الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th July,2005 العدد : 114

الأثنين 5 ,جمادى الثانية 1426

العلم.. واللغة.. والنقد.. وأين الإجابة
صالح بن سعد اللحيدان
العرب في جاهليتهم بالتوحيد كان مقامهم في شبه جزيرة العرب في تخومها وأطرافها ومسالك مهبط الماء وقراره واخضرار الأرض، فكانوا لا يختلطون بغيرهم من العجم إلا ما ندر لطارئ ما أو حال تكون قد أوجفت خلالهم بتراوح اللقاء، وكل هذا كان أمراً جليلاً في سلامة لغة العرب ودوام بكارتها المعتقة وعتق جمالها وضخامة ألفاظها بفخامة ما تدل عليه.
وهذا أدى إلى عظم أصحابها جزالة وغزارة وسمواً سامقاً في النشر والشعر والخطابة والأمثال وكافة ما يتصل بلغتهم من لفظ واسم وصرف وفعل.
ولقد كان للوعي الفطري لديهم بأمر لغتهم وجلالها وفحولتها ما جعلها تبهر السامع وتحير المتفهم لها على غرار ماثل لا يريم، ناهيك بشدة تنقصهم لمن يلحن حتى ولو كان من: (العلية) بل يرون ذلك أشد قباحة من قباحة لحن غيره، إذا كان العرب في جاهليتهم بتوحيد الله يرون اللحن ضرراً ويرونه إضراراً، ويعدون منقصة حتى أنهم تنقصوا النابغة الذبياني.. حينما حصل منه في بيت له (إقواء) ورأوا ذلك الشائبة المشبه بمثله بمثله أن يكون.
ولعل كافة العرب أدركوا بفطرة الله التي فطرهم عليهم أنهم أهل لغة سوف تصعد وتشمخ في العالمية أبد الآباد بفضل الله ثم بفضل الحاملين: للغة القرآن والسنة عبر تطاول القرون.
ولهذا أجفل العجم وخنس المبطل وماع الرجراج وبانت سوأة الدخيل والمرجف والسماع المتسلق، أجفل العجم وسواهم حينما علا كعب اللغة وسمق الشعر والمثل بها لما تطعمت بالقرآن وازدانت بلفظ حاكم ونبي ورسول هذه الأمة الذي قال: (..أنا أفصح العرب..) ، ويتساءل الكثيرون ممن ينطلق لغة الإسلام: ما بال اللغة خلال ردح قليل من الزمن سارت بها ركبان القفار والسارين ليلاً والمنجعين بالأسحار والعنارين تخوم الأرض لا يلوون على شيء، ويحق لهم ذلك أيما حق وأيما إلحاح بإدراك الحال على وطب ناهض غير بارح سراه إلا لينهض مجدداً على مسارات الطرق الطوال ليسير غدواً ورواحاً بلغته في مصاب المشرقين.
يحق لسائل أن يسأل ولمستفهم أن يستفهم حيال هذا، ولا كلام.
قال ابن لحيدان: والسبب ناهيك بالعلة أن عقلاء العرب الأحرار من عبودية النفس والعصبية والدم والعجز والسفه طاروا بها تجاراً وعلماء وشعراء ونحاة ولغويين ليجعلوا من اللغة سيدة القول وسيدة النطق المراد.
ولهذا صعق عربي في البادية حينما سمع من يتلو: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (3) سورة الحجر .
وحينما تلا رجل هذه الآية: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي} (44) سورة هود.
فقال: والله ما قال هذا إلا الله، وبقي أياماً يرددها فلا يقدر على تجاوزها لعظم اللفظ ودلالته وقوته وأنه حكم إلاهي حل بسببه وعلته.
وجبير به مطعم أرسلته قريبه لينظر لها إلى (النبي صلى الله عليه وسلم) لينظر أسارى بدر فوصل المدينة حال صلاة المغرب فوصل المسجد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهم سورة الطور، فقال كما في صحيح مسلم: فهذا أول ما وقع الإسلام في قلبي.
وقصة الوليد معروفة..
وليس هذا مني إلا مقدمة، ولأنها مقدمة عظيمة مختصرة لما تحمله مما أردته فإنني لا أرى قصوراً في الجامعات ولا النوادي الأدبية، بل الذي رأيته من بعضها تقصيراً بيناً يكاد يطغى على ساحات القول، كيف ولا أثر يذكر من النتاج إلا التكرار ما بين توصية وبحث ورسالة وتحقيق وشعر واجتهاد مقصر في أولاه وأخراه.
أما التجديد وأما الإضافات وأما الاجتهاد من عالم ما فلم أر ذلك؛ ولهذا كنت حينما كنت أحقق بعض البحوث العلمية الشرعية الدقيقة في جائزة فيصل العالمية كنت لا أجيز شيئاً يعرض علي (ما لم أر فيه تجديداً لم يسبق صاحبه إليه) .
وحال الجامعات والنوادي الأدبية هنا بحاجة ماسة إلى التضلع بتجارب المسلمين الذين جددوا وأضافوا خلال القرون الثلاثة الأولى في مجال العلم واللغة والتاريخ والأدب والقصة الهادفة الواقعية والنقد الحر المتجرد بعيداً عن السطو بأي صورة تكون وبعيداً عن الدعوة إلى الذات بصورة من الصور، كان العرب في الجاهلية، وكان المسلمون بعد ذلك كلهم يجدد ويسدد فلا تكرار ولا مجرد نقل ولا تقمص، كانوا يسعون إلى اهتبال كل سبيل للتجديد واللقاء وتلاقح العقول وتوليد مفردات اللفظ للدلالة على المعنى الجديد، من أجل ذلك أرى حسب فهمي ما يلي:
1 إصلاح الوضع بطريقة عالية القدر.
2 جعل: (هيئة علمية استشارية مسؤولة) .
3 جعل (هيئة أدبية استشارية مسؤولة) .
4 إبعاد كل بحث أو رسالة فيها تكرار.
5 دقة ملاحظة مجرد النقل والتعدي دون ذكر المصدر الأصلي.
6 الإلحاح الدائم على التجديد بأي صورة.
7 الحفاظ الشديد على أصالة ما يطبع وينشر.
8 شدة متابعة: (لغة البحث) وسلامته من المعارض، لغة، ولفظاً، ونزاهة، وأمانة.
9 تحري التوثيق الصحيح.
10 البعد حال النقد من اللمز ونقد ذات الشخص بعينه.
11 مساءلة من يكتب بعيداً عن الإخلاص والقيم.
12 متابعة من يكذب حال الاستشهاد أو إيراد المعنى.
13 مساءلة من يسطو.
14 عدم طباعة ونشر من يتكرر السوء منه أو عدم الأمانة.
وهنا أمران مهمان أذكرهما لعلهما يساعدان في بعث روح الحياة بإذن الله تعالى إلى (الإضافات العلمية) خاصة الجامعات في رسائل الدكتوراه والماجستير وما يقدم من: (بحوث) من أهل تلك الجامعات أياً كانوا.
أولاً: زيادة البند المادي للجامعات، تصرف على: البحوث والدراسات فقط.
بشرط أن يكون البحث أو الدرس جديداً (قطعاً) لم يسبق إليه صاحبه.
ثانياً: أن تقوم النوادي الأدبية باستضافة كبار العلماء، سواء كانوا رسميين أو غير رسميين في مجال العلم الشرعي والأدبي والنقدي واللغوي ممن عرف عنهم التأصيل والانقطاع ولم يعرف عنهم مجرد الوعظ فقط أو الإنشاء أو حب الحضور.
وهذا يمكن عن طريقين:
1 شدة وحرص البحث عنهم وكثير منهم بعيداً عن الأضواء بسبب انقطاعهم للبحث والدراسة الجادة الهادئة المركزة.
2 زيادة البند المادي للنوادي الأدبية لهذا الخصوص (فقط) .
وكم يسرني تلقي ما يشجع على ما رأيته للحال المزرية التي يجب أن يكون للتجديد فيها المجال كل المجال والسعة كل السعة والحرص الحرص كله.
ناهيك بالبذل رافد النهوض ودافع التجديد ليكون.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved