إنَّ الثَّمانينَ إذ حيَّتكَ حِكمَتُهَا |
ترنو إليكَ بإعجَابٍ وإكبارِ |
نَفَضتَ في يَدِها عَرفَ الرِّياضِ شذًى |
وَصُنتَها مِن شَظايَا الذُّل وَالعَارِ |
تِسعٌ وَسبعُونَ إِذ سَيَّرتَ في دَمِهَا |
لَذَاذَةَ الطّيفِ فاشكُرْ نِعمَةَ البَارِي |
يَسمُو سُرَاهَا بِآيَاتٍ مُرَتَّلةٍ |
تَستَنبِتُ الطُّهرَ في أَوبَاتِ أَخيَارِ |
ألاَ تَرَى كَيف تَزهُو نَخلةٌ بِجَنًى |
تَزكُو بِهِ مِن (زيِادٍ) زَهرَةُ القَارِي |
نَمْ يَا ابنَ إِدرِيسَ غُصناً جَادَ من نَهَرٍ |
مُعَطَّرِ السَّكبِ، حُلوِ القَطفِ، مَوَّارِ |
وقُل لِصَاحِبِكَ: الأَيَامُ تَنْسُجُ مَا |
فَوَّفْتَ بُردَاً يُوَاري الجائِعَ العارِي |
شَكَوتَ في الأَربَعِينَ الأَينَ مَا نَضَبَتْ |
أَثْدَاءُ حُلمٍ وَلاَ خَضَرَاءُ أَوطَارِي |
أمَا تَقُوُلُ: (وَدَدْتُ البَحرَ قَافِيَتي |
وَالغَيمَ مِحبَرتِي، والأُفقَ أَشعَارِي) |
فَارقَمْ عَلَى كَفِّكَ اليُمنَى نُقُوشَ سُرَى |
في كَهفِها يَقرَأُ الأَلوَانَ آثارِي |
واَرقَمْ عَلىَ كَفِّكَ اليُسرَى بُروقَ صَدًى |
في رَجعِهِ يَقذفُ النَّوتِيُّ بِالصَّارِي |
وَدَعْ عَزِيفَ القَوَافِي فَهيَ مَحرقَتِي |
أُلقي إليهَا سَخَافَاتِي وَأعطَارِي |
سِتٌّ وَخَمسُونَ مِن عُمرِي أُبَدِّدُهَا |
مِن صَخرَةٍ بَينَ إِعنَاتٍ وإِضجَار |
حَمِدتُ فِيهَا هَزِيجَ الشَّوكِ في قَدَمي |
وَالرَّملُ مِلءُ فُؤَادِي وَالضَّنَى جَارِي |
أَستَفُّ مَا تَلفُظُ الطَّرَفَاءُ أَطعِمُهَا |
صدرِي وَأَكسو ذُرَاهَا ثَوبَ أبصَارِي |
تَمُورُ في خَلجَاتِي غََيرَ آبِهَةٍ |
صَرَّتْ جَنَادِبُ قَلبِي أَم ثَغَا دَارِي |
في زَورقِي وَهْوَ مِن خُوصِ الرِّياحِ مَدًى |
يَلذُّ لِي فِيهِ إِغفَائِي وإِبحَارِي |
لا ماءَ تَبتَلُّ مِن نَطَّافِهِ شَفَتِي |
وَلاَ رَذَاذَ يُهدِّي وَقْدَ إِعصَارِي |
سِتٌّ وَخَمسُونَ في ميدَانِهَا رَكَضَتْ |
جِيَادُ وهمٍ عَلَى أَنضَاءِ إِصرَارِي |
جَاوزتُ حُمَّى السرَّايَا مُترَعَاً ضَنَكَاً |
في لَفحةٍ من سمُومِ الغَبنِ أسوارِي |
أمتَدُّ في شَفَقٍ رَهوٍ كَمَا انبَسطَتْ |
أيدِي السُّعَاةِ عَلَى آلافِ أَمتَارِ |
وَتَزدَهيني الأَمَاني: غَبَّرَتْ رِئَتِي |
سُدًى، وَبِينَ ضُلوعِي غَرسُ أظفَارِي |
يَا قَاتَلَ اللهُ هَذَا الشَّعْرَ أَشعَلَ في |
يبِيسِ رَأسِيَ أَنَّاتِي وَأحبَارِي |
وَكَمْ بُلِيتُ بِمَن إِبهَاجُهُ أرَقي |
يَبتزُّ خُبزِي وَيَشوِي الطَّيرَ في نَارِي |