الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th April,2005 العدد : 101

الأثنين 2 ,ربيع الاول 1426

خطاب التنوير الشعري
د. سعد البازعي

يبدو لي أن من الممكن اختصار الموضوعات التي يطلقها هذا العنوان الواسع في مصطلحين وقضية، إن جاز التعبير. المصطلحان هما (خطاب) و(تنوير). أما القضية فهي المتعلقة بعلاقة الشعر بالمصطلحين وبالنقد الادبي وغيره من اشكال التعبير الثقافي.
بهذه الطريقة سأجد مدخلاً الى فضاء العنوان الواسع، وهو مدخل يناسبني لأنه يثير قضايا أثيرة لدي في طليعتها قضية المصطلح التي قضيت معها زمناً ليس باليسير. واظنني بهذه الطريقة افاجئ الاصدقاء الذين اقترحوا العنوان دون ان يحددوا ما أرادوا منه. لكني لن أخيب أملهم تماماً إذ أن اختلاف المدخل لن يعني اختلاف البيت الذي نسعى الى دخوله هذه الليلة. ان الحمولة الثقافية والتاريخية لمصطلحي (خطاب) و(تنوير) ليست واضحة تماماً لكثير ممن يستعملونها في الثقافة العربية اليوم. فتاريخ المفردتين في التداول العربي ليس بالكثافة او العمق الذي تحملانه في سياقهما الاصلي. ما يفهم من مصطلح (خطاب) الذي شاع لدينا منذ ما يقارب العقدين تقريباً، هو انه ما يقال حول موضوع ما: الخطاب السياسي هو ما يقال حول السياسة، والخطاب التنويري هو ما يقال حول التنوير، وهكذا. أما المسائل المتعلقة بهوية القائل وكيف قال الذي قاله، والابعاد الدلالية التي قد لا تكون ظاهرة لما قال، فمسائل لا تثار فيما يبدو لي من متابعة كثير من الاستعمالات الشائعة.
محمد عابد الجابري في دراسته المعروفة ل(الخطاب العربي المعاصر) يعرف الخطاب على نحو ملبس، فهو يوحي بأنه مرتبط فقط بالبناء الفكري المنطقي وبعيد عن الفن والشعر: الخطاب باعتباره مقول الكاتب.. (اذا تعلق الأمر بوجهة نظر يعبر عنها تعبيراً استدلالياً، وإلا فهو احاسيس ومشاعر، فن او شعر) يحمل وجهة نظر، او هو هذه الوجهة من مصوغة في بناء استدلالي، أي بشكل مقدمات ونتائج. ما يربط الخطاب بالبناء الفكري هو بقية التعريف إذ يؤكد الطبيعة المنطقية للخطاب، ولا يفصل في علاقة الخطاب بالفن او الشعر، تاركاً العلاقة مفتوحة، ربما لأنه لم يكن لديه الكثير ليقوله في هذا الصدد او انه ليس همه الأساس.
مفهوم فوكو للخطاب، من ناحية أخرى، وهو المفهوم الأشهر والأكثر تأثيراً في الفكر المعاصر، ومنه الفكر العربي، يسير في اتجاه يشبه ما لدى للجابري، اي باتجاه الفكر والعلوم الحديثة، وان توسع باتجاه المقول الثقافي عموماً. ولكنه مهموم بعلاقة الخطاب بالسلطة والتسلط لا سيما في العلوم وكيفية إنشاء المعرفة والسيطرة على انتاجها وانتشارها. لكن الجانب الإبداعي في الفنون والأدب يظل بعيدا عن هموم فوكو، مثلما هو عن الجابري. الذي يدخل الفنون والأدب تحت مظلة الخطاب هو رولان بارت في كتابه (خطاب عاشق)، حيث يربط الخطاب باللغة العاطفية وبالتخاطب الاجتماعي في مجالات الحب والعلاقات الاجتماعية المختلفة.
لكنني لن اتوسع في استقراء ما كتب حول الخطاب، وفي تصوري ان المسألة، اي مسألة الخطاب، قد لا تكون بنفس الحساسية التي نجدها في مسألة التنوير، لأن هناك استعمالات متعددة لمفهوم الخطاب تمتد من علم اللغة الى الفلسفة، وقد يكون أحد تلك هو المراد هنا. أما فيما يتعلق بالتنوير فقد استقر في الذهن استعمال واحد له، على ما يبدو، في الأدبيات العربية المعاصرة، استعمال يجعله رديفاً لجملة من القيم المحببة لدى الكثير منا، مثل: العقلانية والانفتاح والليبرالية والتقدم، الى غير ذلك مما يتصل بتلك القيم. تلك القيم كانت، كما يعلم الكثيرون، بمثابة العمود الفقري للتنوير الأوروبي، التنوير الأم إن جاز التعبير لحركات التنوير في الثقافات الأخرى التي تأثرت بطبيعية الحال بالثقافة الأوروبية. صحيح اننا اكتشفنا قيما مشابهة في ثقافتنا العربية الإسلامية، لكن تلك الثقافة لم تكن المصدر الذي استلهم اكثرنا منه تلك القيم. التنوير الاوروبي، من ناحيته، مر منذ ارهاصاته في عصر سبينوزا في القرن السابع عشر بالعديد من التحولات التي رسخته وأضافت اليه احيانا ثم انتقدته وحورت اتجاهه احياناً أخرى. وهذا ما يكاد يغيب عن التناول والاستعمال العربي لتلك المفردة الاصطلاحية.
فعن أي تنوير نتحدث هنا؟ وحين نجيب سنستطيع ان نطرح السؤال الكامن في العنوان: أي تنوير يمكن للشعر ان يصنعه؟
تلك قضية قد لا يراها البعض او الكثيرون قضية اصلا: فلِمَ لا آخذ المسألة ببساطة بوصفها تشير الى الكيفية التي يتحول بها الشعر الى أداة لنشر قيم العقلانية والحرية وما إليهما، المعنى المقصود على الارجح من العنوان؟ لِمَ لا أتناول الموضوع على هذا الأساس دون ان اغرق المفردات بذلك الركام من الاحتمالات؟ نعم كان يمكنني ان افعل ذلك وما زال، لكني وجدت من الصعب فعل ذلك وأنا المثقل بحضور الآخر، الآخر الغربي طبعاً، وصعوبة تجاوزه حين تطرح مفردات تتعالق في ذهني مع ما يزدحم به ذلك الحضور. لا استطيع القفز او الالتفاف بتعبير آخر حول الحمولات الدلالية التي تثقل مصطلحات مثل (خطاب) و(تنوير) في تاريخ الفكر الغربي لأتناولها من زاوية عربية بحتة تتجاهل تلك الحمولات تماماً. التنوير لا يجيء لي بطه حسين او شبلي شميل او الجابري وإنما بتلك النماذج التي استقى منها طه حسين وشميل والجابري أفكارهم وحورها بعضهم، دون أن يخلو ذلك أحياناً من ابتسار. التنوير ملتصق بذهني بفولتير وروسو وهيوم وكانط وغيرهم، مثلما ان الخطاب ملتصق بفوكو ورولان بارت وغيرهما.
يضاف الى ذلك ان طرح المسألة من هذه الزاوية الأشمل يعني الانفتاح على المزيد من الاحتمالات الدلالية وربما المزيد من العمق في تناول المسألة. سنتساءل على هذا الأساس وبالمطلق: هل يمكن للشعر ان يكون خطاباً وتنويرياً أيضاً؟ وان كان ذلك كذلك فكيف يكون؟ ويعني هذا ألا نحصر انفسنا في دائرة المحلية او العربية، بل سنشمل تلكما الدائرتين في الدائرة الاكبر، دائرة الشعر بوصفه شعراً. السمات المميزة للدائرتين المحلية والعربية لن تغيب، لكن لا ينبغي لحضورها ان يغيب سمات الشعر العامة، ان يغيب ما يكون به الشعر شعراً حيث كان وهذا لن يتأتى إلا من خلال المقارنة، من خلال وضع الشعر موضع المقارنة ببعضه البعض. ومع ذلك فلن اعدكم بطرح الموضوع على هذا المستوى العميق والشامل، وإنما هي محاولة لاثارة تساؤلات قد تؤدي بحوارنا الى ما هو اعمق مما لدي.
ان كون الشعر خطاباً بالمصطلح الفوكوي للخطاب، اي طريقة لها سماتها الخاصة في التخاطب وفي التحدث والتعبير مثلما لها اهدافها هو مما لا شك فيه. وليس المقصود هنا الناحية الجمالية او الشكلية، وإنما الناحية الفكرية الايديولوجية. ففي الشعر نجد طرحاً فكرياً ايديولوجياً يرطبه بواقع ومعين وبشروط اجتماعية وتاريخية وثقافية، وهو الطرح الذي يجعل الشعر خطاباً بالمعنى المشار اليه. ويستلزم هذا ان ننظر الى الشعر ليس على المستوى العام، اي من حيث هو كيان مجرد، أو نوع أدبي فحسب، وإنما عبر تناوله ضمن سياق ثقافي محدد، كأن نتحدث عن الشعر العربي او الأمريكي او غيره في مرحلة محددة، أو أن نحدد أكثر فنقول شعر الحداثة في المملكة العربية السعودية في مرحلة محددة وربما في مكان محدد. عندما نحدد تلك الأطر سواء كانت تاريخية أم اجتماعية أم ثقافية فسيمكننا تبين طبيعة الخطاب الذي يحمله الشعر. لكن التحديد المشار اليه وسمات الخطاب التي يمكن تبينها لن تعني عدم انسحاب بعض تلك السمات على الشعر حيث كان، فلابد من وجود مشتركات تجمع الشعر الى الشعر على أسس نوعية وثقافية شاملة، أسس توحد بعض سماته الخطابية على الأقل.
الأبعاد الخطابية والفكرية الايديولوجية المشار اليها تتضح حين نناقش مسألة التنوير، او مسألة الحداثة، وهما بالمناسبة مسألتان متلازمتان في المفاهيم المتداولة. فالتنوير والحداثة مصطلحان يلتقيان عند مفاهيم التقدم والعقلانية والليبرالية والتجديد. ولا نكاد نجد اختلافا عند المفكرين والنقاد الغربيين حول تلازم المصطلحين بما يقومان عليه من مفاهيم. وأحسب ان النقاد العرب يسيرون على نفس المنوال على الرغم من محدودية الطرح العربي قياسيا الى ما نجد في الغرب من طروحات. المهم هنا هو ان نتفق على التقاء المصطلحين وسنحاول ان نتبني مدى حضورهما، بما يتضمنانه من مفاهيم او قيم، في الشعر الذي نتناوله، والذي تحددت هويته سلفا بمجرد ان ربطنا التنوير بالحداثة.
في الشعر الموسوم بشعر الحداثة في المملكة، الشعر الذي ازدهر في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تتناثر مجموعة من القيم التي يمكن وصفها بالتنويرية حسب الاستعمال المتداول للتنوير في الثقافة العربية المعاصرة، والتي اشرت اليها قبل قليل، كما يمكن وصف تلك القيم في تشكلها اللغوي، وبمقدار ما في ذلك التشكل من انسجام بالخطاب.
ولان الشعر المشار اليه كثير النماذج اضافة الى محدودية الحيز المتاح، فلابد هنا من الاكتفاء ببعض الامثلة.
سأبدأ بمثال من بدايات التحديث والمسعى التنويري، بنص لسعد الحميدين يعود الى العام 1972م من مجموعة رسوم على الحائط 1977م، القصيدة بعنوان (رحلة العيون المرمدة) وهي منذ شكلها الظاهر، شكلها اليوناني بطباعه المسرحي، تطرح رؤية حداثية تنويرية من حيث هي تدعو، وان بنبرة يكاد يخنقها اليأس، الى التخلص من التخلف والسير قدما نحو الضوء، القادم من الآخر بما لديه من اشكال ثقافية وافكار مغايرة. هنا نجد صوتا وثلاث مجموعات من الكورس: الصوت صوت شاعر يدخل المدينة القديمة بسورها العتيق، وهو هنا قادم من المدن البعيدة، مدن الآخرين التي جاء منها على ما يبدو بالقنديلين اللذين يشير اليهما الكورس الأول: وجدناه.. وجدناه.. يحدق عند باب السور في السور.. وفي كفيه قنديلان هذان القنديلان في يد الشاعر الصوت لا يقويان على ما يبدو على مقاومة الدود وعيون البوم المتناثرة التي يلاحظها الكورس مما يجعل الصوت يشير في النهاية الى انه ما تزال هناك نجوم الليل تضيء الدرب.. تلقي بالشعاع لينتهي بالانتصار على البوم الذي نام بالساحة. أما مصباح الشاعر فالأقرب انه مصباح ديوجين، الفيلسوف اليوناني، اي المصباح العقلاني وليس مصباح علاء الدين الخرافي.
التقابل بين ذلك المصباح، رمز النور، من ناحية، وظلام الواقع المتخلف، التقابل بتعبير آخر بين الشاعر وعالمه القديم المتعفن، وانتهاء التقابل بانتصار النور يعضنا في قلب الطرح التنويري في شعر الحداثة، وهو طرح ينتشر على مختلف قصائد مجموعة الحميدين وان لم يأت دائما بالوضوح نفسه، او بمفردات النور والظلام. كما ان الطرح موجود في قصائد الشعراء آخرين. سنجده عند علي الدميني وفوزية ابو خالد ومحمد الثبيتي ومحمد عبيد الحربي وعبدالله الصيخان وأشجان الهندي وغيرهم كثير. سنجده في توحد علي الدميني بطرفة بن العبد في قصيدة (الخبت) من مجموعة رياح المواقع 1407 في مسعاهما الموحد لانقاذ القبيلة والارض: (يا ابن العبد ألق الي ادوية البعير فإنني سأنسق الأورام. استل الجراح من التفرد والزهادة. واضم هودج خولة القاسي، أزين وحشة الممشى بعقد او قلادة).
سنجده لغة تنويرية سافرة في قول الثبيتي في قصيدة (التضاريس) من المجموعة التي تحمل نفس العنوان :(من شفاهي تقطر الشمس) وصمتي لغة شاهقة تتلو اسارير البلاد، او في قوله في تغريبة القوافل والمطر اذ يطلب من كاهن الحي ان يدير مهجة الصبح، او مهجة الضوء، ويصحي الرؤوس العقول النائمة بقهوته المرة المستطابة، كما في تمنيه ان يرى قمر يحمر في غرة الدجى ويهمي على الصحراء غيثا وانجما. ان هذه كلها لغة تنويرية، تتوسل تقابلات النور والظلام لتبث رسالة توعوية بالمعنى الجذري للتوعية.
لكن الشاعر الذي يقوم بدوره التنويري في حماسة وتفان ضمن خطاب حداثي عالي النبرة ومتفائل التطلعات، ذلك الشاعر يفضي في احايين اخرى الى شاعر يرى نفسه غريبا بين قوم وفي وطن لا أمل في صحوه او نهوضه، كما لدى محمد عبيد الحربي في بعض قصائده النثرية من مجموعة رياح جاهلة (1992). ففي نص بعنوان (نزلاء الكارثة) يتماثل الشاعر وكأنه تكرار للمتنبي الذي رأى نفسه مثل صالح في ثمود: (هؤلاء الرجال يركضون في حمى سرابهم الذي يسوطهم نحو أمس ويجعلهم أقمشة للجبال... فكيف أجلس بينهم؟ كيف أمد اعناق روحي بين زكامهم؟) ثم يذكرنا بأن المخرج التنويري الذي يملكه يظل بلا قيمة لدى اولئك (لي غيمة، لو عرفوها لصاروا سماء واكواباً وشيئاً صالحاً للرثاء لي ليلة لو سهروا فيها لصاروا مطرا وأرضا ونساء قاسيات انهم نزلاء الكارثة).
ما يلفت النظر ان الحربي في موضع آخر يطرح ذلك الشاعر المغترب بين اهله وقد وقع في مأزق الانتماء اليهم، نجده وهو واقع بين فكي انتمائين، يعيش زمانين، ويرغم في كل الحالات على السير في (ريح جاهلة): أمشي زمانين اتبع مسيرات الصحراء في ريح جاهلة سلالات الغفلات الكبيرة تطفئ شمعها حول جوابي.. أقول ما يلفت النظر لأن التفاتة الشاعر الى انه واقع في مأزق الانتماء، الى الوضع الظلامي، يوحي ببروز أكثر من خطاب لديه، خطاب يؤكد إمساكه بالضوء بين من لا يريد الضوء، وخطاب يؤكد وقوعه هو في المأزق نفسه تقريباً، مأزق عدم القدرة على الاستضاءة بذلك الضوء، مأزق الصحراء والريح الجاهلتين. وفي هذا خروج عن ما نجد لدى الحربي في قصيدته الأخرى، وعن ما لدى الحميدين والدميني، إذ تبرز في هذه النماذج صورة الشاعر حاملا مشعل التنوير والتغيير. انه هنا جزء من المشكلة، غير قادر على أداء دوره لانه في تحت رحمة الريح الجاهلة.
وضع مأساوي مشابه نجده لدى اشجان الهندي في قصيدة بعنوان (الفصل) من مجموعتها للحلم رائحة المطر 1998 تتمرأى فيه الشاعرة بوصفها واحدة من تلامذة الفصل ترى الضعف والخطأ ولا تستطيع عمل شيء: فهنا في الفصل تنمو معرفة متعفنة ويسيطر عريف يفرض سطوته: (يا عريف الفصل يا طفلا تحطم في نواظرنا، ونام على هاماتنا عين تحاصرنا كأحلام الكبار.) الى ان تقول: تاء وباء تاريخنا تاء وباء منذ ان حطت عصافير على رئة الرمال.. هذه المعرفة الثقافية التي تقوم على التوبة والاستتابة والخوف هي التي تجد الشاعرة نفسها جزءاً منها، فهي جزء مما تسميه (شلة الفصل)، او (شلة الاموات): يا شلة الاموات في الماء الذي شربته ارض الله سجيت الدليل فصل ضممت اليه أطرافي، وسر هزيمتي وجمود نافذتي على شفة النخيل فصل بخيل. ثم تصل الى لغة التنوير او خطابه المألوف اذ يستحضر رموز الضوء. فالفصل (ما كان يوما عاجزا ان يكتسي بالشمس ان يتقاسم التفاح والاطفال ... لكنه فصل بخيل).
هذا التردد في المواقف سمة من سمات ما يمكن ان نسميه الخطاب التنويري في الشعر وهو سمة تحفر تحت صلابة المفهوم السائد للتنوير حيث يبدو ذو خط واضح ووحيد الاتجاه من الماضي الى المستقبل، من الظلام الى الضوء، من المقيد الى الحر، الى آخر تلك الثنائيات التي ما تلبث ان تضعف لحمتها وان لم تنهر تماما تحت معول الشك والمساءلة الشخصية والقلق. فالشاعر، اذا كان يبدع خطاباً، سواء كان تنويريا ام غيره متوقع منه ان يخلص لطبيعة الشعر لطبيعة شاعريته التي تأبى صرامة المنطق وحدة الطرح الايديولوجي. لكننا نعرف انه حتى الشاعر الحقيقي قد يفرض على نفسه خطاباً ذا بعد فكري او ايديولوجي.
في تلك الحالة ستلعب اللغة الشعرية لعبتها من خلال المشاكسة المستمرة لذلك الخطاب. وستأخذ المشاكسة شكل انزلاقات لغوية، وصور متفلتة، وعلى النحو الذي يفوق ما يكتشفه التقويضيون في اللغة المتداولة عموماً. فلغة الشعر لغة انزلاق اصلاً، لغة تقوم في أساسها على اللبس والغموض، وحين نعرف خطابها لابد لنا ان نأخذ ذلك بعين الاعتبار، تماماً كما نفعل حين نربطها بقضية فكرية او ايديلولوجية مثل التنوير.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved