الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th October,2005 العدد : 126

الأثنين 7 ,رمضان 1426

التشدد .. وماهيّة الفكر المنتج
أمل زاهد
نستطيع اعتبار الشاب أحمد الشايع الذي ذهب إلى العراق كي ينضم إلى المقاومة ويصبح انتحارياً يفجّر نفسه ثم أنقذته العناية الإلهية من موتٍ محتم، أحد النماذج الحية والشاهدة على كيفية غسل أدمغة الشباب وكيف يقادون كالنعاج إلى حتفهم وإلى حصد عشرات الأرواح البريئة مع أرواحهم، وكيف تتحول العاطفة الدينية المتأججة والحماسة المتدفقة في عروق الشباب إلى سيف مسلط على أعناق الأبرياء وخنجر يصيب خاصرة مجتمعاتنا في مقتل، فيتحول شبابه وبراعمه اليانعة - التي من المفترض أن تقوم على أعناقها بناء ومستقبل أوطاننا - إلى قنابل موقوتة وأحزمة ملغمة لا تقيم للروح الإنسانية وزناً، وتنطلق لتعيث بأمن مجتمعاتها وبأمن البلدان المجاورة لها تدميراً وتحطيماً.
ومنذ غزانا الإرهاب ورشقنا بسهامه من كافة الاتجاهات ونحن نترنح ونتساءل مع كل هجمة تصيب بلدنا الحبيب أو أي بلد آخر عن ماهية الفكر الذي يفرخه والمحيط الذي يغذيه والبيئة التي تنتجه ؟!! وبينما يصر البعض على براءة مجتمعاتنا من الإرهاب وثقافتنا من دنسه إلا أن الواقع يقول لنا إن الإرهابيين لا يهبطون علينا من الفضاء، وأنهم ليسوا نبتاً شيطانياً ظهر من فراغ ومن دون بذرة نما من أصلها وتفرع من جذرها، وأن الفكر التكفيري ألقى بظلاله على المجتمع السعودي من أواخر السبعينيات وانطلقت مسميات تهاجم بعض الممارسات الاجتماعية وتصمها بالضلال والفساد، كما طرقت آذاننا اتهامات تقول بجاهلية المجتمع وعدم التزام الناس بتعاليم الإسلام، ثم انطلق ذلك الفكر يتشعب ويتعوشب في البنية الاجتماعية حتى آل الحال إلى ما هو عليه الآن.
فأصبح في كل مدينة من مدننا اوكاراً للإرهاب ومخابئ للأسلحة وشباباً ينقادون من غير بصيرة أو تعقل وراء خطاب حماسي تعبوي يستنهض همهم ويستنفر مشاعرهم ويشعل جذوة عواطفهم الدينية ويحولهم إلى سهام تمزق أوطانها وأهلها وذويها وجيرانها.
على الرغم من كل ذلك فلا نزال نرى من يصمّون آذانهم عن صيحات التحذير وإنذارات التنبيه من فكر التشدد والغلو والتنطع الذي يقود إلى التطرف والذي يجر بدوره إلى الإحساس بالتميز والتعالي على بقية الناس الذين لا يلبثون أن يصنفوا في خانة الخطيئة والمخطئين.
فذلك الإحساس بالتميز وامتلاك زمام الحقيقة والقدرة على إطلاق الأحكام على الناس هو بداية انزلاق القدم في هاوية التطرف الذي قد ينحدر بصاحبه فيوصله إلى استسهال اجتثاث أرواح البشر ما داموا لا ينفذون ولا يلتزمون بما يرى هو أنه حق وصواب.
وعلى الرغم من رحلتنا القاسية في معية الإرهاب فلا يزال فكر التميز والتفوق والإحساس بضلال الناس ينسل إلينا عبر وسائل مختلفة، وهاهي مجتمعاتنا وبعض الخطباء في مساجدنا وبعض المعلمين والمعلمات في مدارسنا، وبعض مطبوعاتنا تنشر هذا الفكر ربما عن حسن نية وعن عدم إدراك لمغبة تفشي ذلك الشعور بضلال الناس وفسادهم، والرغبة في الابتعاد عنهم واعتزالهم.
أجرت إحدى هذه المطبوعات الموجودة في أسواقنا تحقيقاً عن أسباب رفض بعض أفراد المجتمع لأماكن الترفيه العامة بأشكالها المختلفة من شاليهاتٍ وملاهٍ ومنتزهاتٍ ومطاعم وشواطئ، ومقاطعتهم لكل هذه الأماكن باعتبارها موبئاً للفساد ومحضناً للشر.
أحد الذين أجري معهم التحقيق يؤكد أنه لا يذهب البتة لهذه الأماكن بسبب وجود الكثير والكثير من المظاهر السيئة فيها، ويقول: الأبناء والبنات نعمة لا تعادلها نعمة، فمن الواجب ألا يلقى بهم في أتون قد تؤدي بهم نحو المعاصي وتحمل الأوزار والحمد لله أسرتي تشاطرني الرأي ونسعى جميعاً جاهدين لتحقيق وسائل ترفيهية متنوعة سليمة لا تشوبها شائبة.
ويُختتم التحقيق عزيزتي القارئة وعزيزي القارئ بهذه الفقرة: وإن لم تستطع الصبر ففي العزلة راحة لك ولقلبك، وهذا من جميل ما أوصى به بشر بن الحارث (واعلم أن حظك في بعدهم - أي الناس - أوفر من حظك في قربهم، وحسبك الله فاتخذه أنيساً ففيه الخلف منهم فاحذر أهل زمانك).
كما تحتوي تلك المطبوعة على تحذير شديد من الذهاب إلى المطاعم العائلية وذلك لعدة أسباب منها على سبيل المثال أن الحواجز الموجودة لا تحجب المرأة حجباً شرعياً إما لقصر الحاجز أو ارتفاعه من الأسفل بحيث ترى القدم أو الساق أو شفافية ذلك الحاجز بحيث يمكن تمييز شيء من بدن المرأة!! ومنها أيضاً أن هذه الأماكن - حسب الرأي المذكور في تلك المطبوعة - (صارت مرتادة من قِبل عددٍ من أصحاب الفجور والشهوات الذين يتعرف الواحد منهم على فتاة ثم يصطحبها إلى هذه المطاعم بحجة أنها زوجته فصارت هذه الأقسام متنفساً لكل من يريد الحرام)، ونلاحظ هنا التعميم في الحكم على كل من يرتاد المطاعم العائلية !! والإشكالية أن هذا التصور يحقن فيمن يتبناه أنه من طينة أخرى غير طينة أولئك الخاطئين وأن عليه تجنبهم والابتعاد عنهم، كما يذكي فيه أنه من المصطفين الأخيار وأن ابتعاده عن الأماكن التي يرتادها عامة الناس يتيح له النجاة بنفسه من الفتن.
كما يكرس لفئوية دينية ترتبط امتيازاتها ببعد صاحبها عما يمارسه الناس العاديون في حياتهم، فيتفرق الناس ويتشتتون ويتساهل المنتمي إلى الفئة - التي تصنف نفسها في مكانة أعلى من باقي الناس- في إطلاق الأحكام وكأنه قد ضمن القبول عند الله سبحانه وتعالى، أو كأنه قد اطلع على قلوب الناس وعلم بمكنوناتها وأسرارها، أو علم علم اليقين بأن الحكم الذي أطلقه لا يجانب الصواب ولا يبتعد عن الحقيقة!! والكارثة عندما يصل الأمر ببعض الشباب إلى الدخول في دائرة التكفير وينجرفون إلى ما لا تحمد عقباه مما نعايشه الآن في بلادنا.
التشدد والغلو يعيش بيننا وفي ثنايا مجتمعاتنا، ونستطيع أن نلمسه في مناحٍ متعددة من حياتنا، ومن أكبر الإشكاليات التي يرسخ لها أنه يبتعد بديننا العظيم عن جوهره ومبادئه العظيمة ليدخله في دوائر الشكلانية، فنركز على قشور الأمور بدلاً من التكريس للمبادئ الجوهرية كالحق والخير والعدل والمساواة وتحريم قتل الروح الإنسانية التي تساوي حرمتها حرمة الكعبة المشرفة.


amal-zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved