الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th August,2003 العدد : 24

الأثنين 13 ,جمادى الثانية 1424

من نماذج التفكير في صحافتنا
قرأت بأخرة ما كتبه الأخ: محمد الدبيسي في زاوية «تكوين» في عدد الثقافية ذي الرقم «20» في 14/5/1424هـ، وهالني ذلك الأسلوب الساخر الذي تحدث به الكاتب عن أستاذنا الدكتور محمد بن سعد بن حسين، وعجبتُ من تهكمه بمؤلفات الشيخ وأوّلياته وأعماله الأدبية الرائدة.
لا ريب أنه أسلوب مفتضح في الغمز، وطريقة بالية مهترئة للوصول إلى الشهرة، وعلامات التنصيص التي فاقت حروفه كثرة، وما تقوّست عليه من لدغات لن تضرّ الشيخ شيئاً بإذن الله.
أيها الكاتب، إن وراء الأكمة ما وراءه، ولأمر ما «جدعت أنفك» وسللت قلمك جوراً على الدكتور ابن حسين، وإلا فأي شيء دفعك لهذه الانفعالية التي أسقطتك سقطاتٍ واضحة، خذها واحدة واحدة:
أولاً: الثلاثون مؤلفاً هي حصيلة خمسة واربعين عاماً من الاشتغال بالأدب العربي، وما أظنها كثيرة على رجل في مستوى الدكتور ابن حسين علماً وخبرة، ثم انه لم يكن بدْعاً في رصفها على أغلفة كتبه، ولو استعرضت كثيراً من كتب الأدب خاصة في العصر الحديث لوجدتها كذلك، ومن ثمَّ فقد غدتْ سنة متَّبعة، فما بالك تنكرها على الشيخ؟!
ثانياً: الأوليات التي استنكرتها وهزئت بها إنما هي حق له، أو ليس هو أول من فعل هذا كله؟! وهل يُنازع الإنسان في حقوقه!! أتراك منكراً على وزير مثلاً ان يكتب لقبه أمام اسمه! فهذه هذه. أيها الدبيسي، إنك لن تكون منصفاً وأنت تسلب الناس حقوقهم، أو تتهكم بهم إن حافظوا عليها أو افتخروا بها.
ثالثاً: حملتك على صفات «المؤلف» و«المحقق»، ولا أدري كيف أناقشك فيها!! ولا ريب أنك تعني أن هذه المؤلفات ليست ذات قيمة في مضمونها، وان تحقيقاته ما هي إلا شكلية لا تتصف بأدنى صفات التحقيق العلمي، وكل هذا ادعاء منك لم تُقم عليه شاهداً واحداً.
والدعاوى ما لم يقيموا عليها
بيّنات، أصحابها أدعياءُ
ولو كنت دارساً أدبياً ذا منهج علمي ومعيار موضوعي، تعي قيمة الكتابة ونقد أعمال الآخرين، لو كنت كذلك لما هويت سبعين خريفاً في مثل هذه الترّهات التي لا تنفع قارئاً ولا تغني باحثاً.
رابعاً: الازدواجية السطحية التي تخبطت من خلالها، فكيف تصف الرجل بالانسياق وراء ذائقته، وأنه يوغل في الإشادة والتقريظ، ولا يسير على منهج نقدي بعيد عن الهوى. تقول ذلك كله ناسياً أنك قلت قبله بسطرين فقط: انه أشاد بمحمد حسن عواد، ثم دعا له بالهداية والعفو والمغفرة. فلو كان الرجل ذا هوى أتُراه يشيد بالرجل ثم يستغفر له عن زلات وقع فيها في حق الأدب ونبذ التراث واتهام المشتغلين به بالضلال!! بل تنتقد فعله هذا، في إشارة إلى أنه لم يعجبك رأيه في العواد.
فماذا يفعل الشيخ إذا كنت ساخطاً في كل الأحوال؟! وهدفك الوحيد هو تخطئته!!
إذا محاسني اللاتي أدِلُّ بها
كانت ذنوبي، فقل لي كيف أعتذرُ
خامساً: خبرني بالله عليك: كيف تحكم على تأليفه بأنها ذات مفهوم مدرسي، وتخصها بالنقد؟! وإلى أي معيار نقدي تستند في أحكامك الأفلاطونية هذه؟
كان الله في عونك على هذه البلوى.
ثم إنك لو اطلعت على مناهج دارسي الأدب العربي، وطرق عرضهم، أمثال: شوقي ضيف، وعمر الدسوقي، ومحمد عبدالمنعم خفاجي، ومحمد رجب البيومي.. لوجدتها تدور في فلك واحد من حيث المنهج والعرض والاستشهاد.
سادساً: زعمك بأن الشيخ يؤلف ويصنف حسب ما يروق لذائقته زعمٌ مريض واتهام باطل، يدل على ثقافة أدبية ضحلة. فإن تصنيف المدارس الشعرية والاتجاهات الفنية التي ذكرها الشيخ في كتابة أمورٌ مُجمع عليها في تاريخ الأدب الحديث، وانظر إن أردت أن تعلم كتاب: في «الأدب الحديث» لعمر الدسوقي، و«مدارس الشعر الحديث» و«مدارس النقد الأدبي الحديث» وكلاهما لمحمد عبدالمنعم خفاجي، و«الأدب وفنونه» لعز الدين اسماعيل، و«الأدب ومذاهبه» لمحمد مندور، و«النقد العربي الحديث» للعربي حسن درويش، وغير ذلك كثير جداً، ولكنك تتكلم فيما لا تعرف، ورحم الله ابن الجوزي فقد نظر إليك بعين الغيب حينما قال: «من تكلّم في غير فنه أتى بالعجائب».
سابعاً: إن كان للرجل تلاميذ ومريدون، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهي سُنة الله في خلقه، متى ما برع نفر من عباده في علم من العلوم أو فن من الفنون قيّض له التلاميذ التي تتلقّف عنه هذا العلم. وما ساجلتُك اليوم لأني من تلاميذه فقط، بل لأني
غضبتُ له لمّا رأيتُ صفاته
بلا واصفٍ، والشعر تهذي طماطمه
وساءني أن يُستباح حمى الرجل ظلماً، وأكتم أشياء رأيتها بعيني وسمعتها بأذني.
ومن الغريب حقاً حكمك على محمد العوين بالعدالة لمجرد أنه خالف الرجل، وهو ما عبّرت عنه بأنه «خرج من عباءته» أرأيت أنك تنظر بعين السخط، وإلا فما بالك حكمت بالعدالة لشخص لمجرد معارضته شخصاً آخر؟!!
ثم متى كان الدرس الأدبي لك بضاعة؟! وبأي شيء تدعيه صناعة؟! أببضع مقالات لا تغني من العلم شيئاً تريد أن تجعل لك مكاناً في الساحة من خلالها؟! أم بثقافة القصص والمترجمات من الآداب الأجنبية التي تكتب بأسلوبها مقالاتك التي لا يقرؤها غيرك؟! أتظن أنك تصنع شيئاً بتلك الرطانة المستترة بالأحرف العربية التي تُمضي وقتك مجتهداً في جمعها من كُناسة الصحف العربية ورصفها فيما تسميه أنت وحدك مقالاً؟! أم بتلك التراكيب الأعجمية التي تنتهبها من شذاذ الآفاق الذين أعمى الله بصيرتهم فلهجوا بكل ما هو أجنبي ظناً منهم أن هذا هو الجديد، حفيتْ أقدامهم ركضاً وراء المترجمات من الآداب الأوروبية، تلك التي يقول عنها ابن قتيبة: «ترجمة تروق بلا معنى، واسم يهول بلا جسم»، يريدون أن يوردوا على الناس ما لا يعرفون ليكسبوا بذلك إجلالهم، لأن العامّة تحترم الذي يقول كلاماً لا تفهمه، معتقدة أن هذه هي الثقافة، وما علمتْ أنها مخدوعة بقوم يبحثون عن التميّز في أي شيء، فعل المراهق الذي يريد لفت انتباه الناس ولو بالتصرفات الشاذة. أإنْ فتحت لك الصحف ذراعيها ظننت أنك بلغت السِّماكيْن علماً وأدباً، ورحت تُنظر وتُؤطر، وتصنّف الناس وتتوغل في نواياهم!!
قبل أن أودّعك أريد أن أهمس في أذنك بأمر علّك أن تستفيد منه في مستقبل أيامك: أنك تظل أيضاً بهذه الرؤية، وبهذه المعايير التي تخترعها وتسير عليها، نموذجاً من نماذج التفكير على الأقل في صحافتنا.

++
صالح بن عبدالله التويجري
Sat_1974@hotmail.com

++
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved