الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th August,2003 العدد : 24

الأثنين 13 ,جمادى الثانية 1424

أحكام علي بن زايد (1)
علي العمري

من المؤكد أن الثقافة الإنسانية تخسر كثيراً عندما يعبر تاريخها شخصيات كثفت وجودها ليكون وجوداً غير عادي وتركت قبل أن ترحل ما يضيء للإنسان ولو شبراً في متاهته الطويلة والمعتمة، كما أنه من المؤكد أن ثمة شخصيات عظيمة مرّت ولم تسمع بها البشرية خاصة في الثقافات البدائية الفقيرة والبعيدة عن المراكز الحضرية وإن كانت شظايا آثار مثل تلك الشخصيات لا بد أن تبقى شفاهة على ألسنة البشر في تلك البيئات. وواحد من تلك الشخصيات كان الحكيم اليماني الشاعر علي بن زايد الذي يعود الفضل في حفظ شيء من حكمه وأشعاره للمستشرق الروسي أناطولي أغاريشيف الذي بذل جهداً كبيراً ليلتقط من أفواه الفلاحين ما يمكن تدوينه وذلك خلال اقامته في اليمن ما بين 1957 1959 وقد ساعده في تحقيق هذا الهدف المؤرخ اليماني القاضي محمد الحجري الذي يعتبر راوية أشعار علي بن زايد وجامعها من ألسنة الناس.
وعلي بن زايد شخصية مجهولة بحسب أغاريشيف لا يُعرف متى عاش ولا أين بالضبط، وإن كان المؤرخ محمد الحجري يرجح أن ابن زايد وعلى ضوء ما ترك من أشعار «عاش في الجزء الأوسط من اليمن حيث امتلك قطاعا صغيراً من الأرض.
وفي الأعوام الصعبة اضطر لرهن الأرض والتجول في أرجاء اليمن باحثا عن الرزق وقد أصبح علي بن زايد شخصية أسطورية داخل بيئته المحلية حيث التجمعات القبلية التي كانت تجد في حكم وأقوال بن زايد طاقة تمدها بالقوة أو تضيء لها ما يستعصي فهمه. بالطبع لن يكون من السهل إدراك وتحليل الأثر الخفي والقوي الذي تتركه شخصيات كعلي بن زايد داخل تلك المجتمعات القبلية المعزولة، وإن كان المجتمع المتمدن في اليمن وبحسب الحجري لا ينظر الى مآثر بن زايد بذات الاحترام.
ويتضح في هذا الكتاب الذي أصدره أغاريشيف تحت عنوان «أحكام علي بن زايد» عن دار العودة عام 1986 وضم دراسة مطولة مع (170) مقطوعة متفاوتة الطول، أن علي بن زايد كان شخصا حكيما ومهموما بالتجربة الانسانية وبالوضع الانساني سواء في العلاقة بالطبيعة أو المجتمع أو الكون، إذ أن الإنسان بوصفه كائنا اجتماعيا مضطراً لاقامة علاقة مع غيره من البشر يتحتم عليه أن يبحث عن توازن عادل في العلاقة مع الآخر وأنْ يعي أنَّ:
من كان أبوه يرعب الناس
كان القضا في عِياله
هكذا يختزل ابن زايد فيما يشبه المثل المليء بالخبرة والتجربة قانوناً خفياً عن العدالة المطلقة في الثواب والعقاب، كما يدرك بتأمل فطري التناقض البشري ونوازع النفس الإنسانية حيث أن الفرد خاصة في مجتمع قبلي كالذي عاش فيه ابن زايد يظل دائما على محك في العلاقة بالآخر إذ أن الحاجة والفقر تحتم البحث عن العون والسند وعن الصديق المعين في الشدة حين تغلق الأبواب وتشتد الفاقة ويسود الباطل.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved