الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th August,2003 العدد : 24

الأثنين 13 ,جمادى الثانية 1424

«عصف» وليلة مسرحية «طائفية» «رؤية نقدية»
د. يوسف حسن العارف *

في ليلة صيفية من ليالي الطائف المأنوس، قادتني قدماي إلى مسرح جمعية الثقافة والفنون لمشاهدة العرض المسرحي الثاني لمسرحية «عصف» التي ألفها المبدع فهد الحارثي وأخرجها أحمد الأحمري، وشكل فعالياتها مجموعة من شباب ورشة العمل المسرحي بالطائف.. يتقدمهم مساعد الزهراني إضافة إلى الفريق الفني والإداري.
«عصف» مسرحية من فصل واحد تعتمد على التقنية الحداثية في مسرحة نص حداثوي مغرق في الفكر والتناصية فهو يشي بغير قليل من الإشكالية المجتمعية الراهنة التي يعانيها الفرد مع ذاته ومع الآخرين، فالذات الإنسانية يكمن في بشريتها كل ألوان الخيرية وكل أطياف الشرية.
الذات الإنسانية هي ملائكية في حيز، وشيطانية في الحيز الآخر، الذات الإنسانية هي مائية ونارية في آن!! ومن هذا المزيج والخليط يتشكل الفرد الإنسان، ويظل في سعي وترحل بحثاً عن الذات الحقيقية مزاوجاً بين فردانيته كذات مفردة وبين جماعيته كذات في جماعة، يدخل الفرد إلى داخله، والجماعة إلى دواخلها بحثاً عن النفس التي تتشظى إلى مجموعة أنفس «بعضها مؤثر وبعضها هامش وبعضها مات في مكانه» ومن خلال فعل الخروج والدخول تتشكل مجموعة من الرؤى والامشاج الفكرية التي يقدمها لنا فريق العمل المسرحي الطائفي في كبسولة نصيّة متقنة (نصاً وسينارستا وإخراجاً وأداءً).
ولعل أول ما يتجلى للناقد من نجاحات هذا العمل المسرحي ما يمكن تفضيله فيما هو آت من ترقيمات:
أ الأداء الحركي: فالنص المسرحي «عصف» يعتمد إخراجياً على حركة الممثلين فوق خشبة المسرح، فأنت تشاهد عملاً درامياً حركياً موزوناً، إن في حركة الاجساد أو الايدي أو الاقدام في بعديها الفردي والجماعي، وكل ذلك مرتبط بحركة صوتية موسيقية تضفي على حركة الممثلين المسرحيين بعداً نصياً متمازجاً مع النص القولي الذي يحكيه الممثلون في حوارية جماعية تارة وفردية تارة أخرى!!
ب الإضاءة: التي كان لها دور بطولي في تجسيد النص وحركة الممثلين واضافة بعض الظلال الحركية على خلفية المسرح لخلق جماليات تكوينية تزيد من متعة التلقي وغموضية النص مما يحيلنا إلى مشاهدة الأصل والصورة، الأمر الذي يجسد إشكالية النص التي تتداخل مع الذات لمعرفة كنهها واسرارها ما بين أصل وصورة، مجاز وحقيقة، واقع وخيال، إلى آخر هذه الثنائيات التي تفيض بها شخصيات العمل المسرحي ممثلة للذات الإنسانية!!
ج الصوت والموسيقى التصويرية: التي تدخلك إلى عالم النص المسرحي وتنقلك إلى اشعاعاته المعرفية من خلال تلاقيها واندماجها في صلب النص القولي/ المحكي على لسان الممثلين، فلا يشعر المتلقي والمشاهد الواعي أنها اضافات خارجية واكسسوارات للزينة فقط لكنها تنطلق من النص نفسه لتشكل نصاً موازياً وملتحماً في الان نفسه مع النص الاساسي، فتقف مندهشاً ومتأملاً عندما توظف الموسيقى التصويرية نصاً غنائيا معروفا «جينا الدار نسأل عا الحبايب لقينا الدار تبكي عاللي غايب» لينبثق النص الأصلي / المسرحي عن مثل هذه التوليفة الغنائية الموسيقية يجسد شاعرية النص وحركة المجموعة المسرحية في فضاء المسرح.
(4) «عصف» نص مسرحي لم نقرأه مكتوباً بل قرأناه نصاً ممسرحاً قرأناه في وجوه الممثلين قرأناه في لغتهم وحوارهم، قرأناه في الموسيقى الصاخبة والاضاءة والديكور المبسط، قرأناه من خلال التجسيد والتشكيل الحركي للأيدي والوجوه، قرأناه من خلال حديث البوح ونزع الابتسامة والضحك الجميل لدى النظارة في ذلك المساء الطائفي الجميل.
«عصف» نص حداثوي يحيلك دلالياً إلى حركة الريح وهي تلوي قامات السنابل وسعف النخيل.
وتحيلك دلالياً إلى العصف الذهني/ الفكري الذي تستثار فيه الذاكرة لمزيد من توليد المعاني والأفكار.
وتحيلك دلالياً إلى عصف الحبِّ واخراجه من سنبله، من فضاء مغلق إلى واحات شمسه!!
«عصف» هكذا بلا تعريف، مفردة نكرة، أراد كاتبها أن تكون كذلك لتوحي للمتلقي والمشاهد بمزيد من المعاني غير المحددة واللانهائية، كما هي النفس الإنسانية والذات البشرية لا تؤطر وليس لها حدود.
تلك النفس البشرية التي اختارها الكاتب/ المبدع لتكون مادة النص المعرفية، وأجرى من خلالها لغته المسرحية/ النصيّة، فاستجاب لها شباب المسرح الطائفي «خالد الثقفي، ابراهيم الحارثي، محمد جميل، أشرف العريشي، ممدوح القرشي» وأجادوها لغة والقاءً وهم من صغار السن وناشئة المسرح مازال بعضهم في سني تعليمه الثانوي أو العالي وهم وقود الفعل المسرحي المستقبلي إن شاء الله.
(5) «عصف» نص مسرحي تجاوز في لغته شيئاً من الحداثة وفي موضوعه شيئاً من الفلسفة، وفي تقديمه مسرحياً كل النجاح والمقبولية.
لمسنا ذلك عن قرب في وجوه المشاهدين الذين حضروا تلك الأمسية، وقرأناه من خلال مؤلفه المبدع فهد الحارثي الذي يضيء كقمر، ويحترق كشمعة من أجل فن راقٍ ومسرح جاد!!
هنيئاً لنا بك يا فهد، وهنيئاً لنا بالمسرحيين الشباب في جمعية الثقافة والفنون بالطائف وتحية لإدارتها ورئيسها عبدالله المرشدي، وباقة حب وتقدير لجميع الطاقم الفني والاداري لمسرحية عصف «محمد عابد بكر، جميل عسيري، مشعل الثبيتي، فيصل الخديدي، سلمان السليماني، جمعان الذيبي»

++
والحمد لله رب العالمين
* مدير إدارة الثقافة والمكتبات جدة

++
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved