الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th October,2005 العدد : 126

الأثنين 7 ,رمضان 1426

(حواء)
(منصوبة على التنازع)
نايف فلاح
ما كنت قط، من أولئك الذين يستنشؤون الأنباء عن (حقوق المرأة)، إنما كنت، كغيري ممن تتناهى إليهم الأخبار بشأنها فيركبونها فلياً وتساؤلاً، يدوم ما دام النقاش حول المرأة وحقوقها.. هذا النقاش الذي بات مداراً للبحث والتساوق في دورة من دورات (الحوار الوطني)، فمن هبوبه ومن رياح الصحافة أيضاً ارتادتني من أحاديث النفس مسائل لعلها قد راودت سواي، إطارها؛ ما مساغ هذه القضية - حقوق المرأة- لتدخل كهمٍ من هموم الوطن؟! مع غلبة التهجين في نبر السؤال أو أن التهجين هو المعلاق للمسألة.. غير أني، ومن فوري، رغبت عن هذا التساؤل بآخر مضاد؛ لم لا تكون (حقوق المرأة) من كبريات الهموم؟ ارتحت إلى هذا الأخير باعتبار أن الجواب ماكن فيه، وكدت ألقي عبء التقصي عني، لولا حوار وجدال بث في إحدى القنوات بين شخصيتين كان لهما الحصة الأزمن من البرنامج.
أقول (حوار) لأن إحدى هاتين الشخصيتين ظهرت مجذوبة بقدر إلى ضوابط البرهان وقواعد المنطق السليم.. وأقول (جدال) وذهني مرتهن إلى معنى فلسفي للجدل، القضايا فيه لا تستند إلا على مقدمات بيانية لا يقين فيها، وإلى هذا الضرب من الجدل أنشدت الشخصية الثانية وحالها حال المأخوذ بتخليط الواقع وتهويش الحضارات.. على العموم أرادت كل شخصية منهما استنجاح مرادها، وليس في الأمر غريب، فجمع الأضداد من شيم الإعلام الحديث، كما كان أصلاً في فن المناظرات القديم.
وبينما البرنامج في انحناءاته، ما بين مشارك ومعارك، عرفت إذ ذاك، مباعث الأسئلة، ودوافع الإنزياح والعدول فيها، وعرفت أن مغالطات التعجل متحايكة في بناء السؤال الأول، وأن واقعية المنطق وسلامة الانتهاج مسلوكة في خياطة السؤال الثاني. فلأثب إلى المرأة، إلى حقوقها حيث تختبئ في إضمارها دعاوى (حرية المرأة) و(المساواة)، إلى الأطاريح المسوقة عبرها أو في جوفها، أو قل أنها أطروحة أو مواجهة قديمة، تتجدد كلما لاقت السبيل إلى ذلك مواجهة استعرت قبل اليوم في أضابير مختلفة، ظل الأدب ميدانها الأوسع أبان مخاشنة أهل التقليد لأهل التحديث، والعكس لا يحدث إلا نادراً.. إلا في العتمة.. وسجالاتهم على تفاوت مطارحها أغلب ما تكون ذات طفح نفسي أو حتم اجتماعي، تعوزها البوصلة التي تحدد الاتجاه. واليوم، تزّيا لقاؤهم بأزياء الظرف تحت عنوان (حقوق المرأة) لكن ما أبعد اليوم عن البارحة، فلقد اعتدنا من أهل التقليد سيراً فكرياً أو نظاماً معرفياً، يعتمد على الوقاية في نصوص مطلقة مخفورة (بدع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) وب (سد الزرائع) بوصفها حججاً إحراجية جوابها الخضوع بعد الصمت والإعياء، واليوم كما أسلفت ليس كما البارحة لأن راية أهل التقليد أو ممثلهم الذي لم يتزحزح عن منطقوهم وإن تزحزح عن منطقهم والذي راعى كل لياقات الشكل والقيافة لديهم، فالشكل والقيافة في عرفنا الثقافي يبقيان بمثابة الموقف الأول لمدار التناظر بين الفريقين، فاختلاف الشكل بعض من اختلاف المضمون، فارق الرجل موئله من جهة وخصومة من جهة أخرى بمنطقه الأكثر سلامة من ناحية النهج والأعمق دراية من ناحية الواقع، سيما أنه محثوث بغطائنا النظري للعالم والحياة، بخلاف قبيله (المحدث) المدفوع بغطاء الوعي الغربي، اعتقاداً منه أن الغرب يمثل دائماً نقطة إحالة، وأن جليبه حتمية تاريخية... كلا، لست أتغيا غلاب اتجاه على اتجاه، لكن هتف بي ظني بأن (التقليدين) أحسنوا إدارة الحوار، واهتبال النقاط منه، إذ وضعوا القضية في موضعها الجدير بها، في أمة مكنت المرأة، ولو على المستوى النظري، من نظام ضامن لحقوقها التي قلما تجدها في أمة سواها، وفي مرجوعنا الاطلاع على موروثنا الثقافي، بل في أشهر حركة قيدت بأم المؤمنين عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - في معركة الجمل، عائشة التي سميت (رجلة العرب) وفي وسعنا إعادة انتاج شيء من دوائر حركة (هدى شعراوي) في العصر الحديث، هذه الحركة التي لم تخل من التشوية والإشابة بالتغريب في مفهوم البعض والبعض الكثير، تمهيداً للفتاوي والوصايا، التي أغرت أطرافاً بعيدة باقتناص الموقف، لتمسي (هدى شعراوي) مدروجة في مطاوي سوء الظن والفهم، لدى أعتى الأطراف، فهي في ظن أهل الفتوى؛ مناوئة لتعاليم الدين، وهي في فهم أهل التغريب؛ طالبة من طوالب المساواة والحريات التي يتصورونها كما تصورها الأوروبيون في فترة مضت، أنها حرية الإجهاض والشذوذ الجنسي.
والنقيضان لم يعلما من (هدى شعراوي) سوى اسمها وتفث المنشور عنها، درجة أن جمعية الشبان المسيحين تعرضوا لقضية (ميراث المرأة) حسباناً أن (هدى شعراوي) معوان لهم بهذا الشأن، ليكون خطيبهم الأستاذ (سلامة موسى) إياداً لدعواهم وأداة اجتلاب للسيدة (هدى شعراوي) التي أجابتهم في جريدة المقطم من يوم 23/ديسمبر من عام 1928م، ما قطفه (يهمني أن أبلغ حضرة الأستاذ ومن حضروا خطبته أني في خدمتي لهذه النهضة أؤدي واجباً معهوداً إلى جمعية الاتحاد النسائي التي شرفني برئاستها، ولما كان نصيب المرأة في الميراث ليس من المسائل الداخلة فليس لي أن أتدخل في هذا الموضوع لا بإقرار الحالة الحاضرة ولا بتعديلها.
وإن كان ولابد من إبداء رأيي في هذا الموضوع فأقول بصفتي الشخصية أني لست من الموافقين على رأي الأستاذ الخطيب (سلامة موسى) فيما يتعلق بتعديل نصيب المرأة في الميراث، ولا أظن مثله أن النهضة النسويه في هذه البلاد، لتأثرها بالحركة النسوية بأوروبا يجب أن تتبعها في كل مظهر من مظاهرها وذلك لأن لكل بلد تشريعه وتقاليده وليس كل ما يصلح في بعضها يصلح في البعض الآخر.
على أننا لم نلاحظ تذمراً من المرأة أو شكوى من عدم مساواتها للرجل في الميراث والظاهر أن اقتناعها بما قسم لها من نصيب، ناشئ من أن الشريعة عوضتها مقابل ذلك تكليف الزوج بالانفاق عليها وعلى أولادها كما منحتها حق التصرف في أموالها.
أما القول بأن عدم المساواة في الميراث من دواعي إحجام كثير من الشبان عن الزواج في الشرق فغير وجيه، لأننا نشاهد في أوروبا انتشار هذا الداء (الإعراض عن الزواج) في عصرنا الحالي انتشاراً أشد خطورة منه في الشرق، بالرغم أن المرأة الأوروبية ترث بمقدار ما يرث الرجل، فضلاً عن أنها ملزمة بدفع المهر، ومكلفة بالتخلي عن إدارة أموالها لزوجها.
ولو سلمنا بنظرية الأستاذ (موسى) وجاريناه في طلب تشريع جديد فهل يخشى أن يؤدي إلى إسقاط الواجبات الملقاة على عاتق الزوج نحو زوجته وأولاده بالزام الزوجة بالإِشتراك في الصرف، وفي ذلك ما فيه من حرمان يعود بالشقاء والبؤس على الزوجات الفقيرات اللاتي لم ينلن ميراثاً من ذويهن.. وهذه الطبقة تشمل أغلبية الزوجات.
أول ما يلفتنا من مراسلة جمعية الشبان المسيحية هو تحديد منطقة التباحث بخلاف ما حدث في تلك الشاشة إذ أن السجال طفق يطلب من قبل أنصار المرأة - أن صح التعبير، وما أظنه قد صح - كل شيء، وكل شيء كثيراً ما يكون معناه لا شيء، ولو أننا لمسنا تحديداً لمطالبهم لتابعناهم بالمطالبة، إلا أننا ألفينا (المرأة) قد صارت ميداناً آخراً للمعاندة، خاصة في ملافظ الحدّث أو بالأحرى ممثلهم، الذي من ضحالة حظه استطاع أن يوهم نفسه أنه فاهم ما ليس بفاهم (وبالجملة من غلب عليه الجدل، كثيراً ما يؤديه ذلك إلى اعتقاد أمور خارجة جداً وبعيدة عن طبيعة الشيء، والعلة في ذلك أن طلب الإنسان الكلام المقنع من غير أن يعتبر هل هو مطابق للموجود أو غير مطابق يفضي به إلى اعتقادات كاذبة ومخترعة.
ونراه وقع فيما وقع فيه مناقشو القضايا المصيرية بحس أدبي محض يبتعد عن مسار الواقع في سبيل مباشرة الذاتية أو وجهة النظر الشخصية، التي تجترها القدرة على اللعب بالألفاظ أو قدرة الألفاظ على اللعب بها واستعداد المرء بالانخداع لها، واختلاف التركيب يؤدي إلى اختلاف في الوظيفة. فالتركيب الذي يجري مع منطق العقل، هو الذي يجوز في قضاياه الصدق والكذب استناداً إلى مقاييس موضوعية قوتها الواقع المعاش، أليق من التركيب الذي يجيء تعبيراً ذاتياً عن خلجات المتكلم الذي يؤمن به وحده، أما أن يتلاءم مع الحالة المدروسة وظروفها أو لا يتلاءم، وأن يوافقه الآخرون على دعواه أو لا يوافقونه هذه كلها لا تغير من الموقف شيئاً فنحن إزاء مقام يستدعى المنطق لمعرفة الحال وسبل التناول لها، والأقيسة المستخدمة إزاءها.
وأكبر وهم يقع فيه حماة المرأة هو اللهج بألفاظ المساواة، وما صدقها، ذلك أن من الخطأ أن يقول قائل إن المرأة غير مساوية للرجل وإن هذا نقص فيها أو في حقوقها فإن الرجل أيضاً غير مساوٍ للمرأة.
ولكي توضع قضية المرأة في موضعها التي هي له، لا سيما في مجتمعنا (السعودي) يجب أن ينفى عنها مبدأ الخصومة بينها وبين الرجل، أو الخصومة ما بين أهل التقليد وأهل الحداثة، أو أي خصومة بين ضدين يكسب أحدهما بمقدار خسارة الآخر، وكأن هناك كناية في التسمية فالرجل بات كناية عن أهل التقليد والمرأة كناية عن أهل الحداثة، الذين ما زالوا يعيشون أزمة الوجود.
ولكي توضع قضية المرأة في موضعها الصحيح، هو أن نعرف نحن وتعرف هي كذلك أنها طرف شريك في بناء الإنسان وتعرف ما لاق بها في هذا المجتمع، وموطن إبداعها وإنتاجها.. والسؤال المهم الذي من وجهة نظري يحتل موقع الخميرة من طبخة البحث هو؛ هل سوف نواجه خطراً إذا استغنت المرأة عن حقها السياسي أو سهمها الوظيفي أو أية مشاركة ماعدا بناء الأسرة؟!
وليتني أفهم بأنني خصيم للمرأة لا خصيم عليها، وإن حصل فسأعلم أنني محبور في سجل المحظوظين، أجل؛ لست بمباعد لها أو بمقص عنها كل مجال بعيد عن الأسرة، لكنني أحاول أن أتسق مع معنى (الحوار الوطني) أي أن قضية المرأة عندما تبحث في إطاره، عليها أن تنطلق من موقع الخدمة الأجل فالأقل، لأن الإصلاح من شأنه أن يقدم الحاجي على التحسيني وليس العكس، كيلا يؤود المجتمع هذا الخرف الذي لا يراعي أحكام الضرورة، ولا يميز بين الأهم والمهم. فإن المطالبة بالحقوق العامة المشاع، كالوظيفة، أو التعليم أو ماعداها، أعتقد أنها مطالب عامة يقتضيها الرجل والمرأة.. وهذه المطالبات خانها التوقيت، فنحن في وقت نشكو أوجاع البطالة في الرجال، الذين هم، في مذهب المرأة أو حماتها، مستوفون لحقوقهم، وعسانا إذ ندرس أمراً ما نحترم الذوق في ظرف الزمان والمكان فيه.
ومن أفكه ما انحشر في (قضية المرأة) هو قضية المناهج ومباركة تغييرها أو تعديلها، بعد دهر كنا نعاني من عدم جدوى المنهج في تكوين الطلاب، حقاً؛ إنه غرق في (الدور المنطقي) وهو من القضايا التي توصف بالفساد والسفسطة.. ومن أدار رأسه ليجعل في هضم (حقوق المرأة) تلازماً مع مناهج التعليم، ليته يجرب فخارة رأسه في غير هذا النطاح.


Nf1392@hotmail.com
(*) تفسير ما بعد الطبيعة لأبن رشد

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved