الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th July,2005 العدد : 114

الأثنين 5 ,جمادى الثانية 1426

«مكة 1426» العاصمة الثقافية الإسلامية «12»
بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1426هـ، عقدت إدارة التحرير للشؤون الثقافية ندوة عن (عاصمة الثقافة الإسلامية) يوم السبت 2131426هـ الموافق 3042005م وشارك في هذه الندوة:
1 الدكتور منصور الحازمي.
2 الدكتور ناصر بن سعد الرشيد.
3 الدكتور محمد خير البقاعي.
وأدار الندوة الدكتور عبدالله المعيقل وحضرها الأستاذ إبراهيم بن عبدالرحمن التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية، وكانت محاور الندوة عن الاحتفاء بتلك المناسبة وعن الحياة العلمية والأدبية في مكة وصورة مكة في كتابات الرحالة والمستشرقين.
الدلالة
المعيقل: هذا اللقاء يأتي بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية ومعنا هذه الليلة الدكتور منصور الحازمي، والدكتور ناصر الرشيد، والدكتور محمد خير البقاعي، هذه المناسبة تثير أكثر من سؤال (مكة عاصمة الثقافة الإسلامية) ولعلنا ندخل إلى الموضوع مباشرة، وأسأل عما يوحي به هذا المسمى وما هي الدلالة التي يوحي بها هذا المسمى وما هي التصورات لدى القارئ أو لدى الكاتب عندما يسمع هذا المصطلح أو هذه التسمية.
التسمية
الحازمي: التسمية أعتقد أنها أتت من منظمة العالم الإسلامي أو منظمة بعينها اختارت مكة عاصمة للثقافة الإسلامية ولكن يعني أن مكة لا تحتاج إلى من يؤكد أو من يشير إلى أنها عاصمة للثقافة الإسلامية، وانا اعتقد أن مكة طوال التاريخ وطوال الأزمنة كلها هي في الواقع مركز ومحور الثقافة الإسلامية طبعا بعد الإسلام أصبحت مكة مهبط الوحي وأشياء كثيرة استطاعت مكة أن تسهم بها في الثقافة الإسلامية وفي العقيدة كعقيدة ولكن أيضا مكة كان لها حضور قبل الإسلام ونحن نعلم أن أول من بنى البيت هو إبراهيم الخليل عليه السلام فلما جاء الإسلام أكد هذه الريادة، المركزية وهذا المنبع الأصيل الذي يشع نوراً ويشع توجيهاً ولذلك في الواقع فإن هذا المصطلح الجديد (عاصمة للثقافة الإسلامية) لا يضيف جديداً وإنما فقط يذكر المسلمين والعالم بما قدمته مكة المكرمة طوال تاريخها للعقيدة الإسلامية والمسلمين بصورة عامة ولذلك اعتقد أن هذه التسمية لا تضيف جديداً لي وللآخرين.
المصطلح
البقاعي:الحقيقة المصطلح والتسمية مشكلة لأنه حينما اطلقت منظمة المؤتمر الإسلامي تلك التسمية وقعت في ورطة عندما قالت (مكة عاصمة الثقافة الإسلامية) لأنها نسيت أن مكة المكرمة لم تكن في يوم عاصمة للدولة الإسلامية والدولة الإسلامية نشأت في المدينة وخلطت بين الدين والثقافة، السؤال الذي يطرح (هل هناك ثقافة إسلامية.. هل هناك ثقافة أم ثقافات) وكان ينبغي أن يقال مكة عاصمة الثقافات الإسلامية لانني اعتقد أن الثقافة الإسلامية في ماليزيا غير الثقافة الإسلامية في سوريا بمعنى الثقافة وليس بمعنى الدين لأنه إذا أردنا أن ندخل الدين في الثقافة فهذه مشكلة كبيرة لأن الدين ثوابت لا يمكن أن يتطرق اليها التغيير أو التشكيل، اما الثقافة فهي ظواهر يمكن أن تتطور، ويمكن أن تصل في مرحلة من المراحل إلى التعبير عن شخصية معينة مختلفة عن الشخصية التي يقدمها هذا العنوان، إذن مكة المكرمة هي عاصمة الإسلام، عاصمة الإسلام في الحج، في كونها أول بيت وضع للناس، تثير من الأماكن الرمزية فيها التي لا تلخص تاريخ الإسلام فقط، وانما تلخص تاريخ التوحيد، التوحيد من إبراهيم عليه السلام عندما وضع قواعد البيت إلى يوم الناس هذا فمكة عاصمة للتوحيد، ليست عاصمة الإسلام فقط، هي عاصمة الأديان، لأن إبراهيم عليه السلام هو أصل الأديان، هو أبو التوحيد فالمصطلح كان ينبغي أن يكون بصيغة الجمع ويقال مكة عاصمة الثقافات الإسلامية لكي يأتي اليها الاندونيسي من اقليم اتشي ويأتي اليها بثقافته المختلفة المتميزة التي تغني الثقافة الإسلامية بالمعنى الانثربولوجي للثقافة وليس بالمعنى الديني، هذا بداية كان ينبغي أن تكون كلمة الثقافة بصيغة الجمع، وعند ذلك يمكن أن نسوق هذا العنوان، ويمكن أن يضيف لنا شيئا عندما يكون عاصمة للثقافات الإسلامية تضيف لنا أشياء لا نعرفها لأن الثقافات الإسلامية ثقافات غنية في الهند في افغانستان في باكستان في كل هذه الدول هناك ثقافات غنية دخلت عقول الناس في أنحاء الدنيا فعند ذلك يمكن أن يكون العنوان المقترح يضيف أشياء لكن المشكلة الخلط بين الدين والثقافة وهو خلط لا أدرى كيف فات على منظمة المؤتمر الإسلامي أنها جعلت (مكة عاصمة الثقافة) وهي عاصمة الإسلام ولو قالت عاصمة الثقافات الإسلامية لخرجت من هذه الأمور.
ثقافات
الحازمي: أود أن أعلق تعليقاً بسيطاً.. في الواقع، أعتقد أن الذين فكروا في قضية الثقافات أو الثقافة طبعا لم يريدوا هذه التفصيلات الموجودة بين الثقافات في شتى بقاع العالم الإسلامي أنا أذكر وولدت في مكة وكنت صغيراً واعرف انه كانت مكة فيها كثير من الحلقات ويعرفها الدكتور ناصر الرشيد حلقات متعددة وثقافات متعددة، فيه ثقافة يمثلها واحد عالم من دولة اندونيسيا وثقافة أخرى يمثلها عالم من الهند ولذلك هذه في الواقع كانت موجودة ولذلك قضية ثقافة وثقافات ممكن أن تكون مكة تثرى الثقافة الإسلامية بوسائل الانتشار الثقافي الذي كان موجوداً في تلك الحلقات المتعددة والمتنوعة وأن كنت احضر هذه الأشياء واسمعها من بعيد، كانت تدرس أشياء كثيرة بلغات لا أفهمها ونحن نعرف أن هذه الثقافات تمثل التيارات والمذاهب المتعددة والثقافات.. فأنا اعتقد أن هذه الأشياء موجودة وما اظن أن الذين فكروا في جعل مكة عاصمة للثقافة الإسلامية قد فكروا في تلك التفصيلات التي أشرنا اليها من قبل.
أصفهان
البقاعي: في العام القادم هناك فكرة أن نجعل
(أصفهان) عاصمة للثقافة الإسلامية بعد مكة ويكون المصطلح حينئذ غريبا في أصفهان.
تساؤل
الرشيد: منذ عينت مكة عاصمة ثقافية للعالم
الإسلامي وانا اتساءل اصلا يعني كيف تساوى مكة بعواصم أخرى، مكة قليل في حقها أن نختارها عاصمةً ثقافية، اعتقد أن مكة كانت عاصمة للثقافة الإسلامية منذ بدأت الرسالة وحتى يومنا هذا، وستستمر، وكنت أتمنى أن تخصص وحدها كونها عاصمة للثقافة الإسلامية، نعم هناك عواصم إسلامية كثيرة ونعترف بها على مدى التاريخ كبغداد والبصرة والكوفة والمدينة المنورة واصفهان والأندلس، لكن جميعاً لا أقارنها بمكة، ربما بسبب معيشتي في مكة، الحقيقة أن مكة كل شبر فيها له معنى ثقافي ورمز ثقافي، لكن سأقتصر في حديثي هذا على الحرم الشريف، إذا قلنا مكة فإننا نعني في الحقيقة (الآن) الحرم المكي الشريف، هناك من يتكلم عن مكانته الدينية وكم تساوي الصلاة فيه وما إلى ذلك، لكن هذا الحرم الذي يمثل منذ بدء الرسالة وحتى يومنا هذا صرحاً علمياً شامخاً وهو بمثابة جامعة تتكرر وتتجدد على مدى العصور، الدكتور منصور الحازمي في الحقيقة أشار إلى النشاط الذي كان موجوداً في الحرم، وأنا ادركت جزءاً منه هو ليس نشاطاً عربياً، هو نشاط عالمي تتعجب فيه إذا وجدت الحلقات من جميع الألسن وتجد الثقافة الإسلامية بجميع ألسن هذه الشعوب والمذاهب، وكذلك مما يلاحظ كثرة الحلقات في صحن الحرم الشريف.
الثقافة الدينية
المعيقل: هذا مصطلح عاصمة الثقافة الإسلامية،
مصطلح قلق في حق مكة، لو قيل (الثقافة الدينية) من تاريخ مكة بدل الثقافة الإسلامية هل يعني لكم شيئاً آخر.
ثقافات
البقاعي: كنت أقول: إن الثقافة في العنوان كانت
ينبغي أن تكون ثقافات، هناك فرق الدين ليس ثقافة، الدين هو مبادئ إلهية شرعية مستقرة لا يمكن لك أن تقول هذا انثربولوجي وهذا رؤية.. هذا لا يمكن، إذا أردنا ان ندخل الثقافة في الدين فهذه مشكلة، لكن الثقافة وحدها يجب أن تكون ثقافات لو قلنا.. مكة عاصمة المسلمين هذا لا يشك فيه احد، او عاصمة الإسلام فقط بل هي عاصمة التوحيد فمكة منذ أن وضع قواعدها إبراهيم عليه السلام فهي عاصمة التوحيد وليست عاصمة الإسلام لأن الإسلام هو حلقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم هو حلقة في ظاهرة عظيمة جداً اهتدى اليها العقل البشري وهي ظاهرة التوحيد فأقول: إن كلمة (الثقافة) هنا هي كلمة انثربولجية وليست كلمة دينية بمعنى هذه الشعوب التي تختلف ألسنتها هو التي غير الإسلام طبيعة التعامل بينها عندما قال الله :{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (13)) سورة الحجرات لا تفضي إلى الخاتمة، لا تفضي إلى النهاية لأن المسلمين قبل الإسلام كانوا شعوبا وقبائل وكانوا يتناحرون فجاء الإسلام فغير المعادلة فجعل الاختلاف سببا للتعارف فالشعوب الإسلامية عندما تتعارف في مكة، تتعارف بالثقافة وهي على دين واحد.. وكان الأولى تسميتها ب (عاصمة الثقافات الإسلامية) وكون مكة العاصمة الدينية هذا لا يشك فيه احد، وليس يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
تميز
المعيقل: ندخل إلى مكة قليلا، قليلا، مكة كمكان مقدس
فيه بيت الله ومكة فيها مشاعر يأتي اليها الناس للحج والعمرة، هذا الخليط الإنساني الذي يأتي من كل مكان وأحيانا يستقر وخاصة في السنين الماضية، وقد ذكر الدكتور ناصر الرشيد قبل قليل الحرم والحلقات وهو ايضا يصب في الثقافات الإسلامية التي تحدث عنها، كيف كان نتيجة هذه الهجرات المتتالية والزيارات والاستقرار كبيئة ثقافية سواء أكانت اسلامية إذا أحببنا أن نصفها بالثقافة الإسلامية أو ثقافة إنسانية، كيف ترون أثر هذا على بيئة مكة بحيث اعطاها صفة متميزة عن بقية المدن في الحجاز.
الوصية
الحازمي: سؤال صعب، لأنه كثرة الأجناس التي
أتت إلى مكة للحج أو للاعتكاف أو لطلب العلم هذه ظاهرة قديمة منذ أن كان المجيء اليها هو فرض من أداء ركن من أركان الإسلام وهو الحج فالمسلمون حينما يأتون من شتى بقاع العالم، من أماكن نائية ومخيفة حتى السفر إلى مكة في تلك السنوات الخوالي يعتبر مغامرة، فالذي يأتي إلى مكة فكثير ما يكتب وصيته في مرحلة ما قبل الحكم السعودي وكانت القبائل تشكل خطورة جداً وهذا الاستقرار في صالح المسلمين لأنه كانت القبائل في الواقع والدنيا كانت آنذاك في فوضى وكان الجوع يدفع تلك القبائل للقتل او الاختلاس او الاعتداء ولذلك مجيء هذه الجنسيات المختلفة إلى مكة واقامتها ليس لتأدية الحج فقط، وكثير منهم يؤوبون إلى بلدانهم المختلفة النائية ولكن بعضهم ممكن أن يستقر للمجاورة الذين اقاموا وجاوروا للتبرك ببيت الله وبعضهم يعتبر أن مجيئه إلى مكة بمثابة الخلاص والنهاية فيأتي إلى مكة ويجاور ويقيم طبعا صارت فيه مشكلة اجتماعية ونحن قد عاصرنا هذه المشكلة إن مكة تحتوي على أجناس متعددة من كل الأجناس من جميع اللغات ونحن عندما كنا صغاراً كنا نتحدث ونعرف اللغات التكرونية والبخارى والجاوي ونعرف أشياء وكلمات ونستطيع أن نخاطب الناس من خلال لغاتهم وأنا أعرف أنه عندما كنا في مكة في تلك السن المبكرة كان بعض الذين في الدكاكين لا يعرف اللغة العربية فتحاول أن تفهمه بلغته الأصيلة والمشكلة الاجتماعية وقد اكتشفتها عندما كتبت عن صحيفة (صوت الحجاز) طبعا صوت الحجاز في السنوات ما بين 1350هـ 1360هـ في فترة مبكرة نجد أن من الكتاب والأدباء الذين كانوا يكتبون في الصحيفة من كانوا يشكون من تعدد الجنسيات ويقولون ان تعدد الجنسيات في الواقع قد اوجد نوعاً من الفراغ او نوعاً من المشكلة.. إنه ليس هناك شعور بالانتماء الى الوطن، (المواطنة) اصبحت صعبة، لأن هؤلاء يحتفظون بأزيائهم ويحتفظون بلغاتهم وبأشياء كثيرة فيقولون وكانوا جريئين في الواقع اولئك الذين كتبوا مثل الآشي والفلالي، يعني مجموعة يقولون ان الوطن حرم من المواطنة الذي يشعر بالانتماء لأن هؤلاء عبارة عن كشكول، وعندما تمشي في الشوارع فإنك تجد الأزياء المختلفة والألسن المختلفة ففي الواقع هذه مشكلة المدن ولست ادرى ما الذي يحصل في بعض المدن الإسلامية الذي فيها هذه الهجرات.
المساهمة
المعيقل: ما مدى مساهمة هذه الهجرات في تكوين
الهوية الثقافية لمكة بحيث تجعلها متميزة عن غيرها.. خصوصا وأن الدكتور ناصر الرشيد عاش في مكة مدة طويلة.
المجاورة
الرشيد: مكة لها اسهام كبير في الثقافة الإسلامية،
نلاحظ مثلا في علم التفسير إلى يومنا هذا مدين للمدرسة المكية التي كان على رأسها عبدالله بن عباس رضي الله عنه، ومكة نتيجة لوضعها الاجتماعي البشري ولكونها ملتقى في الحج أو العمرة أو غيرها حتى في التجارة.. نفس الشيء هناك نظام المجاورة.. الحقيقة كنت اتمنى أن نقف على مصطلح المجاورة، ما هي (المجاورة) وما هي شروط (المجاورة)، ومن هو (المجاور) وما حقوق هذا (المجاور) ومتى يجاور الإنسان؟ وعندما نقرأ التاريخ نجد أن هناك اعلاماً يفخرون بالمجاورة حتى وجدنا الزمخشري يسمي نفسه بجار الله ولم يتسم بتلك التسمية إلا بعد أن جاور البيت العتيق وايضا بعض العلماء حينها يريد أن يؤلف كتاباً مهماً فإنه يذهب إلى مكة للمجاورة ونجد أن جار الله الزمخشري ألفه سفره العظيم في التفسير (الكشاف) في مكة وهناك ابن الجوزي وأسماء كثيرة واتمنى حقيقة أن نقف قليلا عند مصطلح (المجاورة) كما أتمنى أن يعاد الاعتبار ل (المجاورة) حتى يومنا هذا طبعا تعقدت الأمور من جنسيات وجوازات وما تبع ذلك من ملاحقة المتخلفين لكن أتمنى أن يعاد الاعتبار ل (المجاورة) وأن يجعل مكة مكانا للتفرغ العلمي وكنت أتمنى أن يقصدها العلماء من كل مكان وأن يرحب بهم وأن يطبق عليهم نظام المجاورة مع تكريمهم وتسهيل أمورهم المعيشية لأننا بهذه الطريقة نعيد إلى مكة هويتها الثقافية ويجب أن نعترف أن مكة فقدت كثيراً من هويتها الثقافية وخصوصا الثقافية الفكرية أما إذا أخذنا الثقافة بمفهومها العام من الملابس والمأكولات واللغات وبعض التقاليد، لأن الثقافة اعم من هذه كلها ونجد أن مكة يمكن هي البلد الوحيد من العالم يمكن أن تلاحظ فيها التنوع الثقافي الذي أشار اليه الدكتور منصور الحازمي ويمكنك أن تلاحظ ذلك في الفترة ما بين الأذان والاقامة وترى من يأتي ليصلي في الحرم المكي الشريف.
التنوع الثقافي
البقاعي: في الحقيقة أود أن أقف عند التنوع الثقافي
وأقول إنه تنوع ثقافي يولد الوحدة، ونستطيع أن نقول إن المكي له عادات كذا وكذا، هذه العادات هي مزيج من مجموعة من الثقافات، أصبحت علماً على مكة الآن في مأكلها ومشربها وفي فلكلورها، كانت رحلة الحج تتضمن ثقافة، هذه الثقافة وجدناها في رحلة البلوي بعنوان (تاج المفرق في تحلية علماء المشرق) العنوان الجميل لو قرأنا هذا الكتاب لوجدناها رحلة في الحج، وجاء الرحال إلى كل هذه البلدان التي ذكرت واستمع وعندما وصل إلى مكة صار يدرس ويدرس هذه هي الثقافة، لا يدرس فقط الثقافة الدينية، يدرس كل شيء كل ما سمعه في رحلته ويكون موضعا للقاء في مكة او حوار في مكة هذا الحوار الثقافي الذي كان يجري في مكة بعيداً عن الذي سميته المبادئ والمناسك المشتركة التي لا غبار عليها ولا تغيير فيها هذا الحوار هو الثقافة هذه ثقافة مكة لكنه الحوار والتنوع الذي انتج فيما بعد وحدة صرنا نسميها (الثقافة المكية) الآن العاملون بالمخطوطات يلفت انتباههم قضية المكتوب على الصفحة الأولى على صفحة العنوان (نسخ في مكة المكرمة)، قرئ في مكة المكرمة، قوبل في مكة المكرمة، وعندي صديق الآن اعد بحثا مطولاً عن المخطوطات التي نسخت في مكة المكرمة في جميع فروع الثقافة، في الأدب، في الشعر وفي الفلكلور وسجل لنا الرحالة سواء أكانوا مسلمين أم غيرهم سجلوا لنا جوانب ثقافية الحقيقة هي منجم لم يستغل حتى يوم الناس هذا عن مكة، سجلوا لنا جوانب ثقافية تحتاج إلى دراسات انثربولوجية، تحتاج إلى مناهج لنفهم قضايا ما زلنا حتى يوم الناس هذا نجهلها منها قضية (المجاورة) ونجد أن (المجاورة) فعل ثقافي، فعل نفسي، فعل ديني، لا يمكن أن نكتفي بهذا المصطلح ونقول جاء فلان وجلس يمكن أن يأتي ويجلس ولا يكون مجاوراً.
شروط المجاورة: وهي شروط ثقافية بكليتها بغض النظر أو افراد الجوانب الدينية التي طبعا لا يمكن لواحد يأتي لمكة إلا ويقوم بهذه المناسك الدينية الثابتة، وهناك شيء في مكة اسمه (الأربطة) أو (الرباط) هذه كانت دوراً للثقافة، أين كان يذهب هؤلاء العلماء كانوا يذهبون إلى هذه (الأربطة وتدور فيها حوارات ونقاشات، وذكر أحد الرحالة الأجانب في هذا الشأن وكان يقول أنا في غرفتي في الحج بمكة كنت استمع من خلال النافذة إلى كل لغات العالم واحد يغني والثاني يلبس والآخر يأكل فهذه هي الثقافة التي قصدها العنوان والذي ينبغي أن يدقق النظر فيها وأن تدرس دراسة ليست دراسة تقليدية وانما دراسة ايناسية او انثروبولجية.
الصورة
المعيقل: سنأتي إلى مكة للإلهام الابداعي، أما وقد
بدأت بالرحالة يا دكتور محمد سؤالي هل صورة مكة عند الرحالة كمكان مقدس كملتقى للثقافات أم أن الصورتين موجودتان، لكن واحدة تتغلب على الثانية.
الثقافة المكية
الحازمي: على الرغم من كل هذه الثقافات المتنوعة
والمتعددة فلا بد أن هذه الثقافات المختلفة أن تخلق ثقافة واحدة لأن هذه الثقافات مع الزمن تذوب وتتغير وتتبدل وتتشكل وتصبح ثقافة مكية هذه الثقافة المكية لو تأملتها تجد من الصعب جداً أن تتبع العناصر التي كونت هذه الثقافة مثل اللوحة الجميلة من الصعب أن تفككها وتقول هذا من اثر كذا وطبعا هذا ينطبق على الشعوب الأخرى، مثلا عندما تذهب إلى أمريكا كقارة أو أي بلد آخر تجد فيه ثقافات وجنسيات متعددة يمكن كان بينها نوع من الصراع أو الخلاف لكن مع الزمن لابد أن تنتج هذه الثقافات فلذلك تستطيع أن تقول أين الثقافة المكية، ما هي الثقافة المكية، بغض النظر عن الأجناس التي شاركت فيه لأنه مع هذا الاختلاط ومع الزمن ومع التغير اصبح هناك خصائص معينة حتى للشخصية المكية ولذلك أقول إن هذه الثقافات المتعددة لابد أن تنتج ثقافة واحدة لها مزايا.. ومكة من أكثر بلدان الدنيا تفتحا حتى على الموسيقى والطرب وصحيح أنها عاصمة دينية واكتسبت خصائص معينة في أشياء لا يمكن أن تتصورها.
التفاعل
الرشيد: هذه الثقافات المتنوعة التي تكون وحدة
ثقافية فهي تظل ثقافات تنتمي الى بلادها الأصلية لا تمت إلى مكة، نعم.. هذه الثقافات تتفاعل ثم تذوب وتكون هوية ثقافية واسمحوا لي في هذا السياق أن اقارن بين ثقافتين هي متقاربتين بين الثقافة المكية والثقافة المدنية نجد أن بينهما تشابهاً من حيث التقديس من حيث المسجدين، من حيث زيارة الناس لهما والحقيقة أن هذا التنوع الثقافي في المدينة افرز ثقافة مختلفة عن ثقافة مكة ونعود إلى محورنا الأساسي صورة مكة عند الرحالة فنجد أن صورة مكة عند الرحالة مختلفة باختلاف غرض الرحلة واختلاف شخصية الرحالة، وهناك غربيون وهناك أناس أتوا من أماكن بعيدة لكنهم مسلمون يمكن أن ينطبق عليهم اسم (الرحالة) أما الغربيون هؤلاء فقد جاءوا بغرض التجسس في الأغلب ولعل القصة المشهورة تعكس ذلك قصة ريتشارد بيرتون وهو من أشهر رحالة الإنجليزي على الاطلاق وهذا الرجل كان إلى حد ما يشبه الأفغان في شكله فجهز لهذه الرحلة وكان يكتب تقريراً عن مكة وكان كما اشار الدكتور زغلول النجار ايضا يأخذ قطعة صغيرة من الحجر الأسود وهذه قصة عجيبة جداً ريتشارد بيرتون الملتحي ذكر تلك القصة في كتابه (الطريق إلى مكة) وهذه القصة تحتاج من اخواتنا في مكة ان يلموا بتفاصيلها واحداثها في نشاطهم الثقافي من خلال ندوة أو محاضرة، لكن هذا الرجل يقصد ريتشارد بيرتون جاء بعين جاسوسية فهو يرصد الأشياء سواء كانت اجتماعية أم سياسية وما إلى ذلك، حينما يأتي بوركهارت وقد جاء من الطائف مع الأتراك كجندي تركي وقد جاء بعين غير عينه لكن لو عدت إلى الرحالة المسلمين اسمحوا لي أن أقول: إن انطباعاتهم عن مكة لم تكن حسنة، جاءوا وهذا ايضا ليس ناتجا عن مكة بالذات وانما هو ناتج عن اوضاعها خصوصاً أوضاعها السياسية خصوصا في القرون السابع والثامن والتاسع، التي كانت أوضاعاً ليست مطمئنة من تخلف واقتتال داخل الحرم وبعض الرحالة ذكر مع الأسف الشديد ان الدماء كانت تسيل إلى الركب وهم يطوفون حتى إن الرحالة الأندلسي ابن جبير صور تلك المأساة عندما دخل مكة، بالرغم من أن صورتها المقدسة كانت في ذهن ابن جبير، كانت مدينة فاضلة مقدسة طاهرة.


....يتبع

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved