الشعري. إن أول ما يسترعي انتباه قارئ شعره، هو توقف شحاتة طويلاً عند محور الغدر والخيانة في العلاقات الإنسانية، كان كل إحساس بالعزلة والغربة، وكل إحساس بعبثية الحياة، وكل تعبير عن الشكوى واليأس ينبع جميعه ويصب في هذا المحور الذي يكاد يكون قاسماً مشتركاً في قصائده. كان لا يمل الحديث عن انتكاس القيم والفضائل، وعن استحواذ الغدر والخداع على طباع الناس وعلاقاتهم. وكان دائم البحث عن مثاله الذي لم يجده قط.
ومع أن حمزة شحاتة صور حياته - بما يشبه السيرة - في شعره، من تقلبات عامة وأحداث معينة، ومعاناة ذاتية، إلا أنه قد طرق كل فنون الشعر وأغراضه المتعددة بلغة أدبية راقية مردها تكوينه الثقافي الجيد واستعداده الفطري، لذلك يجمع كل الدارسين والمؤرخين للأدب العربي السعودي على أنه والعواد فرسا رهان في مقدمة الشعراء في المملكة، وقد اعتبره بعض النقاد الفحل المفوه، الذي لا يجامل على حساب شعره ومبادئه، وهذا كلام قلناه من قبل ولا نريد ترديده، فقد ذكر إبراهيم فلالي شاعرية حمزة شحاتة وشعريته، وقال عنه:(.. وإنك حينما تقرؤه تقف أمام شاعر فخم ضخم جزل الألفاظ متين التراكيب متماسك الأداء تماسكاً يذكرنا بشعر الفحول القدامى، إن من يقرأ قصيدته (نهاية) يتذكر البحتري وجريراً، أداءً وشاعريةً واستمع إليه وهو يقول:
(أخيرُ سبيليك التي تتجنب؟
وأدنى حبيبيك الذي لا تقرّب؟
إن ما قاله الفلالي عين الحقيقة، وليس الفلالي هو الوحيد الذي يشهد لهذا العلم بالريادة، وإن كان التعبير الذي وصفه به على أنه يشبه الشعراء الفحول الذين خلدهم التاريخ الأدبي، داخل الحدود العربية وخارجها، تعبير أراد به المدح، وهو تعبير سائد في زمان الفلالي وعند بعض المقدمين للكتب والدواوين على وجه الخصوص، فحق هؤلاء محفوظ، لكن الشاعر شحاتة، تميز في زمانه بما يليق بزمانه، ومن يدري لو كان معاصراً لهم، من سيكون، صاحب السبق؟؟! وقد درج الكثير من الدارسين على أسلوب المحاكاة والإسناد السريع، ولم يكلفوا أنفسهم بالتمعن في النص الشعري، في حداثته ومبتكرات معانيه، بل يسندون الشاعر والنص إلى من يحضرهم من الأسماء الفعالة في الشعر العربي، فقد شبهه بعضهم بالمتنبي في الجزالة وآخر بجرير، وفي الفلسفة بالمعري.... وليست النسبة إلى هؤلاء بعيب، لكن الزمان والمكان والظروف المستجدة لها وضعها الخاص، فلم ينظر الدارسون إلى هذه الحيثيات في حياة الشاعر أو الناثر بعين الاعتبار، ويقيني أن أحداً لن يرضى بهذا الوصف مع تقديره لكل من نسبوه لهم، وهذا ما سبق أن أشار إليه القرشي، في نقده للمرصاد، حول حمزة شحاتة. ونجد من قرأ حمزة شحاتة من المثقفين والدارسين الشباب يختلفون في الرؤية النقدية، والتحليل المنطقي للنص، فقد أشار علي الدميني إلى شخصية شحاتة المستقلة وإنه لا يكرر فيها أسلوب الآخرين (في شعر حمزة شحاتة كما في نثره تبرز ملامح التمييز في الأداء الفني، فلا تشعر أنه يكرر أسلوب الآخرين، وفي كتابته تتبدى عبقرية الكاتب الساخر كما تبدت عند (برنارد شو). وعلى الرغم من أن هذه الفئة تعتبر مستقلة في التحليل إلا أن الدميني يعيد ذلك إلى إسناد الآخرين كل إبداع إلى تقليد، فالكاتب الإنجليزي الساخر، برنارد شو، يختلف عن شحاتة، فكل كتاباته ساخرة، ولو أراد أن يجدّ كما جد شحاتة لما استطاع، فسخرية حمزة شحاتة نابعة من انعكاسٍ نفسي على ظروف الحياة، وعدم مبالاته بما فيها من نشاز فكري. ولكي يختصر الدارسون الطريق الشاق في التحليل والمراجعة، وقراءة النصوص من داخلها، اكتفى البعض بالإحالة إلى شاعر أو كاتب ذاع صيت نثره أو شاعر دوى نغم قصيدة اشتهرت من بين قصائده في الآفاق.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved