الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 10th July,2006 العدد : 161

الأثنين 14 ,جمادى الثانية 1427

بمحاذاة الجنون!
سليمان الطويهر
أتذبذب بين الصحو والنوم، كالجالس في الحد الفاصل بين الشمس وظلِ ساترٍ قماشي تحركه أنامل الريح. يمطرُ تارة، وتلفحه الشمس تارةً أخرى..
النافذة مفتوحة، والبرد يرسل ألسنته اللاسعة، رياحاً تركض في فضاءات الغرفة.. فأشد إليّ دثاري كالطفل يحتمي بأمه.
وعلى الجدار تسقط ظلال الأغصان، فاضحةً مداعبة نور القمر لها في الخارج. وتتمايل.. كرؤوس الشياطين.. مثيرة في نفسي أمواجاً من الفزع. أضم أجفاني بقوة، كما أضم الوسادة إلى صدري بعنف.. ولا تسكن رجفة جسدي..
لحظات سكون يتخللها حفيف الأشجار.. وهمسات عصافير لم تنم..
أُبحر في الخيال البعيد.. البعيد.. البعيد.. فتسكن الأمواج المضطربة داخلي رويداً.. رويداً.. رويداً..
وفجأة.. يتكسر الصمت، من صرخة الجدار، حينما يهوي البابُ على صِدغه بصفعةٍ قاسية، طاعناً نومي في مقتل. أهُبُّ فزِعاً من فراشي.. وعيناي تبتهلان للرؤية.. لكن العمى، يبتسم لي ساخراً..
***
تتأقلم عيناي مع الظلام قليلاً.. وتسكن نفسي حين أدرك كنه الأمر.
في الظلام كل الأشياء تتشابه، وتتشابك، كأنها تخاف هي الأخرى. بعض الجهات تبدو أكثر إظلاماً من الأخرى، يُوحَى إليَّ أنها قد أخذت أكثر من نصيبها في نهارٍ سابق! أو أنها موعودة بإضاءة أكثر في نهار لاحق!.
أسحق أعمق نفسٍ أستطيعه..
ياللخوف! حتى العصافير والأشجار صمتت!!
أعود لوسادتي، جاعلاً كفّي تتعانقان من خلف ظهرها المكتتر..
استدرّ شفقة النوم..
و.. تلتقط أذني تكة خافتة وهمسا.. (انهض دون مقاومة.. كي لا تخسر حياتك)!!
القلب تتخلع عروقه من فرط الإجهاد، والعقل يقصر عن إدراك الحالة، وأنا.. انتفض كالمتبرد في الظل.. وأتصبب عرقاً، كالملدوغ من الشمس.!!
تُرى هل لازلت في الحد الفاصل بين الصحو والنوم؟!. هل الساتر انزاح قليلاً فانكشفتُ للشمس؟!.. تُعصر عيناي بالأجفان أكثر..
أم أن الريح شعرت ببلوغ الساتر، فخجلت من مداعبته!
شعور بالأمان، يُطلق أسر العيون.. ولا شيء سوى الظلام.. و.. أنفاس!
أنفاس تفح كالثعبان.. مصدرها يبدو أكثر إظلاماً.. (قل لي.. أين تحتفظ بمالك؟!)
صوت حقيقي كالعاصفة، يزيل الساتر القماشي تماماً.. تنكشف الشمس.. ترقص حبات العرق على جبينٍ مضطرب، وأموت.. أموت ببطء.. فيصرخ الهمس (يبدو أنك طويل النَفَس..).. تلتصق برودة دائرية على جبيني.. يتابع (لذا.. سأقطعه تماماً..).
يزحف ريقي بطيئاً في بلعومي.. وعيناني تكادان تقفزان.. ولا رؤية.. أهمس بصوت مرتعد:
- ل.. ل.. ليس.. لدي س .. سوى.. عقد أمي.. هناك.. فوق (الدولاب)..
أحس بابتعاد أنفاسه عني، ينزاح الثقل عن صدري رويداً.. رويداً.. وعيناي مصرتان على الانغلاق.. (وماذا غير العقد؟!) أسمع هسهسة العقد بيديه، وأنفاسه تقترب. تفح كثعبان. أهمس:
- صدقني.. لا شيء غيره.
وكالصدى يصبح صوته، وهو يقول (اذن.. لا جدوى من وجودك على قيد الحياة) والفوهة الباردة تقبل جبيني قبلة الوداع. وتكةٌ خافتةٌ تختم تأشيرتي نحو الموت..
الموت الذي بدأ يعزف موسيقاه لاستقبالي.. ويرتفع صوتها.. يرتفع.. يرتفع..
-لااااااا.. لااااااا.. لااااااا لا لا لا.. أباغت خوفي وخدري.. وأقفز في عنف..
***
تُضاء الغرفة فجأة، ويطل وجه أمي، يزاحمه وجوه إخوتي الصغار. تضرب صدرها شاهقة:
- ما هذا الذي في يديك؟!
أمد لها يدي بنشوة المنتصر:
- هذا مسدس.. وهذا عقدك الذي سرقه هذا المعتوه.
- من هو المعتوه؟
أشيرُ بيدي نحو السرير المبعثر.. فترسل النظر إليه، قبل أن ترده إلي مبللاً بالدمع. تقترب مني.
تحتضن رأسي..
لا شك أنها فَرِحَةٌ بعودة العقد، فخورة ببطولتي..
أسمعها تنفث.. وتقول: بسم الله عليك يا وليدي.. بسم الله عليك..


sulaiman_t@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved