الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th September,2006 العدد : 170

الأثنين 18 ,شعبان 1427

فاروق شوشة لـ «المجلة الثقافية »:
الشعر العربي لا يعيش مأزقاً والخطر عليه يأتي من الداخل

* القاهرة عتمان أنور:
ظل الشاعر فاروق شوشة لأكثر من 20 عاما منذ بداية مشواره الابداعي لم يخلص لكتابة الشعر وأعلن ذلك أكثر من مرة وكان يبرر هذه المقولة بأن العمل الاعلامي يشغله عن الكتابة ومن ثم الاخلاص لها وإعطائها حق قدرها والآن بعد مرور أكثر من 20 عاما أخرى هل مازال فاروق شوشة غير مخلص لكتابة الشعر... أجاب شوشة في بداية حوارنا معه بأن هذه المقولة (أطلقتها عام 85 عندما نشرت المجلد الأول من أعمالي الشعرية وكان يضم خمس مجموعات وكنت أتأمل حصاد تلك المرحلة منذ أول ديوان أصدرته عام 1966 وحتى ذلك التاريخ فقلت: إن هناك عشرين عاما انقضت في أمور كثيرة وربما شغلني العمل الإعلامي في بداية الأمر ولكن سرعان ما اكتشفت أن هذا العمل نفسه هو جزء من التجربة الشعرية الحية التي أعيشها وأن له روافده وتأثيراته المباشرة وغير المباشرة في تشكيل مساحة الوعي وتعميق علاقتي بالمجتمع ورؤيتي لكثير من السلبيات التي لم يكن ليراها إلا من يعيش داخل هذا المطبخ الإعلامي لكن سرعان ما تغيرت الصورة وأحسست أن هناك تحديا يواجهني وبالفعل كانت سنوات المسؤولية الإعلامية عندما رأست الإذاعة هي السنوات التي شهدت غزارة وتلاحقا في إبداعي الشعري وكنت أبرهن لنفسي عن أن الشواغل مهما كانت لن تبعدني أبدا عن المهمة الأساسية التي كرست لها نفسي.
* وما مدى استفادتك كشاعر من الإعلام؟
استفادتي كشاعر من الإعلام كانت كبيرة فالدائرة الإعلامية جعلتني شاهدا حقيقيا أرى وأطلع على الكثير وأعتقد أنني حين أكتب ذلك سأفصح عما لا يعرفه الناس حتى الآن إضافة إلى أن هذه الدائرة لا تزال في القرار البعيد من وجداني وأنا أكتب خاصة في قصائدي الأخيرة وعندما تجاوزت الدائرة الوظيفية أحسست أنني بدأت التحليق بحرية تامة بعيدا عن أية هتافات داخلية تصدني.
* وهل ترى أن الشعر في مأزق الآن ولم يخلص له أحد؟
أولا أحب التأكيد على أن الفن أكبر من كلمة مأزق فلا توجد قصيدة حقيقية إلا وتصل إلى جمهورها المستهدف ومهما قيل عن كتابات وعن ضيق أفق في ظل بعض الأوضاع في بلدان عربية تصادر وتحجب وتمنح فهذا كله على امتداد تاريخ الشعر لم يمنعه من الوصول والتدفق وربما يتمثل المأزق الحقيقي في الأمية وفي مستوى اللغة العربية على ألسنة الناس وأقلامهم وفي داخل العملية التعليمية في المدارس والجامعات.
* ماذا عن مكوناتك الأدبية الأولى وكيف جاء اكتشافك للغة؟
ولدت في قرية تدعى الشعراء وكان السؤال الذي يلح على وأريد معرفة إجابته هو لماذا تسميه القرية بالشعراء وقد عرفت التسمية فيما بعد لأن فيها شعراء ربابة يتحدثون عن الأبطال الشعبيين وفي كتّاب القرية تعرفت على اللغة وجمالها وكان الكتاب هو أكاديميتي الأولى التي تعملت فيها وقد حدت إبان هذه الفترة أن اجتاحت الكوليرا مصر عام 1947 وقد نالت بأذاها الكثيرين ومنهم جدي لأمي وقد استفدت من بقائي في البيت طوال هذه الفترة خوفا من عدوى المرض فقرأت كل ما في مكتبة أبي وبالذات مجلة الرواية التي كانت توأما لرسالة الزيات وإن لم تحصل على حظها من الشهرة قرأت فيها الكثير من الابداعات العالمية المترجمة وجذبني الأوديسا والإلياذة بترجمة الراحل دريني خشبة ثم كانت مكتبة البلدية في دمياط فرصة للتعرف على الشعراء محمود طه ابراهيم ناجي وعلى الجارم ومحمود حسن اسماعيل وقرأت فيها سيرة عنترة بن شداد كما كتبها الأصمعي في عشرة أجزاء. ولم يكن الكتاب بالنسبة لي مجرد أنه لحفظ القرآن بقدر كونه خبرة لغوية تأسيسية ثم اكتشفت الشعر بعد الكتاب بسنوات طويلة فأتيح لي من خلال اللغة القرآنية واللغة الشعرية ما أحلق به وما أتعامل به من اللغة لأحس أنها أصبحت جزءا من نسيج حياتي تحدد مساري في رحلة الحياة العلمية والإبداعية من خلال هذا الوعاء الذي غصت فيه أكثر اكتشفت جمالياته وعندما بدأت اكتب الشعر كنت أحاول أن أفيد من خبرتي بهذه الجماليات ومن قدرتي على التشكيل باللغة وقد حاولت عبر 39 عاما قدمت فيها برنامجي لغتنا الجميلة أن أقرب هذه اللغة إلى القارئ وأبعد عن أذهان الناس فكرة أنها لغة صعبة الولوج إليها عبر تقديم نماذج من الشعر العربي وكثيرا ما كانت تصلني رسائل اكتشفت من قراءتها أنها لأنصاف متعلمين بل لأشخاص لم يغادرو حاجز الأمية بعد.
* وماذا عن محاولاتك الإبداعية الأولى؟
المحاولة الأولى في الإبداع الشعري كانت مسرحية (هكذا مرة واحدة) وقد كلفت المدرسة عرضها 17 جنيها وهو مبلغ مرتفع في ذاك الوقت وكنت أول من يوقف الإمام علي بن أبي طالب والخليفة عثمان على خشبة مسرح وتجسيدهما كما كانت قصائد الغزل خطوة تالية لفتاة القرية التي كانت لها الفضل في إشعال الجمرة الأولى وحتى الآن أرى أن الشاعر بلا عاطفة وبلا امرأة يعيش خارج رحم الكون فالمرأة هي الزوجة والأم والبنت والحفيدة هي تكمل الدائرة وتنعش الذاكرة ثم كانت المرحلة التالية في الجامعة واتجهت إلى القصائد الوطنية والاجتماعية ومحاولات أن تكون لي قصيدتي وبصمتي الخاصة.
* وما رأيك في قضية الحداثة وعدم ملاحقة النقد لها؟
تظل مشكلة حداثة المجتمع أو تحديث المجتمعات العربية التي تتزاحم وتتجاوز وتختلط وتصطرع عصوراً وقروناً بكل ميراثها، مشكلة ضاغطة وحاكمة، فالأصوات الصادرة عن المجتمع في أبعادها الثقافية والحضارية والمعرفية والجمالية تعزف نشازاً، وتتقلص وتنكمش، وتتأزم صورة حادة سلفياً وحداثياً، وفي قلب هذا التأزم تهب زوابع عاتية تتمثل في الإلحاح على تناول القضايا اليومية، والمصيرية والمطالبة لمن يبدعون بالكتابة المستمرة حتى يضمنوا شرط الحياة والبقاء والاستمرار. ومشكلة الناقد هنا تبرز في اغترابه الثقافي والمعرفي بعد أن امتلأ بمعطيات فكر فلسفي ونقدي وصلته ثماره دون أن يتأمل مكوناته، وأنساق تعبيره عن إبداعاته في بيئاته، وهو في الأغلب الأعم يكتب لغيره من النقاد ليطلعهم على سبقه في المعرفة والاكتشاف. إن الخطر على الشعر الآن لا يجيء من خارجه، أي من الفضاءات المحيطة به، ومن علائقه الاجتماعية، أو وضعه في مقارنة مع أجناس أدبية أخرى، إنما هو خطير يجيء من داخله.
* بصفتكم أمنا عاما لمجمع اللغة العربية كيف ترون حال اللغة العربية؟
تتعرض اللغة العربية لمخاطر تتهدد وجود الإنسان العربي والمصير العربي وذلك من جراء إهمالها وغزو اللغات الأجنبية لنا وعلى ذلك لابد من قيام مؤسسات المجتمع المدني بوضع الدفاع عن اللغة العربية ضمن أولوياتها عبر تنظيم العديد من المؤتمرات الجادة والملتقيات الحاشدة والتي وجدت بالفعل صداها في إقدام جهات عديدة على جعل هذا العام عاما للغة العربية وفي مقدمتها الإذاعة المصرية التي خصصت برامج ومساحات زمنية على خريطة بثها للغة العربية. وأكرر دعوتي إلى ما أسميه بالمراجعة والنقد الذاتي والوقفة الصادقة مع النفس بغية التطوير والتماس المزيد من الإنجازات حتى يكون للمثقفين العرب موطئ قدم في خريطة هذا العصر أمام رياح العولمة العاتية، ومحاولات قوى عظمى أتيح لها أن تنفرد بالزعامة والتأثير وفرض منطقها وثقافتها وتأويلها غير عابئة بحقوق الشعوب ومصائرها. فمن المهم تضافر جهود المؤسسات التعليمية والتربوية ووسائل الإعلام العربية في تحقيق الذيوع والانتشار في عصر الاتصال الشفهي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved