الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th September,2006 العدد : 170

الأثنين 18 ,شعبان 1427

العرب من زوايا أميركية (5)
روايات أبدايك
سعد البازعي

الكاتب الأمريكي جون أبدايك Updike واحد من عمالقة الأدب الأمريكي المعاصر وأحد أهم الكتاب في العالم اليوم، لكنه يكاد يكون مجهولاً في عالمنا العربي على الرغم من أنه أحد الكتاب القلائل الذين أبدوا اهتماماً بالعرب وثقافتهم، اهتماماً نسبياً بالطبع لكنه ذو قيمة ليس لندرته وإنما لطبيعة ما يتضمنه. الكاتب الوحيد الذي قد يفوقه اهتماماً بالثقافة العربية هو جون بارث، وهما متقاربان في السن وما زالا يكتبان. ما يميز اهتمام أبدايك، ليس من حيث القيمة بالضرورة، إنه اهتمام واقعي، فذلك يجعله أكثر انتشاراً وتأثيراً. فبارث معني بإشكاليات التقنية الكتابية في إطار الطروحات ما بعد الحداثية الغارقة في نخبويتها وضبابيتها وبعدها من ثم عن اهتمام كثير من القراء. وهذا لا يعني أن أبدايك كاتب سهل أو بسيط، فهو أيضاً مهتم بتقنيات الكتابة وأسلوبه غاية في الرهافة والمتعة بل والتعقيد أحياناً، لكنه يظل أقرب متناولاً من كتاب مثل بارث الذي أبدى اهتماماً قوياً بألف ليلة وليلة من حيث هي مخزن تقني للقص ولدلالاته الفلسفية. في كتابات أبدايك قد لا نجد ألف ليلة وليلة ولكننا نجد إشارات مهمة إلى العرب والإسلام ونجد اهتماماً قوياً بالأبعاد السياسية والثقافية وما تثير من إشكاليات.
ولد أبدايك عام 1932 في ولاية بنسلفانيا وهو كاتب متعدد الاهتمامات. فمع أنه روائي في المقام الأول إلا أنه نشر قصصاً قصيرة وأعمالاً شعرية ومقالات. وهو في الأخيرة ناقد متعدد الاهتمامات أيضاً، ومن أواخر إصداراته دراسة موسعة للفن التشكيلي الأمريكي. هذه الأعمال استحق عليها عدداً كبيراً من الجوائز المهمة على الساحة الأمريكية منها (البوليتزر برايز) و(جائزة الكتاب الوطني) أكثر من مرة. وقد ارتبط اسمه عند ظهوره بمجلة (النيويوركر) الأسبوعية الشهيرة ذات الاهتمامات الثقافية العامة. فقد ظل منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً أحد الكتاب المسهمين فيها بمراجعات كتب ومقالات مختلفة أخرى.
في كتاباته إجمالاً يطرح أبدايك إشكاليات الطبقة الوسطى مثل: العلاقة بالدين والجنس والترابط الاجتماعي وتأثير التغيرات الاقتصادية والتقنية على الحياة اليومية مثل النزعة الاستهلاكية. يتضح ذلك مثلاً في رباعية شهيرة من رواياته تتصدرها شخصية (رابت) الإنسان البسيط والأب الذي يتخلى عن عائلته فنراه في ظروف وأوضاع مختلفة. ففي أولى تلك الروايات (رابت رن) Rabbit, Run (1960) نرى (رابت) نجماً رياضياً سابقاً يحاول استعادة نجوميته ولا يستطيع تحقيق ذلك بسبب ارتباطات الزواج ومسؤوليات الحياة الاجتماعية فتكون النتيجة أنه يهرب ويتخلى عن المسؤوليات.
بطبيعة الحال لست هنا في معرض التعريف المفصل بكاتب ضخم مثل أبدايك، ولكني أذكر ذلك لرسم سياق يتضح فيه بشكل أكبر ما أنا بصدد الحديث عنه، أي اهتماماته العربية، بإبراز بعض جوانب السياق العام لأعماله. ولعل من أهم تلك الجوانب اهتمامات أبدايك على المستوى الفكري. فمن المعروف أن أبدايك تأثر كثيراً بأطروحات عالم اللاهوت السويسري كارل بارث المتوفى عام 1968 والذي ترك أثراً عميقاً في الفكر اللاهوتي البروتستانتي بتكريسه لدور الإيمان على حساب العمل وتبنيه لفكرة المسافة المتزايدة بين الإله والإنسان. وهذه أفكار تتردد بصور شتى في أعمال أبدايك، ومن تلك الرواية التي سأتناولها في سياق الموضوعة الرئيسة لهذه المقالات، أي موضوعة العرب في الثقافة الأمريكية. والرواية التي أقصد هي أحدث روايات الكاتب وعنوانها (الإرهابي) وهي صادرة في العام الحالي 2006م.
لكن قبل الدخول في تفاصيل تلك الرواية أود أن ألمح إلى إشارتين للعرب والمسلمين أو لما يتصل بهم في عملين آخرين للروائي الأمريكي. كانت الأولى في روايته (السنطور) The Centaur التي تعد من أعماله المبكرة نسبياً، فقد صدرت عام 1962. وكنت قد قرأت هذه الرواية أثناء سنوات الدراسة في الولايات المتحدة وأذكر أنني وضعت خطوطاً كثيرة تحت عدد من النقاط التي لفتت نظري آنذاك ضمن استعدادي لتطوير أطروحة دكتوراه حول ما أسميته الاستشراق الأدبي الذي قصدت به الحضور العربي الإسلامي في الآداب الغربية، فكانت إشارته إلى العرب مهمة في ذلك السياق. وكان من تلك الإشارات واحدة يقول فيها المتحدث (وهو الشخصية الرئيسة) إنه عاجز عن الوصول إلى المرأة التي يحب ليصل من ذلك إلى المقارنة التي استوقفتني:
لم يكن ممكناً تخفيف شعوري بالذنب، لم أكن قادراً على الذهاب إليها
لأنها بإرادتها وضعت نفسها على بعد عشرة أميال، وهذا الرفض من
قبلها جعلني راغباً في الانتقام ولامبالٍ: عربي من الداخل.
ثم يمضي السرد دونما توضيح للعربي من الداخل، لكن ربما كان الكاتب يتكئ على دلالة قاموسية تجعل (العربي) بالحرف اللاتيني الصغير مرادفاً للمشرد (an arab waif)، وهي مفردة نجدها في أماكن كثيرة لدى كتاب متعددين منهم الأمريكي مارك توين في نهاية التاسع عشر ومطلع العشرين.
المساحة المتبقية من هذه المقالة لن تسمح بالدخول في دلالات أخرى ممكنة لوصف العروبة التي تبرز في رواية (الإرهابي)، ولذا سأؤجل الحديث فيها حتى المقالة القادمة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved