الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th October,2005 العدد : 126

الأثنين 7 ,رمضان 1426

المرأة العربية في منظور الدين والواقع
(دراسة مقارنة)
تأليف: جمانة طه
دمشق: اتحاد الكتاب العرب 2004
منذ سنوات، كان يخيل إليّ أن جيلي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي هما جيلا الزمن الصعب؛ ذلك لأنهما عاشا مخاض العصرنة والتحديث في مجتمع بني أساساً على الأعراف التقليدية والمورثات الاجتماعية. لكن الواقع يؤكد، أن الأجيال التي تلت ليست في وضع أفضل. فالناس في المجتمع العربي بأجيالهم السابقة واللاحقة، يعانون كبتا وجمودا ويعيشون حصارا فكريا واجتماعيا ودينيا.
قد يعود مجمل هذه المعاناة إلى مشهد، اجتماعي - اقتصادي - ثقافي - ديني معقد ومتخلف. معقد بأهدافه ومتخلف بأدواته، فرض علينا ازدواجية بين الفكر والممارسة، في كل المسارات الحياتية اليومية وحتى المصيرية. فبتنا ضائعين بين أصالة وتراث، بين أفكار وتطلعات حملتها إلينا رياح الغرب ونسائمه، وبين محاولات إضفاء الشرعية الدينية على التقاليد والقيم ومواقف الرجال من المرأة، وبين دعوات التحرر التي تقتحمنا وتثير العواصف حولنا وفي داخلنا. لهذا، ما استطعنا أن نحافظ على أصالتنا نقية، وما استطعنا أن نخلف تراثنا وراءنا، وما استطعنا أن نوازن بين التراث وبين القيم الوافدة.
فكل واحد منا يتعامل على المستوى الواقعي بأسلوبه الخاص، وعلى المستوى الفكري يأخذ بالنظريات التي ترد إليه من الخارج، وبذلك تكون النتيجة تناقضاً وانفصام شخصية.
وكم من مرة سمعنا من يتحدث بموضوعية وفكر عصري، ورأيناه في مواقف حياتية يمارس ما تلقاه من ثقافة تراثية مشوهة.
إن الازدواجية في المواقف تنبع من ازدواجية الثقافة، ومن ازدواجية الأحوال الاجتماعية التي نحياها في مظهرها الغربي واستخدام الوسائل الغربية في تسيير أمورنا الحياتية، وفي أفكارنا وتراثنا ومعتقداتنا الشرقية. ومن خلال هذه التناقضات المتبدية بقوة في مجتمعنا، والمتجلية في نماذج ثلاثة: التراثي والغربي والتوفيقي، تبرز لنا قضية المرأة والمواقف المتباينة تجاهها. فالمرأة محترمة محتقرة في آن معاً، الأم وهي امرأة، محترمة إلى درجة التقديس. والأخت هي من حيث الشكل عنوان الشرف والاعتزاز، وعلى المستوى الاجتماعي هناك تذبذب في المواقف منها، وذلك تبعا لعقلية الرجال في الأسرة. والمرأة الزوجة، محبوبة حينا ومقهورة في معظم الأحيان. لكن احترام الأم والرأفة بالأخت ومحبة الزوجة، لا تمنع الرجال من استباحتهن في شتائم تتمحور على أمكنة الشرف التي تراق الدماء على شرفها.
ومن اللافت أن الرجال، عموما، يدللون المرأة ويطلقون صفة (النصف الحلو)، ويعظمون من شأنها ودورها ويقولون إنها نصف المجتمع، وهل ينهض المجتمع إلا بنصفيه؟ لكنهم في الوقت ذاته يعاملونها على أنها الأدنى، ويحاولون أن يبعدوها عن ساحة عملهم. وكأن المشكلة الحقيقية تنحصر في المرأة العاملة التي تتحدى سطوة التقاليد، وتواجه نفوذ الرجل في الأسرة والمجتمع لتضمن لنفسها كيانا اقتصاديا مستقلا. إنما هذا لا يعني أن الرجل وحده هو المسؤول عن وضع المرأة في المجتمع، بل إن المرأة شريكة في صنعه.
فقد سجنت نفسها في نمطية محدودة، وصدّقت أن دورها في الحياة ينحصر في خدمة الرجل، وفي إشباع رغباته الحسية وفي إنجاب الأولاد. كما التزمت بما قالوا لها من أن الانكسار من أحسن صفات المرأة، فمارست فروض الطاعة لزوجها بكل الوسائل وكأنها استمرأت قيودها الاجتماعية ولا تستطيع التخلي عنها.
وزادت على ذلك بأنها نمّت وما تزال تنمي صفة الذكورية في أولادها، على الرغم من احتجاجها في أحيان كثيرة على ذكورية زوجها وشكواها من معاملته لها، وتربي البنات منذ البداية على أنهن مختلفات عن إخوانهن. فالذكر في مجتمعنا يكبر وفي ذهنه أنه أقوى وأفضل من أخته، والبنت تكبر وفي ذهنها أنها أضعف من أخيها وأدنى منه مكانة.
قد تكون صورة المرأة في المجتمع هي صورة سلبية؛ لأن الرجل سبقها إلى ممارسة نشاطه في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. لكن هذا لا يلغي صورة المرأة في الأسرة، وما تتمتع به من نفوذ في تربية الأولاد وتوجيههم وإدارة شؤونهم.
لذا فإن مسؤولية التغيير في النظرة إلى المرأة تقع على عاتقها قبل غيرها، وتبدأ من البيت ومن أسلوب تربيتها لأبنائها ذكورا وإناثاً.
وإذا سلّمنا بأن النسق الاجتماعي ثابت في بعض أجزائه ومظاهره المختلفة ومتغير في بعضها الآخر، فعلينا أن ندرك أهمية تطوير مفاهيم الموروثات الثقافية والاجتماعية، وتفعيل دورها بما ينسجم ويتوافق مع آمال المجتمع الراهن وطموحاته.
والتغير الاجتماعي يختلف في فاعليته ومداه وتأثيره من مجتمع إلى مجتمع آخر، فما كان معمولا به في الماضي في بعض المواقف، قد يكون مرفوضا في الحاضر وفي المواقف ذاتها، وما كان محبوبا في السابق، قد يكون مكروها وممجوجا الآن.
إنّ التغيير الاجتماعي والتناقض الذي يحكم صلتنا بالدين، حفزاني على البحث عن حقيقة شائعة بين تشريع وعرف وتأويل وتفسير وتطبيق، وعلى التعرف بموضوعية وحرية ووعي على وضع المرأة في الدين الإسلامي، وعلى طرح أسئلة طرح بعضها أو ما يشابهها مفكرون، شغلتهم قضايا المرأة وإشكال وجودها في الدين والتراث الشعبي والمجتمع القديم والمعاصر.
هذا البحث يرمي -إن استطاع- إلى تصحيح لبس رافقنا من المهد بحكم التنشئة، واستقر في عقولنا بتأثير من العرف والعادة، وارتبط بالدين الإسلامي بفعل التأويل والتفسير لبعض آيات من القرآن، تحت وطأة مؤثرات ليست من الدين وإنما تحت وطأة التخلف لغياب العقل العلمي ولإقفال باب الاجتهاد، متناسين أن كل ما لا ينمو يضمحل وكل ما لا يتقدم يتأخر. كما أن الوجه الحقيقي لوضع المرأة في الشريعة الإسلامية ما يزال مجهولا لمعظم العامة، على الرغم من عشرات بل مئات الكتب التي كتبت حولهن وآلاف اللقاءات الإعلامية التي تستضيف باستمرار العلماء والمفكرين ورجال الدين.
والإشكال ما يزال قائما حول بعض المسائل، كالحجاب والقوامة والزواج وتعدد الزوجات والشهادة ونشوز الزوجة. ربما لأن المجتمع يغص برجال مسلمين يمارسون حياتهم وسلطاتهم الاجتماعية، بعيدا عن تعاليم الدين. فيزوجون بناتهم وهن تحت سن البلوغ، من غير استشارتهن او موافقتهن. أو يخترقون شرط العدل في الزواج الثاني، ضاربين عرض الحائط بتوجيهات المشرع: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}(3)سورة النساء. أو يعضلون بناتهم من الزواج، أو يمتنعون عن تحرير زوجاتهم من علاقة فاشلة، متناسين الآية {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (299) سورة البقرة. أو ربما لأن المشهد الديني قلق ومنقسم ويشكو من ترهل في بعض شخوصه.
ولا شك في أن العادات والتقاليد اخترعها أفراد المجتمع وكرسوها تشريعا اجتماعيا صارما، تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية في التمييز بين الجنسين في نمط العيش داخل المنزل وخارجه. كما كان للمستشرقين ودراساتهم حول الشرق العربي المسلم دور كبير في نشر صورة (الحريم) أو المرأة المحظية.
ولا ننسى أن جزءا من المسؤولية يلحق بالمنادين بتحرر المرأة؛ لأنهم نادوا بالمساواة بين الجنسين وليس بالتكامل بينهما، وبذلك أدخلوها في معركة مع الرجل، ونسوا أنه من الصعب تحقيق المساواة، والرجال فيما بينهم ليسوا متساوين؟ وكان من الأفضل أن ينادوا بتنمية الاختلاف والتمايز في المجتمع، لأن ما يميز الواحد من الآخر هو في الوقت ذاته يوحدهما.
وإذا كنّا نعيش في عالم طغى عليه التفرد في الرؤية والقرار، وشاعت فيه الأحقاد، فعلينا أن نفيد من الآفاق التي يبسطها أمامنا الدين الإسلامي لنتمكن من فتح حوار حر واع نصل به إلى عقل الإنسان وفكره وروحه ولا سيما أن الدين الإسلامي من خلال القرآن أحلّ العقل منزلة عالية وجعله نورا يهتدي به الناس، ومن تأصيل فكر ثقافي إسلامي يعايش العصر ويتفاعل معه.
إن احترامنا الدين، يقتضي إعادة النظر في أحكام الفقهاء؛ لأنها ليست أحكاما منزهة عن الخطأ، وإعادة النظر فيها ترمي إلى تطوير الخطاب الديني للتوصل إلى لغة ترشيدية مفيدة. كما أن تفسير المفسرين القدامى لآيات القرآن، على أهميته ليس تفسيرا قاطعا؛ لأنه يبقى بحدود ملكات المفسر وتأثره بالاتجاهات الثقافية والاجتماعية السائدة في عصره.
إن اختياري دراسة إشكالية وضع المرأة بين الدين والواقع، واجتهادي في تقديم قراءة جديدة أو تفسير بالرأي لبعض النصوص، لا يعني التجرؤ على النص القرآني، وإنما الغاية هي توضيح مكانة المرأة في الدين الإسلامي.
نحن مع الدعوة التي تنادي بالحفاظ على الهوية الإسلامية، ولكن ليس عن طريق القمع والتكفير، بل عن طريق فكر عاقل يجدد في الخطاب الديني ويوصلنا إلى صحوة إسلامية حقيقية تعيد إلى المرأة كرامتها، لنثبت للعالم كله أن الدين الإسلامي هو عالمي بتشريعاته الإنسانية التي سبقت مواثيق الأمم المتحدة بقرون عديدة، وبما ينضوي عليه منهجه الاجتماعي من رحمة ومودة وتراحم. فلعلنا بهذا نسهم في تصحيح ما لحق بصورة المرأة العربية والمسلمة ومكانتها من تشويه سواء في مجتمعاتنا أم في المجتمعات الغربية.
والطريق الأمثل للوصول إلى الحقيقة هو أن نتحاور ونختلف، كي نأتلف. والحقيقة، كما يراها بعض فلاسفة المسلمين، هي دائما واحدة يمكن التسامي إليها عن طريقين اثنين: أحدهما عقلي والآخر ديني، لذا فلا تعارض ما دام هناك اتفاق في الغاية النبيلة.
يرتكز منهج الكتاب، على قراءة في دور الأنثى في نشوء هذا الكون، من خلال قصص الخلق. ثم نقف على كيفية وجودها في مجتمعات بعض الحضارات القديمة، وعلى نظرة المثل الشعبي إليها. وبعد ذلك ننتقل إلى رحاب الكتب السماوية، للديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية.
وقد عمدت إلى هذه الدراسة المقارنة ليتعرف القارئ غير المسلم إلى المكانة التي منحها الدين الإسلامي للمرأة، وليتعرف القارئ المسلم على موقع المرأة في الديانتين اليهودية والمسيحية. ولعلنا بهذه الدراسة نتمكن من توضيح الصورة، ومن دحض الافتراءات الملتصقة بالدين الإسلامي، الذي يتعرض لهجمة شرسة نتيجة جهل بتعاليمه الحضارية وبمنهجه الاجتماعي المتكامل، الذي تحضر فيه المرأة فاعلة كريمة الجانب.
وأخيراً تلقي الدراسة الضوء على واقع المرأة العربية حاليا في المجتمع. وتجدر الإشارة إلى أنني في دراستي وضع المرأة في المسيحية، اعتمدت إلى جانب الكتاب المقدس على آراء بعض المرجعيات الدينية في الكنائس المتعددة. في حين كان القرآن الكريم المصدر والمرجع الأساس في دراستي وضع المرأة في الدين الإسلامي.
يقع الكتاب في 322 صفحة من القطع العادي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved