الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th September,2006 العدد : 170

الأثنين 18 ,شعبان 1427

خطاب مكشوف!!
أمل زاهد
لم يعد خافياً على المتلقي على اختلاف مشاربه الفكرية وتنوع خلفياته الثقافية الحيل التي ينتهجها صانعو الخطاب كي يمرروا فكرة ما للمتلقي أو يعززوا مقولة معينة يسعون جاهدين لإلصاقها بأرض الوعي وزرعها في تربته!!
وقد صار المتلقي بما أتيح له من انفتاح رقمي هائل وثورة اتصالات جامحة هشمت حدود الزمان والمكان وكسرت مقص الرقابة، قادراً على التمحيص بين مختلف أنواع الخطاب ومتمرسا في كشف ستر أحجبة موغلة في المتانة لم يكن يستطيع تمزيقها وتهشيمها من قبل!!
فتعددية المصادر التي يستقبلها ويتلقى منها، وتنوع خطابها، واختلاف مفرداته، وتباين مقولاته، مكنته دون شك من المقارنة وأكسبته النظرة النقدية التحليلية وسلمته مفاتيح الولوج إلى آفاق التمكن والقدرة على اكتشاف مصداقية المصدر ومدى تحريه للحقيقة وحرصه عليها!
وتوفر الخيارات وتعدد مصادر المعلومة أتاحا للمتلقي أن يكون نخبويا انتقائيا ونافيا اقصائيا فهو قادر بضغطة زر أو نقرة فأرة على إقصاء الوسيلة التي فقدت مصداقيتها بالنسبة له ثم يروح متنقلا بين مختلف الخيارات الاخرى المتوفرة لديه كي ينتقي منها المقاربة للحقيقة والساعية لإبراز معالمها، بينما يرفض تماما الأولى التي يبدو فيها تزوير الحقائق واضحا للعيان، أو تلك التي تتبنى رأيا حديا متطرفا لا يستطيع أن يرى إلا جانباً واحداً فقط من هرم الحقيقية المتعدد الأوجه!! فيصل الأمر بالمتلقي الباحث عن الحقيقة إلى مقاطعة مصدر معين أو وسيلة إعلامية ما لتأكده أنها لا تقدم له الحقيقة كما تزعم، أو لأنها تحاول أن تقولبه أو تصوغ رأيه أو تقوده مغمم البصيرة نحو هدف ما قد تم رسم خطوطه من قبل في سياساتها المنتهجة والمرسومة بعناية في صناعة الخبر أو تشكيل الرأي والتي تخدم بالطبع توجهات سياسية وفكرية محددة. حتى أن بعض القراء في الحرب الأخيرة على لبنان لم يعد يقرأ لكتاب بعينهم استطاع بوعيه وحدسه أن يكشف نواياهم أو يعرف القصد من وراء ما تخطه أقلامهم، أو قد يقرأ أحيانا ما يكتبون من باب التندر والسخرية لفقدانهم أبسط قواعد المصداقية ولتنكبهم عن طريق الحرفية المهنية واللعبة الإعلامية الحاذقة والمتمكنة من الالتفاف بمهارة واتقان حتى تصل إلى الهدف المخطط له !!
يقع الخطاب الإعلامي المقروء منه أو المرئي والمسموع عادة إبان الحروب والأزمات التي تمر بها الأمم في شرك الانحدار في مستنقع الكذب المفضوح والانحياز المكشوف، وقد ينقاد بفجاجة غثة وسذاجة واضحة إلى الانزلاق في لجة التعتيم المقصود على أحداث معينة أو التجاهل المتعمد لأحداث أخرى أو التضخيم المبالغ فيه في وصف أخرى أو قد يسقط في فخ التطبيل والتزمير والخطابة والجعجعة الجوفاء والصراخ الصاخب حتى يتسنى له تمرير وجهة نظر معينة أو تعزيز أخرى تتبناها الجهة التي تنتمي إليها الوسيلة الإعلامية الناطقة بالخطاب والتي تروم تأكيدها وفرضها على المتلقي وتنويمه مغناطيسيا كي يقتنع بصحتها. وتأتي الحروب والأزمات لتفقد معظم صنّاع الخطاب رشدهم وتسلبهم مهارتهم وحرفيتهم فينحدرون إلى هذا الفخ غير مدركين أن المتلقي بات فطنا واعيا وقادرا على سبر أغوار الحقيقة وأن ذكاءه وإدراكه قواعد اللعبة الإعلامية الحرفية في صناعة مفردات الخطاب باتا قادرين على تمكينه من كشف المستور وهتك عري الحقيقة!! ولذلك سرعان ما يتم فضح هذا الخطاب السادر في السطحية والقادر فقط على إثارة الغبار وتحريك فقاعات الضجيج في وقت تأجج الأحداث. وحتى لو تم لذلك الخطاب خداع المتلقي لفترة محددة فلا بد أن يصل المتلقي إلى حواف الحقيقة بعد حين، فعندما تهدأ العواصف تتضح الرؤية تماما وتنجلي الصورة وتظهر الحقيقة واضحة جلية كاشفة كذب المدعين وزيف المضللين!!
ورغم أن أول ما يصطدم به الإنسان العربي والمعتاد على التلقي والتلقين وقبول كافة أنواع الخطاب دون مساءلة أو تشكك عند دراسته في الغرب أو احتكاكه بالثقافة الغربية هو العقلية النقدية التي تقف طويلا أمام الخطاب محاولة تفكيك مقولاته وتحليل مفرداته، ورغم زعم الإعلام الغربي أنه يمتلك زمام الحيادية والقدرة على صناعة الخبر دون خوف من رقيب أو هاجس من سلطة ترغمه على تضمين ما لايريده في الخطاب، إلا أننا رأينا انحيازا واضحا وميلا ظاهرا في صناعة وسائل الاعلام الغربية للخطاب إبان الحرب الأخيرة على لبنان وبات واضحا أن الاعلام الغربي تحركه أيدي خفية تريد تعزيز صور معينة عبر طرحها وتعاطيها مع الأحداث ضاربة عرض الحائط بقواعد الحيادية وأصول المصداقية والصناعة الحرة للخبر!!
والمتأمل في تغطية قناة ال بي بي سي أو السي إن إن على سبيل المثال في تلك الفترة سيدرك تماما أن خطاب تلك القناتين كان منحازا تماما للجانب الإسرائيلي وقد يأخذ هذا الانحياز في أحيان كثيرة شكلا فجا مفضوحاً بينما يتوارى أحيانا ذلك الانحياز وراء بوابات الدهاء والمكر والحرفية العالية التي تمرر ما تريده من خلال مسارب ذكية يتم عبرها الدخول إلى لا وعي المتلقي دون إدراكه هو لذلك. فبينما كان شهداء قانا من الأطفال والنساء والعجز يتضرجون بدمائهم ويتهاوون تحت أنقاض الخرائب، وبينما كان ذويهم يبحثون عن بقايا أشلائهم وأوصالهم المتقطعة كانت قناة البي بي سي البريطانية تركز على عرض صور لاقتحام بعض اللبنانيين الثائرين لمبنى الأمم المتحدة في بيروت وتحطيمهم لجدرانه وتكسيرهم لكل ما يقع أمامهم وهي تغطية تتعمد تجاهل الأصل قافزة إلى الفرع تتعلق به كي تدفع بصورة معينة إلى الواجهة ترمي عبرها إلى تصوير العرب بشكل المخربين والهمجيين!! رغم أن ذلك الفعل لم يكن إلا نتيجة للهمجية والبربرية التي مورست في قانا وراح ضحيتها من راح من أرواح بريئة وأنفس طاهرة ولكن الخطاب هنا يتعمد تجاهل دماء الضحايا وأنين المكلومين والمسبب الرئيس لما حدث!! وقد حرصت القناة أيضا في تغطيتها للمجزرة الدامية في قانا على أن لا تعرض صورا دامية أو مشاهد لقتلى مقطعي الأوصال أو جثث محروقة أو متفحمة أو أطفال مشوهين جراء قصف القنابل أو دك المدافع محتجة بسياسة تنتهجها كثير من وسائل الإعلام الغربية في أن لا تعرض صور الضحايا احتراما لقدسية الموت وتجنبا لإثارة مشاعر الناس وتهييج أحزانهم. ورغم أن فداحة ما حدث في قانا وبشاعة الجرم الواقع على الأبرياء دفع بالكثير من وسائل الإعلام الغربية إلى نبذ هذه السياسة وتقويض حيثياتها إلا أن وسائل الإعلام المنحازة الغربية منها أو العربية استمرت في طريقها لا تلوي على شيء مصرة على عدم عرض صور لضحايا حتى لا تثير رجل الشارع وتهيج مشاعره على إسرائيل ومن يقف وراءها!!
طرح السي إن إن كان هو الآخر منحازا بشكل واضح ومفضوح للجانب الإسرائيلي فراح يصور المعاناة الانسانية للمدنيين في إسرائيل متغافلا ومتجاهلا المعاناة على الضفة اللبنانية فبدى المشهد معكوسا ولبس المعتدي ثوب الضحية البريئة وارتدى الذئب ثوب الحمل الوديع، وبدى كأن لبنان هي من شنت الحرب على إسرائيل وليس العكس!!
رغم الانحياز الواضح من معظم وسائل الاعلام الغربية لإسرائيل إلا أن هناك كثير من الأقلام الغربية الصادقة والمنصفة والتي خرجت تجترح الحقيقة وتسعى لاظهارها، في حين تجاوز تبجح بعض الكتاب العرب كل الحدود!! فقد خرج بعضهم شامتاً مطبلاً ومزمراً عندما سقط ثلاث ضحايا فلسطينيون في حيفا متناسين أن صواريخ حزب الله أصابت حافلة جنود إسرائيلية وقضت على عدد منهم في نفس الحادثة وأن موت أولئك الفلسطينين كان نتيجة لعدم توفير إسرائيل ملاجيء لهم!!
ورغم اعتراف إسرائيل بهزيمتها وخروج مظاهرات في تل أبيب لاسقاط حكومة اولمرت نجد إلى الآن من ينكر نصر المقاومة ويحاول التقليل من انجازاتها!! ويصل التبجح إلى هرمه الأعلى عندما يكتب أحدهم قائلاً: نعم إسلاميون فاشيون، بينما يعترض كبير أساقفة يورك على تلك التسمية الجائرة البشعة التي أشعل فتيلها الرئيس الأمريكي جورج بوش!!


Amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved