الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 11th October,2004 العدد : 80

الأثنين 27 ,شعبان 1425

توصيات ملتقى المثقفين الأول..ولا عزاء (للثقافة)
سهام القحطاني
(المجتمع الذي يفتقر إلى الفكر المبدع يفقد هويته في أول مواجهة لأية مشكلة)
السيد محمد خاتمي
* تهدف مناهج التثقيف العام في المملكة إلى:
1 أن تضع الجهات المختصة مناهج تثقيفية عامة ترفع المستوى الإسلامي للفرد والمجتمع من النواحي الفكرية والخلقية والاجتماعية، وتحقق التوعية الشاملة لمختلف الشؤون في كافة المستويات.
2 وسائل الإعلام والنشر والتوعية والإرشاد ورعاية الشباب تخدم الفكرة الإسلامية وتخضع في أهدافها ووسائلها للسياسة التعليمية، وتوجه عن طريق المجلس الأعلى للتعليم.
3 تخضع لإشراف الجهات التعليمية جميع البرامج الدراسية والتدريبية، والنوادي والمراكز الثقافية والمعاهد التي تقيمها الوزارات أو المؤسسات) كتاب نظام وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية د. سليمان الحقيل ص 305
* أوردت هذه الأهداف كما نصت عليها سياسة التعليم في المملكة، لأذكر السادة المثقفين أن (مناهج التعليم) تظل الراسخ الأول للتنمية الثقافية، وهذا ما غفل عنه الإخوة المثقفون فأثروا وفضلوا (الموسيقى) على المناهج!! إنها مجرد ذكرى، ولعل الذكرى ترشد وتنفع المثقفين!!
إن (المستقبل هو السباق بين (التعلم) و (الكارثة) . ه. ج ويلز.. (ولا أدري إن كنا نفهم هذا)!
أنا لست ضد الموسيقى، ولست معها، ولا أعتبرها محورا أساسياً للبناء الثقافي، وإن كنت مؤمنة بأن الفنون المختلفة من (رسم ونحت وبالية وتصوير وجرافيك وتصميم وديكور ويوجا، والفنون اليدوية كالخزف والتطريز والنسيج) مهمة في تكوين التربية الجمالية للإنسان الحديث، فهي ملهمة الخلق الجمالي والإبداعي والسلوكي والمهاري، ولابد أن يكون لها مكان عند صياغة المناهج التعليمية. ولكن هذا لا يعني أن نطالب (بالبسكويت) بدلا من (الخبز).!! ولا عزاء (للثقافة)..!!
* انفض (الملتقى) الاول للمثقفين، وبقيت من آثاره التي أرجو ألا تتحول إلى آثار (ام أوفى) نشيّد على أطلالها (كان يا ماكان) اثنتين وعشرين توصية، جلها مطاطي النسج تستطيع أن تبقر أحشاءها لتصب داخلها كل نظريات العوالم الحية وغير الحية المختلفة، ثم تصنع منها قراطيس، وتلفها على أشكال منشور وتملأها (...) وتوزعها على أصدقائك وأصدقاء أصدقائك، وأصدقاء أصدقائك (...إلخ) حسبما تيسر لك.. (ولا عزاء للثقافة)..!
* إليكم أيها السادة (التوصية الأولى) التي تنص على: (يؤكد المجتمعون على اعتبار أوراق العمل المقدمة للملتقى والنقاشات والمداولات البناءة التي دارت في جلساته والتوصيات التي انتهى إليها أساسا لوضع الإستراتيجية الوطنية للثقافة في المملكة)!!! هكذا الأمر بكل سهولة حفنة من أوراق العمل ألقيت في ثلاثة أيام في مكان واحد ولعدد محدد، ستكون قاعدة بناء تصميم الدستور الثقافي لبلد (تبلغ مساحته 2.248.000كم، وعدد سكانه أكثر من
20 مليون نسمة، ونسبة المتعلمين فيها أكثر 68%)، هل هذا أمر منطقي أيها السادة الكرام أن يوضع الدستور الثقافي للمملكة من خلال أوراق عمل، لم تقم على أي دراسات معيارية أو إحصائية أو أبحاث علمية مسحية، تقيس التوجهات الثقافية لأفراد المجتمع المختلفة في المدن والقرى ومستجدات الثقافات الفرعية وتضبط عوامل التغير المؤثرة في ازدهار الثقافة أو تراجعها (أين علم التوجيه والتخطيط).. أم أننا ما نزال له منكرين ولو (خلع جلده)!!
إن السادة المثقفين وأغلبهم قد بلغ من (العمر عتيا) مع احترامي للجميع مازالوا يعتقدون أن المواطن السعودي كما هو التلميذ الغبي (يسمع كلام معلمه وينفذه دون نقاش).. إن عقلية المواطن السعودي نضجت نضوجا ملحوظا بعد حرب الخليج الأولى، وأصبح يؤمن بحقه في أن يرفض كلام معلمه الذي يمارس علينا من المثقفين أقصد (أساتذة الجامعة) الذين حولوا محاضراتهم من (كلاسات) الجامعة إلى الملتقيات والمؤتمرات، وأغلبهم لا يعلم عن التطور الثقافي لرجل الشارع ولا ناقة له ولا جمل في مشكلاته، ولا همومه اليومية ثم يأتي (متفلسفا) بصوت المواطن ومنظرا باسمه..
إن الثقافة هي المقياس التي تحدّد به هوية المجتمع (لا هوية الطبقة النخبوية) لذا يظل لكل مجتمع تصوره الثقافي الخاص المملوء بالتحيّز القيمي والإيديولوجي، الكامن داخل وجدان الجماعة، والموجه الأعلى لقيم وسلوك الجماعة، كما أن هذه الثقافة توفر للفرد قدوة لما يحتاجه من معايير تعينه على تشكيل موقفه نحو الأشياء، وهكذا فهي تمزج ما بين الوعي الفردي بالوعي الاجتماعي من أجل تفعيل التلاؤم بين الفرد ومجتمعه، كما أن لكل مرحلة من مراحل حياة المجتمع مسوغات ثقافية، تتأثر وتؤثر في عوامل ازدهار ثقافته، هي من تصنع أنسقته داخل النسيج العام للثقافة، وتتواجد داخل المجتمع نفسه مجموعة من الثقافات الفرعية الناتجة عن عوامل نهضته أو تراجعه التي تنمو فوق جدار الثقافة العامة للمجتمع والمؤثرة بدورها في السمات والمظاهر والمستويات الثقافية المستجدة، لذا فالترسيخ الأول للدستور الثقافي للبلاد يجب أن ينطلق من تلك المفاهيم .. إضافة إلى: أن دخول أنسقة ثقافية جديدة للنسج الثقافي للجماعة يعني صراعا بين الجديد والقديم، وهو أمر طبعي ذلك التصادم مرّت به كل الثقافات، وقدر كل جديد، وحتى نخفف من نسبة المصابين في ذلك الصراع علينا أن نجدد الوعي الاجتماعي أولا بتمهيد يعينهم على فهم الأنسقة الجديدة، لتنفيذ التوجيه الذي تمارسه
القيم العليا على سلوك الأفراد (روح العصر) قبل فرضها على النسيج الثقافي، إذن نحن نحتاج إلى آليات لتنفيذ (الوعي الاجتماعي) وفق متطلبات التجديد الثقافي، وهذا ما لم تشر إليه التوصيات.. لأننا تعودنا أن نحلم من أعلى دون أن ننظر إلى الأسفل.. لذا عادة ما تخفق كثير من مشروعاتنا الثقافية، إن التدرج حتمية منطقية قد يأخذ معدلات زمنية طويلة، لكن نتيجته مؤكدة، ولنا أن نتأمل التجربة التنموية للصين واليابان.. ولا (عزاء للثقافة)!!
* أما التوصية رقم (2) التي تنص على (الاهتمام بالثقافة بوصفها أساسا لتحصين الأمة والنهوض بها..) كنت أتمنى أن يبلور المثقفون هذه التوصية تحت صياغة (وضع خطط ومناهج، تسهم في تفعيل التنمية الثقافية المستدامة والغرس الثقافي بإشراف وزارتي التربية والتعليم والثقافة والإعلام) لأن (التعليم) هو الأساس الأول لنجاح برامج التنمية البشرية المستدامة، وهو الأساس لكل مجالات التنمية سواء كانت في الثقافة أو في مجالات أخرى.
يقصد بالتنمية الثقافية التعامل مع عامل (التغير الثقافي) في الثقافة النمطية الآداب والفنون، أو في ثقافة العلوم بمناهجها المختلفة ووسائل التقانة، وهي تسعى إلى مواجهة عامل التغير عبر خطط متحركة ذات مناهج واضحة، لمعالجة القصور الثقافي في المجتمع خلال فترات زمنية محددة وبمعدلات يمكن قياس نتائجها، وبذلك تتيح التنمية الثقافية تحرك فكر المجتمع ضمن أكبر قدر من مدارات المعرفة المتجددة، لتطوير الذهنية المعرفية للفرد وتطوير قدراته على الإبداع وإخراجه من مآزق صورة الثقافة السلفية.
(التقليد والنقل).. إننا أيها السادة المثقفون نحتاج إلى مناهج وخطط تعليمية وإعلامية لتنفيذ برامج التنمية الثقافية والغرس الثقافي، وبدون هذه البرامج القائمة على مناهج وخطط، لن نتقدم (مقدار أنملة).. ولا (عزاء للثقافة).!
* خمس توصيات من اثنتين وعشرين توصية أجد أنها تفتح لنا منفذ نور لمواجهة ظلمة الاحباطات المتتالية التي أصابتها بدءا من الحوار الوطني الأول مرورا بانتخابات هيئة الصحفيين ووصولا إلى موضوعات ملتقى المثقفين وتوصياته وهي التوصية رقم (12) المتعلقة بزيادة عدد المكتبات، وخاصة المتعلقة بالأطفال، وكم أتمنى أن نبدأ بمشروع المكتبات المتنقلة في أقرب وقت، لأن تنفيذ هذا النوع من المكتبات سيكون نواة حقيقية لثقافة رجل الشارع، والتوصية رقم (14) إشراك
القطاع الأهلي للمساهمة في التنمية الثقافية، وهذا يعني رؤية جديدة قابلة للاستثمار، إن رفعت السلطة الثقافية السائدة يد وصايتها عن المشاريع الثقافية دون شنقها (بما لم ينزّل الله به من سلطان).
والتوصيات رقم (18،17،16) المتعلقة بالطفولة، وهذا يعني إن ثقافتنا التي مازالت (غائبة عن الحضور، حتى في ملتقاها الأول)، وقد استنفدت ما هو مقرر لها من حيّز الغياب! بدأت تعي أن الطفل كائن (عقلاني) وأن الطفولة هي أجمل شيء في الوجود، فهي جامعة لكل القيم الجمالية من حب وجمال وبراءة وسلام وخير.. إنها المستقبل.. ومن واجب المجتمعات المتحضرة أن تهتم بخطط مستقبلها ومشاريعها، لأنها هي الكافلة بحمايتها، لقد بدأنا نعي أهمية ثقافة الطفل، لكن الوعي بمفرده دون آلية، لا يعني أننا نجحنا في التخطيط للمستقبل، فلنتذكر (ثقافة الطفل، التي هي من أهم رواسخ البناء الثقافي للمجتمع).. ولا (عزاء للثقافة)..!
أما فيما يتعلق بالمرأة (ولا عزاء للسيدات) فلم تفرد لها سوى توصية واحدة مطاطية الصياغة (وأحسبها جاءت مجاملة للجنس الناعم) نحفظها عن ظهر قلب، ملقاة على قارعة الطريق يعرفها البدوي والحضري، ينص رأس التوصية بعبارة (تأكيد مشاركة المرأة) وياليتهم قالوا (تفعيل) حتى نستبشر نحن معاشر النساء بأن زمن التبعيّة قد انتهى، وأننا سنتجاوز مرحلة التنفيذ إلى التخطيط، وأن الوقت قد حان للخروج من جلباب (السيد شهرزاد) لنفاجأ بعد انتهاء الملتقى بيومين من (حذف) المرأة من قوائم مجالس التربية والتعليم التي ضمت أسماء أكثر من 200 شخصية تعليمية من الرجال، وأعلنت على لسان الدكتور محمد الرشيد وزير التربية والتعليم !!! فهل كل وزارة تنقض وضوء الوزارة الأخرى، مع إن أغلب طبقة المثقفات والمبدعات تنتمي إلى وزارة التربية والتعليم و (لا عزاء للمثقفات).!!
أما فيما يتعلق بالتوصية رقم (4) التي تنصّ على (ضمان حرية التعبير المسئولة للأدباء والمثقفين والفنانين، وتوفير الأجواء المناسبة للنشر والإنتاج أليس هذا الوقت مناسبا يا أرباب الثقافة ونحن نعيش مرحلة الاستئذان للدخول على صاحبة الجلالة (الديمقراطية) أن تبلور توصية صريحة لتفعيل حرية الرأي المسئول.. (هكذا أظن).
أما التوصية رقم (10،19،10) التي دارت حول مسألة المسرح، لا أدري لماذا لم تكن هناك صياغة مباشرة وواضحة توصي (بإنشاء معاهد للفنون المسرحية في المحافظات الكبرى) بدلا من إهدار الأموال في السفر للتدريب!! لأن المسرح بل وكافة الفنون لن تسهم في الوعي المجتمع إلا إن وجدت لها قنوات رسمية أكاديمية وتنفيذية، وكنت أتمنى أن تكون هناك توصية خاصة، بتفعيل (المسرح المدرسي) للبنين والبنات، لأنه هو النواة الأساسية لتوليد المواهب في المجال، إضافة إلى أهدافه التربوية.. ولا (عزاء للثقافة)!
(وبعد)
لا شك أن المشاريع النهضوية لا تخلق بين ليلة وضحاها.. كما أن الأفكار العظيمة بمفردها، لا تصنع إنجازات عظيمة.. أو (هكذا أظن).
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved