الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th August,2003 العدد : 24

الأثنين 13 ,جمادى الثانية 1424

أعراف
في حضرة المتنبي (3)
البخل والداء والسخاء والتساخي
محمد جبر الحربي

أما الداء فهو عودة الاستعمار القديم شكلاً ومضموناً، على الأرض، وفي البنوك، والعقول.
على الورق، وعلى الشاشات، وعلى الألسنة.
وبالتالي تناقص الأرض العربية والإسلامية الحرة، وتناقص العقول الحرة، والأقلام الحرة.
وأما البخل فهو بخل القادرين على الفعل والعطاء.
وأما السخاء فهو سخاء المحافظين على مثلهم ومواقفهم وإيمانهم النقي حينما ميزوا بين الإيمان والإسلام، واختاروا ما أمر الله به. وسخاء المحافظين على شرفهم وأقلامهم.
وسخاء المحبين لأوطانهم.
وسخاء المائلين عن طريق التيارات البراقة الجارفة التي طغت وطفت على كل شيء والتي تريد ان تطعم الناس الهامبرجر والبيتزا، وتعلمهم أسس التعاملات البنكية الدولية، وأزرار الكمبيوتر قبل ان تعلمهم ان حب الوطن والذود عن حياضه من الإيمان، وان التفريط بالأرض ومقدرات الأمة، فكرها، وقيمها كالتفريط بالعرض والنفس، كقتل النفس التي حرم الله ملايين المرات.
وان لا صوت ولا نقود ولا بيتزا لمن لا وطن له..
لمن لا قيم له.
لمن لا جدار يدافع عنه.
سخاؤهم بكل ما يستطيعون حتى الصمت عن الخوض فيما يدينهم ساعة الضعف أو ساعة الشدة.
الصمت عن المشاركة في هذا الذي يجري ضد كل ما هو ذو قيمة، وضد كل ما هو عربي ومسلم وتقودهُ إسرائيل وتتبعها أمريكا، ويتبعها التابعون..
أما التساخي فهو ما يُزيْد به ادعياء الثقافة، وفداه كل يوم من لهاث نحو أمريكا مستسلمين لبريق الديموقراطية وحقوق الإنسان وسيل من الكلام التافه الذي ان كان من فيه من الحقيقة ولو جزءاً يسيراً فإنما يراد بها الباطل كله لا باطل بعينه، وهم همٌّ أصبح الناس حتى البسطاء منهم يعرفونه جيداً، فيحذرونهم ويحذرون حلاوة ألسنتهم، ويمجّون تخاذلهم، حتى أصبحوا يعرفونهم بسيماهم من أثر القعود ويعرفون أعينهم الماكرة، وابتساماتهم الصفراء، وحركاتهم التي تدل على المراوغة والزيف والهروب من حقيقة لا مفرّ منها لو يعلمون.. أو هم يعلمون.
إذاً فعلاً ان للنفس عادات تدل على الفتى/ أكان سخاءً ما أتى أم تساخياً.
وفعلاً ان المتنبي شاعر عظيم ولو كره الكارهون فمن منا لا يصيح اليوم:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً
وحسبُ المنايا أن يكنّ أمانيا
تمنيتها لما تمنيت أن ترى
صديقاً فأعيا أو عدواً مداجيا
وهو يقول ما يقول لا لتمني الموت الرخيص، ولكن لوصف استفحال الداء.
لأنه:
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلةٍ
فلا تستعدنّ الحسام اليمانيا
ونحن نصرّح بدائنا وأوجاعنا ونصيح معه لا رغبة في الموت بل رغبة في الحياة..
ولكنها حياة المجد والعزة،
حياةٌ نصرفها على تهذيب أنفسنا لتكون صالحة للأوطان.. أو لاستعادة المسلوب منها
حياة نُرممها لتكون لائقة لأطفالنا وعيون أحبابنا.
حياة لا نرميها تحت أحذية الغير، ولا ترمينا في مستنقعاتهم.
وإذا كان علينا ان نترحّل كما فعل المتنبي فلا بأس.. ولكن لنترحّل في أنفسنا وذواتنا، ولنترحّل في صرحنا الذي يهدّمونه ويحرقونه ولكنه باقٍ لا يزول.. لأنه هنا في القلوب والضمائر.
ذلكم الصرح هو صرح الحضارة العربية والإسلامية وهو باقٍ لأن فيه من روح الله، ولأنه سيحميه، ولأننا سنكرسه في عيون وقلوب الناس، والقادمين على أجنحة الطفولة لمستقبل سنذود عنه..
وسنرويه بدمنا، ويروون قصصه لأحفادهم أحفاد الروح العربية الإسلامية البانية، الزاهية، الداعية للسلم والسلام.. والمقاتلة.
وكفى بنا عزّةً أن نرى الصرح باقيا.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved