الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 10th July,2006 العدد : 161

الأثنين 14 ,جمادى الثانية 1427

على ضفاف (حمزة شحاتة)«5»
نايف فلاح
وشحاتة شخص أخلاقي كما يقوم الفلاسفة، والشخص الأخلاقي هو شخص توافرت فيه مؤهلات ترشحه للمشاركة العقلية والأخلاقية في المجتمع الإنساني، لذلك كانت حياته لا تنفك تسري في هوية مع فكرة..
فمن الممكن أن تبقى حياة المثقف سائرة في مجراها الطبيعي ويكون تفكيره تابعاً لهذه الحياة مستمداً كله منها، ومما اجترحه من مكاسب فيها، ومن الممكن أيضاً أن يكون تفكير المثقف هو الأصل، وتكون حياته كلها دائرة حول محور هذا التفكير، وفي الحالتين تكون حياة المثقف أو الفيلسوف أو حتى الأديب، هي وتفكيره شيئاً واحداً، ولكن شتان بين الموقفين والحالة الثانية التي قطبها التفكير ورحاها الحياة، هي الحالة التي ألتمسها حمزة شحاتة لنفسه أو هي التي اتخذته لها لأن هناك من المثقفين الحقيقيين من تفعل القراءة فيه فعلها، فهو إذ يقرأ لا يقرأ للتطوس والوجاهة، إنما يقرأ للنماء والممارسة والتغيير، لذلك بات الاعتزال منه حتمية ثقافية (عرفت ما ينبغي أن أصنع لأكون ناجحاً.. ولكني فقدت القدرة على العمل، إنه عبء السنين، وأعباء المثالية، وهذا غير غريب.. الغريب أني لست آسفاً).
شحاتة، بالقطع، (شخصية أخلاقية) فهو منذ أول قصيدة التي قيل إنه نظمها وهو في الثانية عشرة من عمره (وأنا أشك في ذلك)، كما أشك في تاريخ ميلاده.. وأشك كذلك في عمره إبان محاضرته الشهيرة.. فكل ما ورد عن ذلك كان أحادي المصدر.. وحديث الآحاد كما يعلم أهل الحديث، يفيد الظن لا القطع.
فالهاجس الأخلاقي، مراود له منذ أولى قصائده التي مبدؤها:
بعد صفو الهوى وطيب الوفاق عز حتى السلام عند التلاقي
يامعافي في داء حزني وقلبي وسليماً من لوعتي واشتياقي
إلى أن يقول:
وتهيأت للسلام ولم تفعل (م) فأغريت بي فضول رفاقيهيك أهملت
واجبي صلفاً منك (م) فما ذنب واجب الأخلاق
إن أصداء النزعة الأخلاقية وعلائمها بارزة في هذه القصيدة التي زعم أنه شبها وهو، بعد، لم يرشد..
وسواء نظمها في سن صغيرة أو في سواها، فلن يكون هذا مفصل نقر وتعليق، إنما يشد أنظارنا أن مطاوي القصيدة تؤشر إلى أنه خليق بوصفه الأخلاقي..
وهل في ميسور أحد أن يفصل بين الواجب الأخلاقي العام والواجب الأخلاقي الخاص، ما لم يكن طاعناً في القراءات الفلسفية، فالأخلاق حسبما يتوضح لنا في محاضرته الشهيرة، ليست عنده أمراً معلقاً في الهواء، أو متحللاًَ من القيود، مثله كمثل من يصوت بذوقية الأخلاق ليؤول الأمر الأخلاقي إلى فوضى إنسانية..
هذا ما جد شحاتة في تفتيته لا على مستوى رأيه في الفن والجمال، لأنه يجعل هذين الفرعين في مثنوية، موقفه الأخلاقي..
بل فقط على مستوى رأيه في الأخلاق بما هي مشبكة، للعلاقة الإنسانية، فلا قيد على الأخلاق، بالنسبة إليه، إلا الأخلاق، وما الأخلاق إلا ما صدر في كليته عن جهة متعالية، لذلك ليست الأخلاق عنده، كما نوهت، شيئاًَ معلقاً في الفراغ... وحتى ختمه للقصيدة بقي في المجال الأخلاقي إذ قال؛
أنت حر والحسن لا يعرف القيد (م) فصادر حريتي وانطلاقي.
فالحرية والجمال تدرس في فصول من الدراسات الأخلاقية، مهر شحاتة في تسريبها غزلاً بقدر ما نجح في تفريع البيت إلى وجهتين وجهة أجلى فيها رأيه في الحسن مطلقاً من حيث فراره عن كل مقيد ونبوه عن كل حد، ووجهة أفادت من أختها حيث خلع هذا الرأي في ثوب نسيب لتكون الوجهة الأخيرة بمكان الوعاء الشعري للأولى في حال تتخاصر فيه الفكرة الشاعرة والفكرة العالمة..
وهذا الانتهاز أو قل التوظيف ما برح محموداً عند قدماء البلاغيين، عندما يصح من الأديب البصر في مواضع الفرصة...
.. أياًَ يكن، فسيرة شحاتة في النهاية في جانبها العملي تظل ثمرة لعلمه وتحصيله.. إنه في هذه الأيام أديب مجدود، ورغم أن شهرته قد تأخرت لكنه ما غاب عن ذهن الباحثين في الأدب السعودي بل وعن بغاة الأدب الرفيع العالي.. فهو من الأدب بمكان ومن العلم بمكان ومن الحصافة بمكان.. جعل منه رجل المناسبة الحاضرة، مناسبة مجتمع يحاول إلى التطور... فإذا ما أخذنا بجماع أعمال شحاتة المحبرة، بله أعماله الكلامية التي كانت تدور في مجالس الأدب والتي كما وصفوه أنه ما إن يطلق لسانه حتى تتوارد عليه المعاني والموضوعات لينخفض له الندي في إكبار وتقدير.. فإذا ما أخذنا بمسطوره نجده صاحب مذهب لم يذهب إليه، يقبل عقلنة المنقول أو نقلنة المعقول خاصة في بعض توقيعاته التي باشر فيها سخريته من شكلنة المنطق مع تقديره لتلك الشكلانية... حتى اليوم لم يأتِ من يسهم في تطوير ذلك المذهب ويدفعه من غبش التكوين إلى بواح البنية، ليتحقق التواصل المنشود.. ولا يفهم من خدمة الجد له في شهرته المتأخرة أنه لولا هذه الخدمة أو المناسبة لبات قليل الفضل غير جدير بشيء، كلا إنما يفهم أو هكذا يجب أن يفهم، أنه حاز في هذه الأيام ما لم يحز حزوه أحد من رصفائه في الأدب والعلم، بل إنه الأكثر استحقاقاً ولكنه ليس بالمستحق الوحيد لعناية قومه وغير قومه ممن يقرؤون ويعنون بعالم الثقافة والأدب، بيد أنه يبقى الأهم والأعمق.. أجل هو كذلك، وفقاً لموقف جيله منه، هذا الموقف التابع لموقف شحاتة من الأدب والتحصيل..
فمما كتب عنه تعلم أن مقدار أدبه ليس دونه مقدار قريحته، وتعرف أن مقدار لسانه لا يعدو مقدار علمه، وأن مقدار علمه لا يفضل مقدار عقله، وكل هذا وذاك لم يكن، يوماً، فاضلاً عن سلوكه وأخلاقه.


nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved